العفو الرئاسي.. مصالحة وطنية شاملة لكل أبناء سوريا

العفو الرئاسي.. مصالحة وطنية شاملة لكل أبناء سوريا
الأحد ٠١ مايو ٢٠٢٢ - ٠٤:٢٩ بتوقيت غرينتش

استكمالا لملف المصالحات الوطنية، وطي ملف الحرب، وتتويجا لمنهج المسامحة الذي انتهجته الدولة السورية عبر العديد من المحطات، وشمل كل المناطق السورية، أصدر الرئيس بشار الأسد أمس المرسوم التشريعي رقم 7 والقاضي بمنح عفو عام عن الجرائم الإرهابية المرتكبة من السوريين قبل تاريخ 30/4/2022 عدا التي أفضت إلى موت إنسان والمنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب رقم 19 لعام 2012 وقانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 لعام 1949 وتعديلاته.

العالم - سوريا

يأتي هذا المرسوم ضمن استراتيجية واضحة للدولة السورية، وهي ان سوريا لا تُبني إلا بتضافر جهود وإمكانيّات كل أبنائها في الداخل والخارج، ما يعني ان هذا المرسوم يصل الى مستوى حالة وطنيّة تتجاوز الجرح والألم والمعاناة، التي مرّ بها المواطن السوري سواء داخل الوطن أو خارجه، ويدل على قوة الدولة السورية التي تؤكد من خلاله بأنه آن الأوان لفتح صفحة جديدة للذين غُرر بهم أو أخطأوا بحقها للعودة إلى المجتمع، بما يمثله من منعطف قانوني فريد وجريء ومهم في فتح صفحة جديدة في تاريخ سوريا، بعد عشرية سوداء، وجاء ليتوج المصالحات التي تمت بعفو عام شامل، على كامل العقوبة في الجرائم الإرهابية عدا تلك التي أدت إلى وفاة إنسان، وبهذا يكون المرسوم أهم مراسيم العفو وأوسعها شمولاً بالنسبة للجرائم الإرهابية.

هذا المشهد يشكل العنوان الحقيقي لمرحلة جديدة بمعاييرها ومستوياتها، ويمثل الحدّ الفاصل بين فترتين زمنيتين، لكل منهما حساباتها ومفاهيمها، وبالتدقيق البسيط في أهمية هذا العفو – المشهد - يجب ان ننطلق من ان العدوان على سوريا كان عدواناً مركّباً، تداخل فيه الثقافي بالسياسي بالاجتماعي بمنظومة القيم الأخلاقية والحضارية والإنسانية، وصولا إلى العدوان على المفاهيم، المفاهيم التي أخضعها هذا العدوان للتشويه وليِّ عنقها، ليأتي العفو العام كحالة تهدف إلى تحقيق انسجام على الصعيد العام في المجتمع، وحالة تسامح فريدة وصك قانوني نادر، لم يسبق أن صدر، بهدف انتشال السوريين من المسارات التي غرروا بها خلال العشرية السوداء وإعادتهم إلى مسارات العلم والعمل والبناء، وملء الميدان بالأيدي العاملة السورية.

من هنا يجب ان ننتبه، ان قائمة الأولويات تتزاحم وتتسع باتساع تطلعات السوريين، وتتدرج في إلحاحها، بل في بعض جوانبها تخوض سباقها من أجل أن تفرض حضورها على أجندات العمل القادمة، وهذا ما سيجد صداه في الأيام القليلة القادمة، كون هذا العفو منجز وطني، بعيدا عن مسألة ثأر تحكمها روحٌ كيديّة أو تصفية حسابات سياسيّة، وإنّما هي مسألة وطنية بامتياز، كون العفو يحمل معه رسالتين الأولى رسالة إيجابية للسوريين في الداخل والخارج والثانية رسالة ردع للإرهابيين الأجانب، لذلك جاء هذا المرسوم خاصاً بالسوريين واستثنى منه الأجانب الذين ارتكبوا أعمالاً إرهابية في سورية، وهذه رسالة واضحة وقوية إلى العالم أجمع ولاسيما الغرب بأن سورية تصفح عن أبنائها باعتبارها الأم والحاضنة للجميع، أما من حضر من شتى أصقاع العالم ومن عدة دول وبتشجيع من بعض الأنظمة في تلك الدول الذين يتحدثون عن القانون وحقوق الإنسان وهم بعيدون كل البعد عن ذلك، ولا يمتون بصلة إلى ذلك، فإنه لا صفح عنهم.

ما يثير الانتباه، إن هذا المنجز الوطني، يؤكد ان الدولة السورية المنتصرة بالحرب، تصر على نهج واضح ينطلق من أساس قانوني، كون المصالحات التي تمت بشكل إداري وميداني، بحاجة إلى إطار قانوني لتكون في مسارها الصحيح، فمن تمت عملية تسوية وضعه في الفترة الماضية، لابد له من نص قانوني ليعود إلى حياته الطبيعة والانتهاء من من الإجراءات القانونية، وبالتالي فإن المصالحة أمام القضاء لم تعد مصالحة، وإنما عفو عام كامل، لا يشمل من أدت أفعاله الجرمية إلى قتل إنسان ولا تتم إسقاط الحق الشخصي، كل ذلك يمثل صندوق رسائل، تحاكي جملة التطلعات المشروعة بإنهاء الحرب والمسير نحو مرحلة العمل فحسب، بل أيضاً في الدلالة السياسية، والتي تنطوي عليها، حين أملت وبكل وضوح معطياتها لتكون تدشيناً لمرحلة لها معانيها وأهدافها، بعد أن حسمو السوريون عملياً بأنهم يداً بيد وجنباً إلى جنب، لإعادة الأمن والأمان والاستقرار، والعمل على النهوض بورشة البناء الداخلي، كأولويات وطنية يعرفها السوريون وقد اتخذوا قرارهم فيها ولا عودة عنه، وهو امر محسوم لدى أغلبية السوريين ووفق معطيات ما نلمسه من ردود الفعل على مرسوم العفو الرئاسي.

* حسام زيدان