الشيخ أحمد ياسين... روحٌ مقاومة أينعت ثمارها

الشيخ أحمد ياسين... روحٌ مقاومة أينعت ثمارها
الأحد ١٢ نوفمبر ٢٠٢٣ - ٠١:٢٧ بتوقيت غرينتش

السلام على أحرار العرب جمیعاً وخاصة الشباب منهم، والسلام على الشعب الفلسطیني المقاوم، وعلى المقدسیین المرابطین في المسجد الأقصى.. السلام على شهداء المقاومة وعلى رعیل المجاهدین الذین ضحّوا بحیاتهم على هذا الطریق، ونخصّ بالذکر الشهید الشیخ أحمد یاسین.

العالم - فلسطين المحتلة

يُمكن اعتبار الشيخ أحمد ياسين «رجل القرن لفلسطين». فمن يتصفّح تاريخ فلسطين خلال الأعوام الخمسين الأخيرة، لا يمكنه العبور عن اسمه. إنّه رجلٌ دوّن من على كرسيّه المتحرّك ومن خلال تحديده مسار حياته، تاريخ أمّة فلسطين والإسلام بوجهه البشوش والبسمة التي لا تفارق شفتيه.

الشيخ أحمد ياسين وطعم التشرّد والتهجير

أبصر أحمد النور عام 1938 م في قريةٍ تاريخيّة تُدعى «الجورة» في مدينة عسقلان، المدينة التي تشكّل تذكاراً لقادة الحروب الصليبيّة ومقاتليها العظام. ومع بروز النكبة الكبرى لهذا القرن عام 1948 م، وبينما لم يكن له من العمر سوى 10 أعوام، هاجرت أسرته المكتظّة بالأفراد والفقيرة إلى قطاع غزّة، فذاق طعم التشريد والتهجير والابتعاد عن الدار والوطن منذ طفولته. أدّى الفقر والهجرة إلى أن يتخلّى عن دراسته في العامين 1949 م و1950 م كي يتمكّن من الإسهام في تحسين معيشة عائلته، إلا أنّه سُرعان ما واصل دراسته وأنهى المرحلة المتوسّطة في مدرسة الإمام الشافعي.

بينما كان له من العمر 14 عاماً، أصيب أحمد بحادث عندما كان يمارس الرياضة على ساحل مدينة غزّة ألحق برقبته وفقرات ظهره ضرراً حقيقيّاً. الضرر الذي أدّى إلى أن يُشلّ نصف جسده ويجلس على الكرسيّ المتحرّك منذ ذلك الوقت.

التعرّف على الإخوان المسلمين وتذوّق طعم الأسر

کانت لدى أحمد شخصيّة صلبة ومثيرة للجدل منذ مرحلة الشباب. ورغم حالته الصحيّة الخاصّة، لم يترك الدراسة وبذل الجهود وانشغل منذ العام 1958 م بتدريس اللغة العربيّة والمعارف الدينيّة في مدارس الأونروا. ثمّ تأثّر أحمد المعلّم بالأجواء الخاصّة التي كانت تسود قطاع غزّة حينها في العقدين الخامس والسادس من القرن الماضي، واقترب من حركة الإخوان المسلمين الإسلاميّة وانشغل في المساجد بأداء الصلوات وإلقاء الخطب. في العام 1964 م تمّ قبوله في اختصاص اللغة الإنكليزيّة في جامعة عين الشمس في القاهرة، فغادر إلى مصر من أجل الدراسة ومكث هناك سنوات قليلة. وفي العام 1965 م تمّ اعتقاله في قطاع غزّة من قبل مصر بتهمة الانضمام إلى الإخوان المسلمين ومُنع من المشاركة في امتحانات جامعة القاهرة، ورغم هذا، تمّ الإفراج عنه بعد أقل من شهر. يكتب الشيخ ياسين حول فترة اعتقاله: «إنّها عمّقت في نفسي كراهية الظّلم، وأكّدت (فترة الاعتقال) أنّ شرعيّة أيّ سلطة تقوم على العدل وإيمانها بحقّ النّاس في الحياة بحريّة.»

الكلمة التي ألقاها الشيخ أحمد ياسين، الذي بات الآن شابّاً بعمر 30 سنة، من على منبر العباسي في قطاع غزّة، بعد الهزيمة التي تلقتها الدول العربيّة عام 1967 م، حوّلت الشيخ إلى شخصيّة بارزة في قطاع غزّة. أطلق الشيخ أنشطته وفعالياته من المسجد وتمحورت حول مساعدة عائلات الشهداء والأسرى. ومع توسّع نشاطاته انتُخب في العام نفسه قائداً للإخوان المسلمين في قطاع غزّة. ومن بين الخطوات الاجتماعيّة التي أقدم عليها، كان تأسيس «جمعيّة المجمع الإسلامي» عام 1973 م بغية تقديم الخدمات الاجتماعيّة، الثقافيّة والخيرية. كذلك أسس المجتمع الإسلامي في قطاع غزّة عام 1978 م بمشاركة من رفاقه وتولّى إدارته. تحوّل المسجد، جمعيّة المجمع الإسلامي والجامعة، إلى أماكن تنشر على مدى أعوام رؤيته وفكره الذي يتلخّص في عبارة «الجهاد مقابل العدو» وكانت أماكن تغطّي على بعض الأعمال العسكريّة لفريقه والشباب الفلسطيني.

تأسيس حماس

مع توسّع أنشطة الشيخ أحمد ياسين البعيدة عن الأضواء في قطاع غزة، أسّس في العام 1987 م برفقة سائر رفاقه من الإخوان المسلمين حركة أسماها حركة المقاومة الإسلامية، الحركة التي غيّرت لاحقاً مصير قطاع غزّة وفلسطين واشتهرت باسم «حركة حماس».

أسّس الشيخ أحمد ياسين حركة مقاومة في قلب فلسطين واستلهمَ العِبَر من انهزام الجيوش العربيّة. لقد كان يعتقد بما يلي: «لقد نزعت الجيوش العربية التي جاءت تحارب إسرائيل السلاح من أيدينا بحجة أنه لا ينبغي وجود قوة أخرى غير قوة الجيوش، فارتبط مصيرنا بها، ولما هزمت هزمنا وراحت العصابات الصهيونية ترتكب المجازر والمذابح لترويع الآمنين، ولو كانت أسلحتنا بأيدينا لتغيرت مجريات الأحداث...»

النفي والأسر

أدّت الخطوات التي أقدم عليها الشيخ أحمد ياسين والتنظيم الذي أسسه في قلبه فلسطين رغم الحضور القويّ للصهاينة على المستويين الأمني والعسكري، إلى أن تضيق تل أبيب ذرعاً. بداية تمّ اعتقاله في العام 1988 وهُدّد بالنفي إلى لبنان. التهديد الذي لم يكن مؤثّراً، فقام المحتلّون باعتقال شيخ حركة حماس عام 1989 م برفقة عشرات الأعضاء الآخرين من حركة المقاومة الإسلاميّة وحكموا عليهم بالسجن لـ15 عاماً.

التبادل التاريخي

في العام 1997 م تمّت مبادلة الشيخ أحمد ياسين وتحريره في حدثٍ تاريخيّ وعجيب. ففي ذلك العام دخل إسرائيليّان إلى العاصمة الأردنيّة عمان من أجل اغتيال وتسميم رئيس مكتب حماس حينها في ذلك البلد. باءت عمليتيهما بالفشل، ومع اعتقال المملكة الأردنيّة لهما، أُجبرت تل أبيب على إرسال ترياق السمّ وتحرير الشيخ أحمد ياسين مقابل إفراج الأردن عن عنصريها الإرهابيّين. طبعاً، بعد تحريره وعودته إلى قطاع غزّة، أمضى عدّة سنوات في السجن المنزلي في ظلّ سيطرة القوات الأمنيّة للسلطة الوطنيّة الفلسطينيّة التي كانت حينها قد سلّمت أمورها لاتفاق أوسلو.

سافر الشيخ في نيسان/ أبريل من العام 1998 م والتقى خلال هذه الزيارة بالإمام الخامنئي. ووصف قائد الثورة الإسلاميّة خلال هذا اللقاء الشيخ أحمد ياسين ورفاقه بالممثلين الحقيقيّين للشعب الفلسطيني والمجاهدين في الخطوط الأماميّة لجبهة المواجهة للإسلام ضدّ الكفر والحقّ ضدّ الباطل، وقال سماحته: «الشعب الفلسطيني مسلم وإنّ الممثّلين الحقيقيّين للشعب الفلسطيني هم فقط أولئك الذين يتحدّثون باسم الإسلام ويريدون عزّة فلسطين، لذلك فإنّ الذين سعوا من أجل إذلال فلسطين، لا يحقّ لهم أن يتحدّثوا باسم فلسطين العظيم.»

لكنّ أحمد لم يكن يعتبر أنّ فلسطين تنحصر في نفسه وجهاده، وترك جملة خالدة في شارع فلسطين الواقع في طهران: «فلسطين ليست المكان الذي تتمكن فيه حكومة أو جماعة خاصّة من اتخاذ القرار بشأن مصيرها، أو أن تساوم عليها مع الغاصبين للقدس، فلسطين ملكٌ لجميع المسلمين ونحن في هذا الطريق إما نُستشهد أو سنحرّر القدس الشريف في نهاية المطاف.(2)

الاغتيال

في 6 أيلول/ سبتمبر 2003، وفي خضمّ انتفاضة الأقصى الهادرة، حاولت إسرائيل اغتیال الشيخ أحمد ياسين من خلال إلقاء قنبلة بوزن ربع طن على مكان سكنه، لكن شيخ المقاومة نجا من هذا الاغتيال وأصيب بالجراح.

ثمّ في نهاية المطاف، بلغ شيخ المقاومة بتاريخ 22 آذار/ مارس أمنية الشهادة بينما كان يخرج على كرسيّه المتحرّك بعد صلاة الفجر من مسجد الجامع الإسلام في حيّ صبر الواقع في غزّة، واغتالته 3 صواريخ من مروحيّة أباتشي التابعة للصهاينة فقضى معه 7 آخرون. كان جزّار صبرا وشاتيلا أرييل شارون يُشرف على عمليّة اغتيال الشيخ شخصيّاً. أقيم تشييعٌ تاريخيٌّ مهيبٌ لجثمان الشيخ ياسين المقطّع إرباً إرباً وكان تشييعاً تاريخيّاً في قطاع غزّة. كان الصهاينة يعتقدون بأنّهم مع اغتيال الشيخ سيُنهون حالة المقاومة في فلسطين، لكنّ الحركة التي أسسها الشيخ ياسين لم تتوقّف مع رحيله، بل انتقم تلامذته بعد عام واحد فقط له بتحرير قطاع غزّة. لقد نُقش كتاب مذكّرات حياة الشيخ أحمد ياسين على قبّة المسجد الأقصى الذهبيّة البهيّة، حتى يحين ذاك اليوم الذي يُدفع فيه ثمن تضحياته هو وشهداء مسيرته. يُمكن تلخيص الشهيد الشيخ أحمد ياسين في كلمة واحدة هي «الاعتقاد بالمقاومة». لقد كان يقول: «العدو الإسرائيلي لا يترك للشعب الفلسطيني خيارات سوى خيار واحد، هو المقاومة والجهاد والاستشهاد».

جاء في بيان الإمام الخامنئي بعد تلقّي سماحته خبر اغتيال شيخ المقاومة ما يلي: «لا شكّ في أنّ الشهادة كانت الأمنية الدائمة لهذا الشيخ المجاهد والورع، وإنّ القتل في سبيل الله حلوٌ وعذب المذاق بالنسبة لعباده المخلصين... ما سلبوه من الشيخ أحمد ياسين والشعب الفلسطيني بهذه الجريمة كان جسداً نحيفاً وعليلاً. وهم لن يستطيعوا سلب الشعب الفلسطيني فكره ونهجه الذي قدّمه والمسار الذي شرّعه. روح الشيخ حيّة (3)».