ايران والامارات .. الفرص والتحديات

الثلاثاء ٠٢ أغسطس ٢٠١١
٠٨:٥٣ بتوقيت غرينتش
ايران والامارات .. الفرص والتحديات الحدود الدولية كانت ومازالت تشكل لدى اغلب دول العالم، لاسيما دول منطقة الشرق الاوسط، تحديا للعلاقات الثنائية، لوجود بعض الخلافات على رسمها بين العديد من هذه الدول، الا ان التاريخ المعاصر لم يسجل ان جازفت اي من هذه الدول، ودخلت في نزاعات دموية لوضع حد لهذه الخلافات، الا في بعض الحالات النادرة، كما حدث بعيد انتصار الثورة الاسلامية في ايران، عندما شن صدام حسين عام 1980 هجوما بريا وجويا وبحريا شاملا على الجمهورية الاسلامية، بذريعة وجود خلافات على رسم الحدود وذرائع اخرى واهية، وطالت الحرب ثماني سنوات.

حتى في العدوان الصدامي على ايران، كان العامل الخارجي حاضرا وبقوة، بل يمكن القول ان من اهم العوامل التي مهدت الارضية ليشن صدام حسين عدوانه على ايران، هو التحريض الامريكي لافشال تجربة الثورة الاسلامية والانتقام من الشعب الايراني، الذي اخرج ايران، بكل ثقلها، من دائرة التبعية للغرب، ووضعها على الطرف الاخر من المعادلة الدولية التي كانت قائمة انذاك

** ايران والامارات ليست استثناء
وكما هي باقي دول العالم التي تربطها حدود مشتركة، فان ايران ودولة الامارات تشتركان في حدود برية مائية، تتفقان على رسم بعضها وتختلفان على رسم اخرى، كما هو الحال حول سوء الفهم الموجود بين البلدين بشأن جزيرة ابو موسى.
سوء الفهم الموجود بين ايران والامارات بشأن هذه النقطة بالذات، لم ينعكس سلبا على مجمل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحتى السياسية بين البلدين، ولولا العامل الاجنبي الضاغط، لكان البلدان قد وجدا صيغة ما لتسوية سوء الفهم هذا.

** الارقام تتحدث
تعيش جالية ايرانية كبيرة في الامارات، يصل عددها الى نحو 400 الف نسمة، تعيش جنبا الى جنب مع ابناء الشعب الاماراتي والجاليات الاخرى التي تشكل 80% من سكان الامارات، في وئام وسلام منذ عشرات السنين. وتنشط الجالية الايرانية في قطاع التجارة، وتشير الارقام الصادرة عن غرفة تجارة وصناعة دبي الى ان نحو 8 الاف شركة ايرانية تعمل في الامارات، وتبلغ قيمة استثمارات الايرانيين في دبي بين 200 و300 مليار دولار. وتعتبر الامارات الشريك الاول لايران، فقد وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين الى نحو 477412 مليار درهم (13 مليار دولار)، في حين وصل حجم التبادل التجاري لايران مع سلطنة عمان الى نحو ملياري دولار، ومليار دولار مع السعودية و 650 مليون دولار مع الكويت، ونحو 200 مليون دولار مع قطر، ونحو 150 مليون دولار مع البحرين.
ووفقا لتقدير رسمي صادر من ادارة الاحصاء التابعة لدبي العالمية (مملوكة من الحكومة) فأن ايران تتصدر لائحة الشركاء التجاريين لامارة دبي، فيما يتعلق بالصادرات عبر المناطق الحرة والمستودعات الجمركية، بواقع 13.7مليار درهم (7.3 مليار دولار)، ثم الهند في المرتبة الثانية بقيمة 10.5 درهم (رغم ان الجالية الهندية في الامارات اكبر بكثير من الجالية الايرانية)، ثم تأتي السعودية في المرتبة الثالثة بواقع 9.8 مليار درهم. كما يعتبر الايرانيون من أبرز المستثمرين في مشاريع التطوير العقاري في دبي.

** وشهد شاهد من اهلها
رغم وجود كل هذه الجالية الايرانية الكبيرة، وكل هذا النشاط التجاري الكبير للايرانيين في دولة الامارات العربية، لم يسجل اي نشاط سياسي للايرانيين في الامارات، او اي عمل يمكن ان يفسر على انه ذو طبيعة سياسية، تتعارض مع قوانين دولة الامارات، رغم كل الضجيج الاعلامي السلبي الذي التي تثيره بعض الجهات الاجنبية التي يضرها ان ترى كل هذا التفاهم بين شعوب المنطقة.
واتساقا مع هذه الحالة الايجابية تأتي تصريحات الفريق ضاحي خلفان تميم القائد العام لشرطة دبي، وهو ادرى من اي شخص اخر بنشاط الجاليات الاجنبية في الامارات، والتي اكد فيها على ان الجالية الايرانية هي افضل الجاليات في الامارات.

** عندما يدخل العامل الاجنبي على الخط  

العلاقات التجارية التي تربط ايران والامارات والمصالح المشتركة بين البلدين ، شكلت الضمان الذي حفظ العلاقات الثنائية بين البلدين طيلة العقود الماضية . هذا الاساس الايجابي ، وللاسف الشديد، تم استهدافه من قبل العامل الاجنبي ، الذي لايدخل على معادلة اقليمية ما الا وأساء اليها واضر باطرافها. وفي اجراء اثار العديد من التساؤلات ، اقدمت السلطات الاماراتية ، على قطع العلاقة بين البنوك الاماراتية وبين بعض البنوك الايرانية ، امتثالا ، كما ادعت هذه السلطات ، للقرارات التي اصدرها مجلس الامن الدولي بفرض عقوبات على ايران على خلفية برنامجها النووي السلمي، كما اغلق البنك المركزي الاماراتي عشرات الحسابات المصرفية لاشخاص وشركات ايرانية ، الامر الذي اعتبر تجاوزا وتشديدا في قرار العقوبات، والذي يهدد بخفض التبادل التجاري بين ايران والامارات الى اكثر من 50%، لاسيما بعد ان اخذت شركات التأمين بالعزوف عن تغطية اي عمليات شحن متجهة الى الموانىء الايرانية.

**عندما تتراجع المصلحة الوطنية امام العامل الاجنبي 


يرى اغلب خبراء الاقتصاد ان القرار الذي اتخذته ابوظبي في اغسطس اب الماضي بشأن التزامها بتطبيق العقوبات الدولية على ايران ،سيلحق خسائر فادحة بالاقتصاد الاماراتي، فقد توقع هؤلاء الخبراء ان ينخفض حجم التبادل التجاري بين البلدين من 13 مليار دولار الى 5 مليار دولار.
هذا الاجراء الاماراتي اثار حالة من الاستياء بين رجال اعمال في أمارة دبي الذين طالبوا السلطات الى التدخل لتخفيف القيود المفروضة على معاملاتهم التجارية مع ايران والتطبيق المبالغ فيه للعقوبات الامريكية ضد ايران. فقد اشتكى رجال الاعمال هؤلاء خلال لقائهم نائب حاكم أمارة دبي الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد من العقوبات التي توضع امام اعادة التصدير حتى للبضائع المصرح بها من الامم المتحدة.
يرى الكثير من المحللين السياسيين ،ان الاجراء الاماراتي بوقف جميع التحويلات الى ايران بكل انواع العملات والاجراءات الصارمة التي تتجاوز حتى قرارات الامم المتحدة ، جاء بعد الجولة التي قام بها في اغسطس اب الماضي وفد من الخزانة الامريكية ، على البحرين والبرازيل والاكوادور واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا والامارات، للضغط على حكومات هذه البلدان لتطبيق عقوبات الولايات المتحدة الاحادية الجانب وكذلك عقوبات الامم المتحدة ضد ايران.

 ** لا مصلحة فوق المصلحة الوطنية

وفد الخزانة الامريكية ، الذي قيل انه ضغط على الدول التي زارها لتطبيق العقوبات على ايران ، لم يزر الامارات فقط بل زار العديد من الدول منها تركيا ، الذي لم يرفض رئيس وزرائها رجب طيب اردوغان ، الاملاءات الامريكية فحسب ، بل اكد ان بلاده تعمل على زيادة حجم التبادل التجاري مع ايران الى ثلاثة اضعاف حتى عام 2015 ليصل الى 9 مليارات دولار.

موقف اردوغان رغم تعارضه مع المطلب الامريكي الداعي للضغط على طهران، فسره العديد من المحللين على ضوء السياسية التركية الجديدة المبنية على تغليب المصلحة التركية، والمتثلة حاليا بتعزيزالعلاقات الاقتصادية مع ايران، كما تفعل روسيا والصين، دون النظر الى ماتؤيده او تعارضه واشنطن.
الموقف التركي هذا ومواقف دولية اخرى، دفعت رجال الاعمال الايرانيين والشركات الايرانية في دولة الامارات بالتفكير في نقل عملياتهم التجارية الى دول اخرى، مثل تركيا وماليزيا،تمكنهم من ممارسة التجارة مع ايران.

** بين تركيا والامارات

 اذا كان بأمكان تركيا، وهي الحليف المقرب من امريكا في حلف الناتو والبلد الساعي للانضمام الى الاتحاد الاوروبي ، ان ترجح مصلحتها الوطنية على المصلحة الامريكية ، وان تؤكد وبشكل علني ، عن نيتها بتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع ايران ، ليصل حجم التبادل التجاري معها الى 9 مليار دولار بحول عام 2015 ، فأن هذه الامكانية متوفرة وبشكل اكبر لدى الامارات، للحفاظ على مصلحتها الوطنية ، وذلك من خلال التسلح بكل هذا التاريخ الطويل من العلاقات الاقتصادية والتجارية المتميزة والخالية من اية ازمات او مشاكل مع ايران ، وبوجود الجالية الايرانية الكبيرة التي عملت بدورها على احداث النهضة العمرانية في هذا البلد ، لاسيما ان لامارات تعرف اكثر من غيرها ان العقوبات المفروضة على ايران هي عقوبات ظالمة ، فرضتها الولايات المتحدة خدمة لمصلحتها ومصلحة ربيبتها اسرائيل ،وليس للعرب ولا المسلمين فيها ناقة ولا جمل ، وان الامارات وغيرها من الدول التي اضطرت الى مماشاة الولايات المتحدة الامريكية في سياسة فرض الحظر الاقتصادي على ايران، ستتضرر هي اقتصاديا وليس ايران، فتجربة المواجهة بين ايران وبين الولايات المتحدة واسرائيل، على مدى اكثر من ثلاثة عقود، اثبتت بما لايقبل الشك، ان ايران اقوى من ان تنال منها هذه السياسة العقيمة، ونظرة سريعة الى المنجزات العلمية والاقتصادية والعسكرية التي حققتها ايران في ظل الحصار، خير دليل على ذلك. فعلى الدول الجارة لايران، ان تضع نصب عينها، مصلحتها الاقتصادية والجغرافيا والجيرة والتاريخ والدين والثقافة المشتركة، قبل ان تمتثل للسياسة الامريكية المتلونة.
ان الجغرافيا والجيرة والدين، قدر الشعوب، والقدر لا يمكن تغييره او تجاهله، فهو يفرض على الجميع احكامه الصارمة، شاء هذا الجمع أم أبى، وماعدا ذلك متغير زائل، ولا مقارنة بين ماهو باق ابد الدهر وبين ما هو يتغير بين ليلة وضحاها.

* ماجد حاتمي

0% ...

آخرالاخبار

لافروف: علاقاتنا مع إيران إستراتيجية وندعم حقها في التخصيب السلمي


اليابان تركز أنظارها على ميناء جابهار: استثمارات استراتيجية جديدة


إيران من أفضل وأكثر الدول الاقليمية أمانا لتجارة الترانزيت


المصارعان الإيرانيان 'إسماعيلي وعموزاد' في صدارة أفضل مصارعي العالم


غازي حمد: الاحتلال خرق الاتفاق مع غزة 813 مرة!


تفاصيل اعتقال جاسوس إسرائيلي في مدينة كرج الإيرانية


ايران وروسيا تؤكدان على تسريع إنجاز ممر الشمال–الجنوب الاستراتيجي


ممثل الجهاد الإسلامي بطهران: الاحتلال لم يحقق أيا من أهدافه في غزة


عراقجي يصل إلى موسكو عقب زيارته بلاروسيا


خطة ترامب لغزة تدخل مرحلة حاسمة.. 59 دولة مستعدة للمشاركة!