ذكرى تحرير قرى جبل الشيخ

ذكرى تحرير قرى جبل الشيخ
الإثنين ٠٩ يناير ٢٠٢٣ - ٠٩:٤٨ بتوقيت غرينتش

في كانون الأول عام 2017، هناك في قرى جبل الشيخ بريف دمشق، بالرغم من برد الثلوج التي كانت تقطع الطرقات الجبلية، تدحرجت كرة الانتصارات التي كان ثلجها من المرتفعات جبل الشيخ المطلة على فلسطين والجولان وجنوب لبنان، حتى لامست كل مناطق ريف القنيطرة ودرعا وريف دمشق.

العالم - سوریا

سنوات مرت على تطهير قرى وبلدات جبل الشيخ واهمها بيت جن السورية، والتي شكلت ازمة للكيان الاسرائيلي لن يستطيع ان يبددها عدوان جوي هنا او صاروخي هناك، فهزيمة النصرة واخواتها في بيت جن، اجنت الاسرائيلي الذي خسر الرهانات على تلك الجماعات وبات امام تطورات مقلقة عند الحدود مع الجولان، نعم هناك أسقط جنود الجيش السوري والمجاهدين حزامه الامني الذي اراده عند مثلث الحدودي السوري الفلسطيني اللبناني.
قرى جبل الشيخ تحتل موقعا جغرافيا استراتيجيا، فهي تنتشر على مسافة قصيرة جدا من الحدود مع الجولان المحتل والحدود اللبنانية، وقربها من العاصمة السورية دمشق، وتتربع عليه بضع قمم أعلاها في الشمال 2814 متراً، أما مواقع الاحتلال الإسرائيلي فهي تقوم على المرتفعات التي تشكّل الجزء الجنوبي من الجبل، وهي قمم الزلقا والفوارة وملحاثا ونشبة المقبلة القريبة من مركز التزلج والمنتجع السياحي الذي أقامه الكيان. يشمل الجزء الجنوبي من جبل الشيخ منطقة مزارع شبعا كاملة ومرتفعات كفرشوبا المحتلة، ويمتد من شمالي سهل الحولة في فلسطين حتى مشارف بركة النقار قرب بلدة شبعا. تغذي هذه الشبكة عدداً كبيراً من المواقع العسكرية هي: معسكر النخيلة جنوباً، موقع مغر شبعا، زبدين، ضهر البيدر، رمثا، السماقة، رويسات العلم، تلة العين، إضافة الى مواقع ونقاط صغيرة للمراقبة ومهابط للمروحيات منتشرة داخل المزارع. وششق الكيان شبكة طرق من بركة النقار جنوباً مروراً بالمراصد ومحطات الإنذار الواقعة شمالاً في أعلى القمم: قمة ملحاثا المطلة على بلدة شبعا، الزلقا ومعاصر الدود ونشبة المقبلة والفوار وغيرها من المراكز العسكرية الأخرى الأقل أهمية ويتراوح ارتفاع هذه المواقع بين 1800 و2200 متر فوق سطح البحر، وتشرف على الأراضي اللبنانية والسورية. ويعتبر الجزء الوسطي من جبل الشيخ أكثر اتساعاً وعرضاً نظراً إلى اتساع السلسلة الشرقية وتفرعها إلى عدة قمم بدءاً من النقطة 203، حسب الترقيم الدولي، الواقعة جنوب بلدة حضر السورية، ويقدر عرض الجزء الوسطي من الشرق الى الغرب أي من مرصد قمة ملحاثا الى محطة الإنذار في النشبة المقبلة بنحو 12 كيلومتراً، وطولها من الشمال الى الجنوب، أي من النقطة 203 حتى بركة النقار، بنحو 25 كيلومتراً.
مع بداية الحرب على سوريا، سيطرت المجموعات المسلحة على عدد من قرى جبل الشيخ في الجانب السوري ومنها " بيت جن، مزرعة بيت جن، مغر المير، بيت سابر، بيت تيما، كفر حور" بمساحة تقدر 120 كلم مربع، وكان المخطط وصل هذه القرى بخان الشيح وبعدها باتجاه داريا ودمشق، بالتزامن مع محاولة احتلال تل قرين من اتجاه ريف درعا "الضلع التابع لدرعا من منطقة مثلث الموت" بهدف اسقاط اوتستراد السلام ناريا وقطع التواصل بين دمشق ودرعا وقرى جبل الشيخ والتي تعرف بالإقليم، بالتالي يفتح امامهم اوتستراد كامل باتجاه العاصمة دمشق، وفي الجانب الاخر، ربط الحدود الأردنية بالحدود اللبنانية عبر جبل الشيخ نحو شبعا اللبنانية وحصار بلدات حضر وخان أرنبة ومدينة البعث بريف القنيطرة. وايامها كان يقدر عدد المسلحين المتواجدين في قرى بيت جن ومزرعة بيت جن ومغر المير بـ 300 مسلح، بالإضافة الى 270 مسلح من ريف درعا نقلهم العدو الاسرائيلي من القنيطرة عبر الجولان المحتل الى بيت جن، وحوالي 500 مسلح في قرى المصالحة، هذه المصالحة التي عقدت بعد ان تمكن الجيش السوري من السيطرة على خان الشيح بريف دمشق وتقع كتف جبل الشيخ، حيث عقدت في قرى " كفر حور، بيت تيما، كفر حور" بينما رفضت الجماعات الإرهابية في باقي القرى المصالحة، وبشكل عام تتواجد في المنطقة جماعات: جبهة النصرة، جبهة ثوار سوريا وحركة احرار الشام.
الكيان الاسرائيلي منذ بداية الحرب المفروضة على سوريا، كان الداعم الابرز للمجموعات المسلحة في الجنوب السوري، من المعلومات والتوجيه والمال وأجهزة الاتصال، ولاحقاً بالذخيرة والتدريب النوعي والعلاج داخل المشافي في الكيان، وانتقل بعدها للتدخل الناري المباشر عبر الرمايات المدفعية وصواريخ تموز وسلاح الطيران ضد مواقع للجيش السوري، وشكل عامي 2013 و2014 الأكثر استثماراً للكيان الاسرائيلي في الجبهة الجنوبية في درعا والقنيطرة ومنطقة ريف دمشق الجنوبي الغربي، والذي ترافق مع انتشار المجموعات المسلّحة، التي كان من المقرر لها ان تصبح جيش لحد في المنطقة.

وفي بداية 2015 سيطرة هذه الجماعات على طول الشريط الشائك مع الجولان المحتل مع معبر القنيطرة، ما عدا بلدة حضر، وبدأ التهديد بفتح ثغرة نحو العاصمة دمشق من مثلّث ريف دمشق الجنوبي والجنوبي الغربي ــ درعا ــ القنيطرة، نحو مخيّم خان الشيح جنوب غرب العاصمة، هنا كان الجيش السوري يتربص ويتأبط سلاحه ينتظر اللحظة الحاسمة والتي كانت في شباط 2015 التي اطلق فيها عملية عسكرية خاطفة ودقيقة، سيطر فيها على قرى المثلّث والتلال الحاكمة في محيطه، وتشكيل خط دفاعي متماسك لحماية خاصرة دمشق، ودخلت بعدها عدة قرى من قرى جبل الشيخ في مصالحة مع الدولة.
بعد تلك المصالحة لم تهدأ المنطقة وصولا الى 28 ايلول 2017، في ذلك التاريخ شن الجيش السوري عملية عسكرية واسعة لتحرير ما تبقى من قرى جبل الشيخ والتلال المحيطة، وتقدم في تل الضبع والسن الصخري بعد تمهيد ناري كثيف، استمرت المعركة الى الخامس من تشرين الأول من نفس العام، حيث تمكنت القوات من السيطرة عليهما بعد مواجهات عنيفة مع المسلحين، بعد اكثر من شهر وفي الثالث من تشرين الثاني 2017 شن المسلحون معركة اطلقوا عليه اسم "كسر القيود عن الحرمون" والتي تهدف الى السيطرة على بلدة حضر والتلول المحيطة بها، وبالتالي فتح الطريق بين القنيطرة وقرى جبل الشيخ، ردا على تقدم الجيش، في تلك المعركة لم يقف الإسرائيلي متفرجاً بل عمل على نقل 200 مسلح من القنيطرة عبر معبر بريقة مرورا بالجولان المحتل وادخالهم الى بيت جن نزولا من المرصد الإسرائيلي، بالاضافة الى التمهيد الناري لتلك المجموعات اثناء الهجوم على بلدة حضر، ويومها تمكن المسلحون من السيطرة على عدد من التلال الهامة قرب البلدة، لكن الجيش شن هجوما معاكسا، واستعاد كل التلال التي تقدم اليها المسلحون، ملحقا أكثر من 22 قتيلاً في صفوفهم بينهم قادة.، حينها كان جيش الكيان الإسرائيلي يرى كل شيء. أساليب القتال، القصف، الخطط والتكتيكات. وكان ينبّه المسلحين أحياناً، ويدعمهم بالذخيرة والعتاد حينما يرى حاجة إلى ذلك، ما دفع الجيش السوري بالاستمرار في عملياته، وما بين 11 و15 تشرين الثاني سيطر على تلال غرب تل التحصين بين بيت تيما وكفر حور، بعد تغطية نارية كثيفة باتجاه تحركات المسلحين، اضافة الى افشال الجيش السوري هجوم انطلق من قرى المصالحة في المنطقة. التصميم لدى قادة الجيش السوري لانهاء تواجد المسلحين في تلك النقطة الجغرافية الهامة، هي الدافع لمواصلة العمليات، والتي شكلت فيها التلال الحاكمة مفتاح النصر، ليشكل تاريخ 18 تشرين الثاني يوم السيطرة على معظم تلال شمال كفر حور "التل الفرنسي"، وبعد يومين استعاد تل التين وحلف شور الواقعين جنوب بيت تيما. وبعد السيطرة على قرى بيت سابر وبيت تيما وكفر حور، تمكن الجيش من السيطرة تل البردعيا في 30 تشرين الثاني، ليتابع تقدمه ويسيطر على تل المقتول الشرقي، فضلا عن افشال العديد من هجومات المسلحين للسيطرة على تلول البردعية، وقبل دخول عام 2018 وبتاريخ 16 كانون الاول تمكن الجيش من السيطرة على تل المنطار وتل الزيات وعلى منطقة بشير النجار والتلول السود. بعد ذلك واصل الجيش تقدمه في منطقة الوعر ومن جنوب تلول البردعيا، وبذلك تمكن من عزل مغر المير وتل مروان عن مزرعة بيت جن، ما ادى لتدخل مباشر من العدو الإسرائيلي بتاريخ 21 كانون الاول عبر نقل 70 مسلح من جبهة النصرة واحرار الشام من القنيطرة باتجاه بيت جن، مرورا بالجولان المحتل في اعادة ترتيب للمسلحين في المنطقة. الإنجاز العسكري الهام للجيش السوري، اجبر المجموعات المسلحة على شروط الجيش، وطلبوا وقف اطلاق النار وانهم مستعدون للخروج من المنطقة، في هذه المعركة التي تعتبر من اهم معارك الجنوب السوري، تمكن الجيش السوري من استعادة قرى بيت سابر، بيت تيما، كفر حور، التل الفرنسي، تلول السوادي، تل الضبع، السن الصخري، تل التين، حلف شور، تل المنطار، تل الزيات، تلول السود، مزارع بشير النجار، منطقة الوعر، بمساحة بلغت حوالي 85 كلم مربع وبلغت خسائر المسلحين حوالي 110 قتلى بينهم 10 قادة و160 جريحا، ومن بين الجرحى 40 حالة بتر يتلقون العلاج في المشافي الاسرائيلية، كم اتم أسر 13 مسلحا، ثلاثة منهم احياء، وتم اخلاء ونقل المسلحين من مغر المير ومزرعة بيت جن وبيت جن الى الشمال السوري، ودخول الجيش السوري الى هذه القرى، بالإضافة الى تلول الحمر والتلال المحيطة.
نعم هو الإنجاز الهام للجيش السوري الذي تخطى حدود الجغرافيا، وسمع صداه جيداً في تل أبيب، وعند جيش الإحتلال، الذي راهن على هذه الجماعات، وكانت حسابات الميدان على عكس ما اراده العدو، ومنع الجيش السوري بكل قوة محاولات العدو الإسرائيلي للعبث بالمنطقة الحدودية، وساهم ذلك في تحرير كامل الغوطة الغربية.

حسام زيدان