نعمة الشكر لله

نعمة الشكر لله
الثلاثاء ١٢ يوليو ٢٠١١ - ١٠:٣٩ بتوقيت غرينتش

إنّ شكر الله تعالى حقّ شكره على عظيم نعمه وخيره لا تكون فقط بتحريك اللسان، بل حقيقة الشكر لله سبحانه تنبع من علم العبد، الفقير في كلّ شيء، بأنّه بحاجة مستمرّة لتوالي النعم عليه من الغني في كل شيء، وأن يقطع اليقين بأنّ كلّ ما يتقوّم به هذا العبد الفقير من مقوّمات الحياة: المأكل والمشرب والملبس، قيامه وقعوده، نومه وإستيقاظه.. إلخ، هي من مالك السماوات والأرضين ربِّ العالمين.

انّ من الحقوق الإسلامية حقّ شكر الإنسان الذي أكرمنا، فعن الإمام زين العابدين (ع): "أمّا حقّ ذي المعروف عليك فأن تشكره وتذكر معروفه، وتُكسبه المقالة الحسنة، وتُخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله عزّوجلّ، فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرّاً وعلانية، ثمّ إنْ قدرت على مكافأته يوماً كافيته".


بل شكر الناس على معروفهم وكرمهم من شكر الله تعالى، فعن الإمام الرضا (ع): "من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عزّوجلّ".


إذا كان الإسلام العزيز أراد منّا أن نُعزّز العلاقة والمحبة فيما بيننا عبر أداء واجب الشكر والثناء للمخلوقين عباد الله تعالى على إكرامهم لنا، فكيف إذا كان المنعم والمكرم هو ربّ العالمين وخالق الكون وهو الله جلّ جلاله، الذي تعجز الخلائق عن إحصاء نعمه عليهم، فضلاً عن عجزهم عن الثناء والحمد عليها؟


فهل سألنا أنفسنا ما هو مقدار شكرنا وثنائنا أمام عظيم نعمه وفضله تبارك وتعالى؟


يُجيبنا الإمام (ع): "إلهي، تصاغر عند تعاظم آلائك شكري، وتضاءل في جنب إكرامك إيايّ ثنائي ونشري".


فبالرغم من شكرنا وثنائنا وحمدنا فلابدّ أن نعترف بصغر ذلك، وأن نعترف بتقصيرنا وإهمالنا في شكر الله تعالى على عظيم نعمه: "وهذا مقام مَن اعترف بسبوغ النعماء وقابلها بالتقصير، وشهد على نفسه بالإهمال والتضييع". بل لابدّ أن نسأل أنفسنا مجدّداً: أليس شكرنا لله تعالى يحتاج إلى شكره على نعمة التوفيق والقدرة التي وهبنا إياها للقيام بواجب الشكر له؟


- الله جلّ جلاله غفور شكور: من أسماء الله الحسنى الغافر والشاكر والمحسن لمن آمن به وشكر نعمه، التي هي في الحقيقة إحسانه إلى عباده. جاء في محكم كتابه العزيز قوله: (ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (الشورى/ 23)، وقوله: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) (فاطر/ 34).

جلّ ثناؤه فقد عدّ الأعمال الصالحة إحساناً من العبد إليه، فجازاه بالشكر والإحسان، وهو إحسان على إحسان، وهو القائل: (هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إلاَّ الإِحْسَانُ) (الرحمن/ 60).


- كيف هي حقيقة شكرنا لله تعالى؟


إنّ شكر الله تعالى حقّ شكره على عظيم نعمه وخيره لا تكون فقط بتحريك اللسان، بل حقيقة الشكر لله سبحانه تنبع من علم العبد، الفقير في كلّ شيء، بأنّه بحاجة مستمرّة لتوالي النعم عليه من الغني في كل شيء، وأن يقطع اليقين بأنّ كلّ ما يتقوّم به هذا العبد الفقير من مقوّمات الحياة: المأكل والمشرب والملبس، قيامه وقعوده، نومه وإستيقاظه.. إلخ، هي من مالك السماوات والأرضين ربِّ العالمين.


فقال – عزّوجلّ -: يا موسى شكرتني حقّ شكري حين علمت أنّ ذلك منّي".
كما أنّه لابدّ أن يعلم هذا العبد الفقير أنّ تمام الشكر لابدّ أن يقترن بالإعتراف بالتقصير والعجز في القدرة على بلوغ أدنى درجات الشكر لله سبحانه، والعجز حتى على الثناء عليه برغم غناه عن شكرنا وثنائنا، قال الإمام الصادق (ع): "تمام الشكر إعتراف لسان السر خاضعاً لله تعالى بالعجز عن بلوغ أدنى شكره، لأنّ التوفيق للشكر نعمة حادثة يجب الشكر عليها".


هذا كلّه في جانب المعرفة القلبية، أمّا في جانب الممارسة العملية لكي يكون العبد شكوراً لله تعالى، ولكي لا يُبتلى ببلاء النفاق؛ فإنّه لابدّ أن يترجم شكره عملياً ويظهره في سلوكه من خلال تجنّب محارم الله، وعدم إقتراف المعاصي والذنوب، قال الإمام علي (ع): "شُكر المؤمن يظهر في عمله، وشُكر المنافق لا يتجاوز لسانه".


وعنّه (ع): "شُكر كلِّ نعمة الورع عن محارم الله".


وإذا أراد الإنسان أن يعصي الله تعالى – والعياذ بالله – فبماذا يعصي؟ وكيف له أن يجترئ على المولى عزّوجلّ بذلك؟


فإنّ كل الأدوات والوسائل التي يُريد أن يعصي بها الإنسان ربّه هي من نعم الله سبحانه، فإن عصى بلسانه أو بيده أو بنظره أو بسمعه أو بأيّ جارحة من جوارحه فكلّ الجوارح هي نعم الله عليه، وهذا ما نبّهنا عليه أمير المؤمنين (ع) حينما قال: "أقلّ ما يلزمكم لله ألا تستعينوا بنعمه على معاصيه".


ولذا رسم لنا الإمام عليّ (ع) منهجاً متدرّجاً وواضحاً لكي لا نخسر منزلة الشاكرين لله تعالى، حيث قال (ع): "حقّ على من أُنعم عليه أن يُحسن مكافأة المنعِم.


فإن قصّر عن ذلك وِسعَه فعليه أن يُحسن الثناء.


فإنّ كلَّ عن ذلك لسانه فعليه بمعرفة النعمة ومحبّة المنعم بها.


فإن قصّر عن ذلك فليس للنعمة بأهل".


- من آثار شُكر المنعِم: هناك العديد من الآثار الحسنة التي خيراً على الإنسان جرّاء أدائه واجب شُكر المنعِم والمفضِل عليه وهو الله عزّوجلّ، وهذه الآثار الحسنة لا تقتصر على الدنيا فقط، بل تشمل حتّى الأخرى.

ومن تلك الآثار الحسنة ما يلي: 1- الزيادة في النعمة والسعة في الرزق، قال تعالى: (.. لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم/ 7).


وعن الإمام علي (ع): "مَن أُعطي الشكر لم يُحرَم الزيادة".


ولذا فإنّ المزيد من عطاء الله وجوده وكرمه على الإنسان لا ينقطع، إلا إذا انقطع الشكر. ولهذا يجب أن لا نعيش حالة العجز والإهمال في شكر الله تعالى، ثمّ نبتغي الزيادة في النعم والخير من الله، وهذا ما أشار له الإمام عليّ (ع) حينما يقول: "لا تكن ممّن يعجز عن شكر ما أُوتي، ويبتغي الزيادة فيما بقي".
2- القطع بأنّ كل النعم والخير النازل علينا هي من الله وحده، يوجب الرحمة والمغفرة الإلهية على الإنسان قبل أن نبادر بالشكر والحمد والثناء عليه تبارك وتعالى.
3- نفي العذاب الإلهيّ عن الشاكر لله على نعمه والمؤمن بفضله وكرمه، إذ ورد في الآية الكريمة: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) (النساء/ 147)، بل الشاكر مأمون من غضب الله وحلول النقم، فعن أمير المؤمنين (ع): "شُكر النعمة أمان من حلول النقمة".


4- إنّ الله غنيّ كلّ الغنى عن شكرنا وحمدنا وثنائنا له، بالتالي حتّى هذا الأمر أراده لنا عزّوجلّ نعمة علينا؛ فالشاكر يشكر لنفسه واقعاً، كما جاء في الآية الكريمة: (.. وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (النمل/ 40)، وفي الآية: (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (لقمان/ 12).


كأجر الصائم المحتَسِب، والمعافى الشاكر له من الأجر كأجر المبتلَى الصابر، والمعطي الشاكر له من الأجر كأجر المحروم القانع".


5- يتّصف الإنسان الشاكر لله بالقناعة والإيمان بالعدل الإلهيّ في توزيع النعم طبقاً لما تقتضيه المصلحة الإلهية، قال الإمام علي (ع): "أشكر الناس أقنعهم، وأكفرهم للنعم أجشعهم"، بل ينال الشاكر لله درجة أكرم الناس.
أمّا في المقابل فإنّ عدم الشكر يجعل الإنسان متّصفاً بالجشع واللؤم وعدم القناعة بما يُنعم به الله عليه.
6- إنّ الشاكر لله تعالى يفوز بنعمة ذكر الله له، وما أعظمها من نعمة، وهنيئاً لمن يفوز بهذه النعمة الموعودة في قوله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (البقرة/ 152).


فعن رسول الله (ص): "فإنّ تعالى أخبر عن نفسه فقال: أنا جليس من ذكرني".


وعن النبي (عص)، قال الله سبحانه: "إذا عَلِمتُ أنّ الغالب على عبدي الإشتغال بي نقلت شهوته في مسالّتي ومناجاتي، فإن كان عبدي كذلك وأراد أن يسهو حُلْت بينه وبين أن يسهو".


ولهذا لابدّ للمؤمن أن يكون شاكراً وذاكراً لله تعالى في كلّ الأحوال والظروف الحسنة منها أو السيِّئة؛ لأنّ لطف الله غير بعيد في كلّ هذا، فعن رسول الله (ص): كان يقول إذا ورد عليه أمر يسرّه: "الحمد لله على هذه النعمة. وإذا ورد عليه أمر يغتمَ به قال: الحمد لله على كلّ حال".


ومن هذا المبدأ فإنّه لابدّ أن يكون شعار المؤمن الشكر دائماً وأبداً، وهذا ما يؤيّده قوله تعالى: (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا) (الزمر/ 66).
المصدر: البلاغ

تصنيف :
كلمات دليلية :