"صراع السودان"..تجاوز"أزمة سد النهضة" وإنهاء فرص التفاوض بين دول حوض النيل

الثلاثاء ٢٥ أبريل ٢٠٢٣ - ٠٦:١٠ بتوقيت غرينتش

لم تتوقف التوترات و التعقيدات بين الدول المعنية بملف سد النهضة خلال الأشهر الأخيرة، خصوصا بعد أن تشهد فيها المفاوضات بين الدول الثلاث جمودا حاليا بسبب الصراع المسلح في السودان.

العالم - افريقيا

ومما يثير الشك هو قوة الموقف التفاوضي لدولتي المصب (مصر والسودان) مع دولة المنبع (إثيوبيا) وما يتيح للأخيرة فرصة على طبق من ذهب وهو إحتمال استغلال إثيوبيا الوضع لإستكمال البناء والملء والتخزين السد.

ومنذ بدء أزمة سد النهضة قبل أكثر من 10 سنوات، تحاول كل من مصر وإثيوبيا استمالة السودان إلى صفها لتعزيز موقفها التفاوضي، ولكن واقعيا فإن الكلمة العليا لأصحاب الأرض، ولم يحسم السودان موقفه بشكل نهائي إلا بعد اتفاق مصر مع السودان على تبني موقف مشترك في ظل قيادة المجلس السيادة العسكري في السودان.

واتفق السودان ومصر منتصف عام 2022 على العمل معا على جميع المستويات لدفع إثيوبيا إلى التفاوض الجاد على اتفاق ملزم ودعت الدولتان المجتمع الدولي للتدخل من خلال مجلس الأمن الدولي بعد مفاوضات شاقة وصفرية منذ عام 2011 دون التوصل إلى أي اتفاق.

ووفق الهيئة الحكومية المسؤولة عن المشروع، فقد اكتمل 90% من عمليات البناء.

وأنهت أديس أبابا، في يوليو 2021، المرحلة الثانية من ملء الخزان، وفي أغسطس 2022 أنهت المرحلة الثالثة، في حين تستعد أديس أبابا المرحلة الرابعة من الملء بحلول الصيف وتخزين نحو 20 مليار متر مكعب من المياه خلف السد،حيث انتهت العام الماضي من تخزين 22 مليار متر مكعب بعد إنجاز المرحلة الثالثة من ملء خزان السد الذي تبلغ سعته نحو 74 مليار متر مكعب من المياه..

وبدأت إثيوبيا بالفعل توليد الكهرباء من سد النهضة في فبراير (شباط) 2022.

لكن بحسب مراقبين ومحللين سياسيين فإن الموقف السوداني يظل غير ثابت بما فيه الكفاية لطمأنة القاهرة، إذ إنه يختلف من الجيش إلى قائد قوات الردع السريع إلى القوى السياسية المدنية، وهو ما يثير قلق المسؤولين المصريين من انفراط التحالف الهش بينهم وبين الجيش السوداني.

وأذكت تلك المخاوف ما تم إعلانه نهاية العام الماضي، إذ أعلن كل من السودان وإثيوبيا توصلهما إلى اتفاق لتسوية قضايا سد “النهضة” الإثيوبي والحدود بين البلدين بطريقة سلمية، بعد اللقاء الذي تم بين نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو (حميدتي) ووزير الخارجية الإثيوبي دمقي مكونن، في العاصمة السودانية الخرطوم.

وفي محاولة لتدارك الجدل الذي أثاره الاتفاق الأخير، أصدر حميدتي، بيانا صحافيا نشرته وكالة الأنباء السودانية، أشار فيه إلى أن "التوصل إلى اتفاق في شأن سد النهضة ينبغي أن يضمن حقوق مصر والسودان وإثيوبيا في حصص نهر النيل"، مؤكدا على أهمية التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث في شأن "سد النهضة" حتى يمكن ضمان حقوق جميع الأطراف.

في تقديره، يقول مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير عبد الله الأشعل، إن "استمرار الصراع وانحداره على هذا النحو يهدد المصالح المصرية في السودان، ويضر بموقف مصر والسودان في مفاوضات سد النهضة، ولن تدخر إثيوبيا جهدا في استغلال ما يجري لصالحها حيث إنها ستقوم بعملية الملء الرابع دون أي عوائق سياسية”.

واعتبر أن "ما يجري في السودان يستهدف البلدين مصر والسودان على حد سواء لأن السودان هو العمق الاستراتيجي لمصر، لكن هذا الصراع قد يؤدي إلى تقسيم المقسم وتفتيت السودان وهذا خطر داهم يتهدد البلدين".

وطالب السفير المصري بأن يكون لمصر دور في الصراع العسكري هناك "من خلال العمل على دعم استقرار السودان عبر مساعدة الجيش الذي يمثل البلاد بشكل شرعي محليا وإقليميا ودوليا، ولكن بشكل غير مباشر كما هو الحال مع قوات الدعم السريع التي تدعمها عدة دول بما فيهم إسرائيل للقضاء على ما تبقى من وحدة السودان حتى لا تخسر معركتها في سد النهضة وأمنها القومي أيضا".

وعلى الجانب السوداني، يرى الأكاديمي والباحث في الشأن الأفريقي محمد أحمد ضوينا، أن "الاحتراب الداخلي سيكون له تأثيرات كبيرة جدا على الأوضاع في سد النهضة؛ لأن الصراع يشغل دول المصب عن المحاولات المستمرة لإيقاف المراحل النهائية للملء والتشغيل".

وأضاف :أن "السودان بحربه هذه لا يهتم لأمر سد النهضة، أما مصر فسوف تتأثر على أكثر من جهة، أمنيا واقتصاديا ومائيا، ما يجعلها حريصة على علاج الأزمة السودانية أكثر من اهتمامها بالسد في المرحلة الراهنة، هذا بالإضافة إلى أن مصر وحدها لا تستطيع التعامل مع أزمة السد وحدها دون السودان".

وتابع: "وعليه فإننا نتوقع من إثيوبيا أن تستفيد من هذا المناخ لتكمل عمليات الملء والتشغيل في الشهرين القادمين وهما موسم الأمطار في الجبال الإثيوبية وستمضي بصورة أحادية دون حاجة للحوار مع الدول الأخرى، لاسيما أن السد في مراحله الأخيرة لتمام العمل وربما نشهد في الشهر السابع إنتاج كامل الكهرباء في إثيوبيا".

وبحسب وزارة الري المصرية، فإن مصر تُعد من أكثر دول العالم التي تُعاني من الشح المائي، وتعتمد بنسبة 97% على مياه نهر النيل، وتصل احتياجات مصر المائية إلى نحو 114 مليار متر مكعب سنويا فيما لا يتجاوز حجم الموارد المائية الـ 60 مليار متر مكعب سنوياً، بعجز يصل إلى 54 مليار متر مكعب سنويا، ويتم سد هذه الفجوة من خلال إعادة استخدام المياه، واستيراد محاصيل زراعية بما يعادل نحو 34 مليار متر مكعب سنوياً.