الرئاسة في قعر الأنانيات.. تحذير من تدمير مُمنهج للبنان

الرئاسة في قعر الأنانيات.. تحذير من تدمير مُمنهج للبنان
الثلاثاء ٢٨ فبراير ٢٠٢٣ - ٠٧:٤٨ بتوقيت غرينتش

يختتم اليوم الثلثاء الشهر الرابع للبنان من دون رئيس للجمهورية، والمسار المرير مكمّل على المنوال ذاته منذ اول تشرين الثاني من العام الماضي؛ جنون سياسي، وجفاء حاقد بين مكونات سياسيّة أعدم إمكانية التوافق على تحرير الملف الرئاسي من الأسر

العالم _ لبنان

المسار المرير جنَّدَ كل إمكانياته وقدراته للنفخ في نار التصعيد والتوتير والانقسام، وتوسيع مساحة التصادم أكثر فأكثر وتقريبه من لحظة الاشتعال.

وكتبت صحيفة الجمهورية تقول، اربعة شهور عجاف عاشها اللبنانيون بكل مراراتها، يتناسل منها الشهر الخامس، الذي سيبدأ من حيث انتهى الرابع، فمعطّلو الحلول والمخارج مستمرون في النفخ في نار الفراغ الرئاسي، وفرض واقع مرير ولّاد للنكبات، وفي مضاعفة عناصر التوتر، والآلام في كل مفاصل حياة اللبنانيين الذين أضحوا عراة مكشوفين سياسياً واقتصادياً ومالياً واجتماعياً، ولم تبق لديهم حتى لحظة أمان.

في هذا الجوّ المحكم التعقيد، لا تلوح رئاسة الجمهوريّة في الأفق، فقوى التعطيل أسرتها في قعر الأنانيات، وأحبطت كل جهود الداخل، وضربت عرض الحائط تمنيات الأصدقاء والأشقاء باستعجال انتخاب الرئيس، وحققت مرادها في جعل الفراغ في سدّة الرئاسة امراً واقعاً لا سقف زمنياً له، وبات انتخاب رئيس للجمهورية حلماً بعيد المنال، ما يعني، والكلام لمصادر معنية بالملف الرئاسي، انّ الواقع الداخلي بات مؤهلاً لإقامة طويلة بين أنياب الأزمة، ومهدّداً بتطورات غير محسوبة، تفتح الباب واسعاً على سيناريوهات اصعب وويلات ومصائب أقسى وأكثر وجعاً ممّا مرّ على اللبنانيين.

وبحسب معلومات فإنّ المستويات السياسية المعنية بالاستحقاق الرئاسي وصلت إلى قناعة باتت راسخة بأنّ امكانية صياغة تسوية توافقية داخلية دخلت مدار الاستحالة.

وقالت مصادر مسؤولة إنّ الكلّ يعطلّ للكلّ، وثمة من هؤلاء المعطلين من بات يكيّف نفسه مع مرحلة طويلة جداً من الفراغ في رئاسة الجمهورية، وبالتالي من العبث الافتراض انّ في الإمكان بناء مساحة مشتركة بين التموضعات التعطيلية، وهو الأمر الذي خفّف، كما نلاحظ، من الاندفاعة الخارجية تجاه الملف الرئاسي، حتى لا نقول انّ الخارج سحب يده وبات في حلّ من أي مسعى لحمل اللبنانيّين على صياغة تسوية واقعية تفضي إلى انتخاب رئيس بالتوافق في ما بينهم.

وتبعاً لذلك، أضافت المصادر عينها، "فإنّ أقصى ما يمكن فعله مع هذا الإنسداد، هو التحسب لما قد يطرأ من مستجدات وتداعيات وربما مفاجآت وعواصف غير محسوبة، في واقع فاقد للحدّ الأدنى من التوازن والضوابط، ويتعرّض في ما يبدو لتدمير ذاتي ممنهج، تمهّد له الانهيارات المتتالية للبنية اللبنانية، وليس أقلّها دكّ أعمدة الدولة، وتداعي المؤسسات وشللها، وكذلك حرب الدولار التي تُشن على لقمة اللبنانيين، الذين عادوا بالأمس ليشهدوا فصلاً جديداً من هذه الحرب اللئيمة، بالدفع بالدولار فوق عتبة الـ 80 الف ليرة مع ما يرافق ذلك من جنون إضافي في الاسعار.

في غضون ذلك نقل موقع النشرة عن مصادر سياسية في بيروت، إ عودة الحديث عن معادلة رئيس جمهورية قريب من قوى الثامن من آذار مقابل رئيس حكومة مقرب من المملكة العربية السعوديّة، حيث طُرحت في هذا المجال نظرية رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية في قصر بعبدا، مقابل السفير اللبناني السابق نواف سلام في السراي الحكومي، على أساس أنها قادرة على إرضاء كافة اللاعبين الفاعلين في الساحة اللبنانية.

بالنسبة إلى هذه المصادر، هذه المعادلة قد تكون، من الناحية النظرية، واقعية إلى حدّ بعيد، خصوصاً أنها تعكس التوازنات في البلاد، وربما تذكر بما كان يطرح عادة في زمن الأزمات، أي لا غالب ولا مغلوب، لكنها تلفت إلى أنّها من الناحية العمليّة لا تزال بعيدة عن الواقع، نظراً إلى أنّ مقوّمات نجاحها لا تزال، على الأقلّ حتى الآن، غير متوفّرة، على إعتبار أنها، قبل أيّ شيء آخر، تتطلّب دخول بعض الجهات الفاعلة في لعبة الأسماء، بينما هي لا تزال ترفض هذا الأمر بشكل مطلق.

على هذا الصعيد، الدخول في أيّ تسوية من هذا النوع يعني أنها ستكون شاملة، أي تقوم على أساس برنامج عمل واضح المعالم من المفترض أن يعمل كل من رئيسي الجمهورية والحكومة المقبلين على تطبيقه، بالإضافة إلى توفر مقومات النجاح لهذا البرنامج، لا سيما على مستوى المظلة الإقليمية والدولية للمشرفين عليه، على إعتبار أن ليس المطلوب فقط ملء المراكز الدستورية بأشخاص، من الممكن أن تقود الظروف إلى منعهم من القيام بما يمكن الركون إليه.

في هذا السياق، ترى المصادر السياسية المتابعة أنّ المطلوب مما يُطرح، من الناحية العمليّة، هو إستدراج السعوديّة، التي بات من المؤكد أنّها ستكون شريكاً فاعلاً في أيّ تسوية مقبلة، إلى لعبة الأسماء، التي لا تزال ترفض الغوص فيها، منتظرة ما يمكن أن يقدّم لها الآخرون، سواء كان ذلك على المستوى المحلي أو الخارجي، من خلال توسيع دائرة البحث لتشمل إسم رئيس الحكومة المقبلة، لكنها تؤكد أن الرياض ليست في هذا الوارد، نظراً إلى أن لهذا الأمر مجموعة من العناوين الرئيسية لم تصل إلى مرحلة الإلتزام بها.

في المحصّلة، تذكر هذه المصادر بأن وزير الخارجية السعوديّة فيصل بن فرحان كان أول من طرح مثل هذه المعادلة، عندما تحدّث في شهر كانون الأول الماضي عن أن لبنان في طور اختيار رئاستين، أي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، لكنها تلفت إلى أنّ الظروف لا تزال غير متوفرة، وبالتالي الأمور لا تزال تتطلّب بعض الوقت، وهي مرتبطة بما يحصل على مستوى ملفات إقليمية أخرى.
العالم_لبنان