العالم - جوّا الصندوق
منظر الطائرات قد يعتبر مرعبًا لكثير من الناس. بنفس الوقت، وتحدث شخص عن أربع طائرات حربية، ارتفاعها منخفض إلى درجة إنه إذا صودف وجودك بالمكان الصح، ظلال هالطائرات ستحجب عنك الشمس لجزء من الثانية. صوتها يكاد يدمر حاسة السمع.
كيف كانت ردة فعل الشاب الذي يسير لوحده في الشارع؟ تلقائيًا قام برفع قبضته للأعلى وهتف: "هيهات منا الذلة!" ونتخيل انه لو كان المشهد سينمائي تمثيلي، فمن الصعوبة أن نحصل على كل عناصر هالصورة. مشهد كان معبرًا إلى درجة لا توصف عن حقيقة المعركة ببلادنا والعالم.
وإذا تمت العودة بالذاكرة لمرحلة ما قبل طوفان الأزمة. مثلًا، عندما بدأت الحرب بين روسيا وحلف الناتو بأوكرانيا، أو كلما يحدث انقلاب سياسي عسكري بفنزويلا أو بأي بلد بأمريكا الجنوبية، حتى عندما يكون فيه اشتباك عسكري أو سياسي بين كوريا الشمالية والجنوبية أو كوريا الشمالية واليابان، كان هنالك سؤال يتردد على ألسنة الكثير من أهل المقاومة بلبنان على وسائل التواصل الاجتماعي أو بالحوارات على القهوة أو بالشارع، وهذا السؤال هو: "نحنا مع مين؟"
سؤال كان يتردد أحيانًا على سبيل النكتة، بس عمليًا هو سؤال جسد ظاهرة يمكن جزء من أهل المقاومة نفسهم لم يدركوا أنها موجودة فيهم، وربما لم يدركوا حجم أثرها على السياسة بالعالم. لا شك أنه عصر التواصل والاتصال والإعلام الرأسمالي قدر يحول القضايا السياسية، مهما تكون مهمة، لمادة استهلاكية مثل أي برنامج ترفيهي أو قصص وفضائح شخصيات عامة.
شاهد أيضا.. فضل الله: وضعنا في عهدة الدولة مسؤولية إخراج الاحتلال من أراضينا
ولكن جمهور المقاومة بلبنان يطرحون هذا السؤال البسيط، "لم يكن يتعامل مع الأحداث السياسية العالمية من زاوية المشاهدة فقط . بالواقع، سؤال "نحنا مع مين؟" بحد ذاته هو سؤال جوهري بالعمل السياسي، دافعه الأساسي هو الحاجة للإدراك، ولكن ليس إدراك لمجرد تجميع المعلومات، بل إدراك لتحديد الاصطفاف السياسي.
هذا السؤال العفوي يعكس الفعالية السياسية عند الجزء الغالب من أهل المقاومة بلبنان، والفعالية يمكن أن تلخص برغبة كل فرد في هذه الجماعة السياسية بمعرفة واقع الصراعات بالعالم وتحديد موقفه واصطفافه واصطفاف مشروعه فيها أو منها. هذه الفعالية نستطيع تسميتها"الثورية الأممية"، وهي نتاج لمسار طويل اجتهد فيه قادة المقاومة بلبنان وبالمنطقة على مر العصور.
مفهوم "الثورية الأممية"
لكن الذي نسميه "الثورية الأممية" هو مشروع كبر ونضج بشكل استثنائي بقيادة الشهيد السيد حسن نصر الله، وهذه الفكرة التي طرحها الدكتور سيف دعنا بالحلقة السابقة ستكون محور حلقتنا اليوم. حيث ربط مشروع المقاومة بلبنان بالبعد الأممي كبر ونضج بقيادة السيد حسن نصر الله بشكل استثنائي. و نقول بشكل استثنائي؟ لأن ربط مشروع المقاومة بلبنان بالبعد الأممي هو مشروع قائم عندما بدأت المقاومة ضد المشروع الصهيوني.
والأكيد إنه الأممية كانت لها أثر أساسي بفكر ونشاط تيارات المقاومة اليسارية والشيعية، خصوصًا بمرحلة وجود المقاومة الفلسطينية بلبنان.
لكن الفكرة الأممية للمقاومة بلبنان تشكلت وتطورت بمسار متكامل مع صعود المعسكر الاشتراكي بالعالم، والذي كان يحمل نفس الأفكار وكان يشكل غطاء ماديًا وسياسيًا وفكريًا. على الأقل، وجود المعسكر الاشتراكي كان عامل أساسي بتشكيل الوعي الأممي عند الشعوب المعرضة للاضطهاد عبر التنظير والممارسة وتوفير الإمكانيات أيضًا.
ولكن سقوط المعسكر الاشتراكي مع سقوط الاتحاد السوفيتي كان اللحظة اللي أعلن فيها كثيرون دفن الفكرة الأممية، خصوصًا مع هيمنة المعسكر الغربي بقيادة أمريكا على المشهد الثقافي والسياسي والاقتصادي والعسكري بالعالم. يعني ببساطة، كيف تستطيع أن تنظر للأممية إذا كان أغلب وسائل الإعلام بإيد أمريكا وحلفائها وتوابعها؟ كيف تستطيع أن تنظم وتشتغل وتناضل للأممية إذا كانت أغلب إمكانيات الشعوب إما محتلة مباشرة بالقواعد العسكرية الأمريكية أو بشكل غير مباشر عن طريق أدوات أمريكا ببلادنا وبكل العالم؟
شاهد أيضا.. حزب الله يشيع العشرات من شهدائه في عيترون وعيتا الشعب
والأهم، أصلًا كيف يستطيع أي إنسان مضطهد بالعالم أن يفكر بمشروع مقاومة أممي إذا كان كل الضجيج الثقافي والإعلامي من حوله يروّج لقيم الاستهلاك والانعزال والفردانية؟ يعني أنك تكون كفرد مستقل عن أي جماعة ومحور حركتك الشخصية هو نفسك ومصالحك الشخصية حصرًا، وأنه ما يكون لديك أي استعداد للتضحية في سبيل مصلحة أي جماعة لأنك أصلًا المفروض أن تكون رافضا لأصل الانتماء لأي جماعة.
وفي هذه الظروف تحديدًا نشأ ونضج المشروع الأممي للمقاومة بلبنان بقيادة السيد حسن نصر الله. ومنقدر نعرف مشروع المقاومة الأممي كسلسلة من التحالفات والاصطفافات والخطوات السياسية اللي أخذتها المقاومة بلبنان لمواجهة مشروع الهيمنة الغربية. و ويجب أن نظل نتذكر أنه مشروع الهيمنة الغربية، كما تحدثنا في حلقات سابقا ومنها حلقة "الجيش الذي يحتل الكوكب"، هذا المشروع يعتبر مشروعا عدوانيا يستهدف كوكب الأرض مجتمعًا وليس بلادنا حصرًا.
وفي المقابل، فإن ميزة المشروع الأممي للمقاومة هو أنه ليس ناتجا عن رفاهية ولا عن طموح شخصي لقائد أو عن طموح خاص لحزب، بل أن "مشروع المقاومة الأممي" هو رد الفعل الأمثل على الفعل الأساسي بالمعادلة، الذي هو الهيمنة الغربية.
التفاصيل في الفيديو المرفق ...