مستشفى الشفاء.. فضيحة "إسرائيل" المُجلجلة

مستشفى الشفاء.. فضيحة
السبت ١٨ نوفمبر ٢٠٢٣ - ٠٥:٠٥ بتوقيت غرينتش

لا نعتقد ان كذبة وجود مقر قيادة لحماس في مستشفى الشفاء في غزة، او في انفاق تحته، التي روج لها الكيان الاسرائيلي ، وعلى اساسها حاصر المستشفي واقتحمها، ستمر هكذا كباقي الاكاذيب الاخرى التي روج لها هذا الكيان خلال عدوانه على غزة، مثل قيام  مقاتلي حماس بقطع رؤوس 40 طفلا واغتصاب فتيات صغيرات، يوم انطلاق معركة "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر، فكذبة مقر قيادة حماس في مستشفى الشفاء، ستكون لها تداعيات كبيرة، على مستوى الدعم الغربي للكيان، وعلى مستقبل الحكومة الاسرائيلية وشخص رئيسها بنيامين نتنياهو.

العالم – مقالات

مجمع الشفاء الطبي، الذي قد يتحول يوم اقتحامه من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي، الى لعنة تطارده، يعتبر من اكبر مستشفيات قطاع غزة الـ35، كما يعد الأقدم، فقد تأسس عام 1946، ويقع على مساحة 45 ألف متر مربع، ويضم اقسام للجراحة والأمراض الباطنية والنساء والتوليد وحضانة الخدج والطوارئ والعناية المركزة ووحدة غسيل الكلى والأشعة وبنك الدم. كذلك يضم المستشفى عيادات تخصصية في مجالات الأنف والأذن والحنجرة، والعظام، والمسالك البولية، والروماتيزم، وأمراض السرطان، وتخصصات أخرى عديدة. ويعمل فيه اكثر من ربع العاملين في القطاع الصحي في قطاع غزة بالكامل، حيث يضم اكثر من 500 طبيب، واكثر من 700 ممرض، إلى جانب طواقم الإسعاف والصيدلة والإدارة.

الكذبة الكبرى

بعد مرور أكثر من 38 يوما على العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، لم تحرر قوات الاحتلال أسيرا واحدا، ولم تأسر أيا من قادة حماس، ولم تعرض صورا لفتكها بالمقاومة، وأمام هذا الفشل الذريع ، اخذت تكرر رواية مزيفة أعلنت عنها في 9 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبدأت تسوقها لجمهورها وللغرب، وحولتها إلى محور عملياتها في غزة، ومفادها ان مركز قيادة حماس يقع في نفق تحت مجمع الشفاء الطبي، وهي رواية ايدتها امريكا وبقوة، في محاولة من الثنائي الامريكي الاسرائيلي، تعيين هدف للعدوان يمكن تحقيقه، وبالتالي تسويقه كانتصار على المقاومة في غزة.

وبعد اسبوع من محاصرة المستشفى وقصف اجزاء منه، وقطع الماء والكهرباء والوقود عنه، رغم وجود اكثر من 7 آلاف شخص، بينهم اكثر من 500 نازح ، و 750 جريحا، وأكثر من 36 من الأطفال الخدج، و45 مريض غسيل كلى، وكادر طبي مؤلف من 500 طبيب و 700 ممرض وممرضة.

كارثة إنسانية

في ظل الحصار المفروض على مستشفى الشفاء، الذي منعت قوات الاحتلال خروج او دخول اي شخص اليه، وقطعت عنه الكهرباء والوقود والدواء والغذاء والماء، تحول المستشفى الى مقبرة، حيث استشهد العديد من الجرحى والاطفال الخدج، وقد تم دفن 179 جثة على الأقل بينها جثث 7 أطفال خدّج، في قبر جماعي في حرم المستشفى، بعد تحللها وعدم امكان حفظها في المشارح، لانقطاع الكهرباء، و رفض قوات الاحتلال اخراجها. الامر الذي زاد المشهد مأساوية، هو وجود عناصر من القناصة في قوات الاحتلال تطلق التار على اي شخص يتحرك داخل ساحات المجمع أو في محيطه.

الإقتحام

في اليوم 40 من العدوان، وتحديدا فجر يوم الاربعاء الماضي، اقتحمت قوات الاحتلال المستشفى، ودمرت كل ما واجهته في الممرات والاقسام والغرف من اجهزة ومعدات طبية، واطلقت النار على الطواقم الطبية، وقامت جرافات في تدمير الجزء الجنوبي من المجمع.

واحتلت قوات كبيرة أقسامٍ داخلية من المستشفى وقامت بتكبيل عدد كبير من الأطباء والنازحين، وطلبت من المتواجدين في المستشفى مغادرته عبر طريق زعمت أنه آمن، ثم أطلقت النار باتجاه الأطباء، في ممارسة مكشوفة لاستهداف المنظومة الصحية في غزة و دفعها إلى الانهيار.

فضائح بالجملة

بعد اقتحام مستشفى الشفاء، اعلنت قوات الاحتلال انها عثرت على أسلحة ومعدات عسكرية داخل المستشفى، ولكن ما تم عرضه من "ادلة" أثار حفيظة حتى وسائل الاعلام الاسرائيلية والغربية، لسخفها وتهافتها وتفاهتها، حتى ان العديد من الصحفيين والاعلاميين وصفوها بالفضائح.

يبدو ان الاحتلال الإسرائيلي وبعد أسابيع من ترويجه لكذبة وجود مقر لقيادة حماس تحت مستشفى الشفاء، عجز وبشكل فاضح عن اثبات مزاعمه بعد اقتحامه للمستشفى، لذلك استعاض عن ذلك برواية سخيفة وهزيلة تفيد بوجود بعض البنادق والملابس العسكرية وجهاز حاسوب محمول.

واللافت ايضا ان الاحتلال زعم ان حماس قامت بتخزين أسلحة بجوار أجهزة الرنين المغناطيسي، الامر الذي اثار سخرية الجميع، فالمعروف ان هذه الأجهزة حساسة ولا يمكن أن تعمل في ظل وجود معدن مجاور، بل لا يسمح حتى بارتداء خاتم في غرفة جهاز الرنين المغناطيسي.

كما ان الصناديق التي زعم جيش الاحتلال أنه وجدها داخل المستشفى مليئة بالأسلحة، كانت بأيديهم خلال اقتحامهم للمكان، ويظهر ذلك من خلال وجود الملصق نفسه على تلك الصناديق، وهو الأمر الذي كشفته عدساتهم وفضحت روايتهم.

ان الأسلحة التي تم عرضها بطريقة ساذجة مع زعم أنها كانت مخبأة في الخزانات، ظهرت ملفوفة ببطانيات خاصة بجيش الاحتلال، وتم إعادة نقلها لخزانة أخرى لعرضها مرة ثانية وهي مرتبة ومنظمة، في مشهد لا يقل سذاجة عما سبقه.

الفضيحة الأخرى، ظهرت من خلال عرض جهاز حاسوب محمول وعلى شاشته صورة مجندة باعتباره أحد أجهزة كتائب القسام، وبعد أن اكتشف جيش الاحتلال أن ذلك فضيحة، حذفه من صفحته بمنصات التواصل وأعاد عرضه وقد غطى الشاشة في محاولة لستر فضيحته.

نتنياهو كان قد ادعى وجود اسرى في مستشفى الشفاء، وهو ما دفع حماس للاعلان عنها انها نقلت عددا من المحتجزين لديهم إلى مراكز الرعاية لتلقي العلاج، واعلنت وفاة أحدهم ويدعى آريه زالمن زدمانوفتش، بسبب نوبات الهلع جراء القصف الإسرائيلي المتكرر. وفي وقت لاحق نشرت كتائب القسام فيديو لشخص قالت إنه زدمانوفتش وهو يحتضر على الأجهزة الطبية ويتلفظ بكلمات غير مفهومة ثم مقطع آخر بعد موته مسجى على سريره.

يبدو انه لم يعد امام الاحتلال الا الكذب وسيلة للخروج من المأزق الذي حشر نفسه فيه في غزة، فهذا الناطق باسم قوات الاحتلال يلتقط، داخل مستشفى الشفاء، صورا الى جانب لوحة عليها اسماء ايام الاسبوع، او دراجة نارية، او حاضنة للاطفال، او اسلحة فردية وملابس و..، باعتبارها "ادلة دامغة" على ان المستشفى هو مقر قيادة حماس!!. بينما الجميع وقف على التضارب الصارخ في الروايات الإسرائيلية بخصوص وجود مركز قيادة لحماس في مستشفى الشفاء، إذ حذفت قوات الاحتلال مقطع فيديو للناطق باسمه داخل المستشفى بعد اقتحامه ونشر مقطعا جديدا معدلا، مما أثار تساؤلات عن حقيقة الادعاءات الإسرائيلية بخصوص المجمع الطبي.

وفي مؤتمر صحفي، قال المتحدث العسكري الإسرائيلي إن قوات الاحتلال الإسرائيلي عثرت على فتحة نفق ضمن مجمع الشفاء وسيارة مفخخة. وضمن ما قال إنها عملية معقدة وبحث مستمر، "قام الجيش الإسرائيلي بتفتيش كل مباني المستشفى بعد تجريف باحاته".

المعروف ان الكيان الاسرائيلي لا يقدم أبدا على اقتحام مكان داخله مقاتلون، لأنه يبتعد تماما عن الاشتباكات المباشرة، بدليل أنه قصف مقر الشرطة في سديروت عندما سيطر عليه مقاتلو المقاومة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولم يقتحمه رغم أنه يمتلك كل خرائطه، فكيف يقتحم مستشفى الشفاء، وهو يزعم انه مقر قيادة حماس.

خيبة أمل

يبدو ان اكاذيب نتنياهو واركان حكومته وقادة جيشه عن انتصارهم الوهمي في مستشفى الشفاء، لم تجلب سوى خيبة امل لمستوطنيهم ، فهذا معلق القناة "12" في الكيان الإسرائيلي، يائير شيركي: يقول "أنا أسمع عن خيبة امل كبيرة منتشرة في إسرائيل بشأن الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة".

من ناحيته، قال محلل الشؤون العربية في القناة "13"، تسيفي يحزكلي:"ان من الواضح أنه لا يوجد شيء له قيمة حقيقة في مستشفى الشفاء".

وأضاف أنّ موضوع مستشفى الشفاء هو "إلهاء تتعرض له إسرائيل منذ أكثر من أسبوع، وفي نهاية الأمر قصص الإلهاء هذه ستنتج خيبة أمل لدى الجمهور الإسرائيلي وتمنع عودة ثقته من أجل إنجاز أهداف الحرب".

اما عيران عتسيون، نائب رئيس مجلس "الأمن القومي" السابق، فيؤكد على عدم توفر القدرة على "إعادة الأسرى الإسرائيليين من قطاع غزة عبر عملية عسكرية، فامكانية القيام بذلك صفر"، مشيراً إلى ان إتمام صفقة هو الحل.

مراسل الشؤون العسكرية في إذاعة "جيش" الاحتلال الإسرائيلي، دورون كادوش، كان اول من كذب الرواية "الاسرائيلية" عندما اكد علنا عدم وجود أيّ إشارات على وجود "أسرى إسرائيليين" داخل مستشفى الشفاء في غزّة، وذلك بعد اقتحامه من قِبل القوات الاحتلال الإسرائيلي.

اما إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، قالت إنه "لا مؤشرات على وجود أسرى إسرائيليين بمستشفى الشفاء، رغم أن الجيش ادعى، على مدى أسابيع، وجود أسرى فيه.

ردود الافعال

صحيفة يديعوت احرنوت نقلت عن ديبلوماسي أوروبي تأكيده عدم وجود اي دليل على وجود نشاط عسكري في مستشفى الشفاء، وهو ما دفع حلفاء "إسرائيل" في الغرب، الى "زيادة الضغط" على الاحتلال من أجل قبول وقف إطلاق النار.

وأشارت الصحيفة إلى أنّ "الجيش" الإسرائيلي، لم يظهر أدلةً على وجود أنفاق أو مركز قيادة لحركة حماس، بعد ادعائه أنها "موجودة تحت المستشفى.

شبكة "سي أن أن" الأميركية، ذكرت أنه لا يوجد دليل حتى الآن على وجود شبكة أنفاق تحت مستشفى الشفاء في غزة.

وأوردت الشبكة أنه "من المؤكد أنه لا يوجد ما يشير إلى أنّ القوات الاسرائيلية قد كشفت عن نفق متعدد المستويات مع غرف تحت الأرض، من النوع الموضح في الرسوم التي قدّمها المتحدث باسم الجيش في مؤتمر صحافي قبل ثلاثة أسابيع تقريبا"

ويوم الخميس الماضي، أكّد مراسل الشؤون العسكرية في إذاعة "جيش" الاحتلال الإسرائيلي، دورون كادوش، عدم وجود أي إشارات على أنّ هناك "أسرى إسرائيليين" داخل مستشفى الشفاء في غزّة.

أمريكا أكثر كذباً من "إسرائيل"

رغم سخرية العالم بالرواية الاسرائيلية، وخاصة الصحافة والاعلام في الكيان الاسرائيلي نفسه، الا ان الادارة الامريكية مازالت تصر على موقفها في الترويج لها، فهذا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يعلن وبصريح العبارة، وبعد يومين من اقتحام جنود الاحتلال الإسرائيلي مجمع الشفاء الطبي: انه "واثق من وجود أنفاق ومركز قيادة تحت مجمع الشفاء في غزة"!.

موقع شبكة "أن بي سي نيوز" الأميركي، ذكر انه ليس هناك من إشارة على أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، مستعد للتهديد بحجب المساعدة العسكرية الأميركية عن الكيان الإسرائيلي، رغم كل اكاذيبه وجرائمه واستهتاره بالقوانين الدولية والقيم الانسانية.