زيارة ترامب: أهداف ودلالات وتحديات مستقبل الشرق الأوسط

الأحد ١٨ مايو ٢٠٢٥
١١:٤٦ بتوقيت غرينتش
زيارة ترامب: أهداف ودلالات وتحديات مستقبل الشرق الأوسط عندما أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب عن زيارته المرتقبة إلى السعودية والإمارات وقطر، لم يكن ذلك مجرد حدث عابر في جدول أعماله السياسي، بل كان بمثابة خطوة تأملٍ مثيرة في إعادة تعريف دور الولايات المتحدة في واحدة من أكثر المناطق تعقيدًا في العالم.

العالم - مقالات وتحليلات

أتت هذه الجولة في وقت يتفاعل فيه المشهد الجيوسياسي بشكل متسارع، ما يضع ترامب مجددًا تحت الأضواء، ويسلط الضوء على سعيه المستمر ليكون تحت أضواء مسرح السياسة الدولية.

أهداف وتحديات مزدوجة

تُعد زيارة ترامب لدول الخليج الفارسي مزيجاً متقناً من السياسة والتجارة، تبرر فيها دوافع شخصية ومصالح اقتصادية .سعى ترامب من خلال هذه الزيارة إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية. فهو يريد إعادة نسج علاقاته بالدول المؤثرة في المنطقة كما تنظر إليها الولايات المتحدة الأمريكية، بعيداً عن البيروقراطية الليبرالية التي اعتُمِدَت في واشنطن خلال السنوات الأربع الماضية. كما يعمل إلى إعادة الدعم الذي فقده بعد مغادرته للبيت الأبيض، ما يُظهره كقائد عالمي قادر على بناء التحالفات، خاصةً في عالم يتصاعد فيه النفوذ الروسي والصيني.
لكن الجولات الخارجية ليست مجرد استعراض للقوة؛ إنها جزء من استراتيجية أوسع. يهدف ترامب إلى نقل رسالة واضحة تعزز فكرة أن بلاده لا تزال في صدارة الأحداث العالمية، وإظهارها أنها الحليف الذي يعتمد عليه في الشرق الأوسط في مواجهة "التهديدات المتزايدة"، التي نسجتها وحبكتها الولايات المتحدة في مراكز أمنها ومختبراتها، وإعادة تدوير واشنطن كضامن للاستقرار، ولو على حساب قضايا أخرى تهم العرب كالقضية الفلسطينية.
مع ذلك، لا تأتي هذه الأهداف دون تحديات. إذ يعيش المجتمع الأمريكي حالة من الاستقطاب السياسي الحاد بين الحزبين الرئيسيين، ما يؤثر على قدرة ترامب على تطبيق سياساته بشكل فعال. يواجه الرئيس قضايا داخلية معقدة تشمل تفشي الفساد، والقلق العام حول الاقتصاد.

ومن جهة أخرى، يتصاعد دور الصين كمنافس أساسي، حيث تعمل بكين على تكثيف حضورها في الشرق الأوسط، ما يعكس تحولًا في موازين القوى، ويمثّل تهديداً تقليدياً للنفوذ الأمريكي. لذا، على ترامب أن يقنع الحلفاء في الشرق الأوسط بأن استراتيجياته جديرة بالثقة وأن الولايات المتحدة لا تزال الخيار الأفضل كحليف.

في قلب هذه المتغيرات، تشكل دول الخليج الفارسي شريان الديناميات السياسية في المنطقة من وجهة نظر ترامب، الذي لا يخفي علاقاته الشخصية مع الحكام الخليجيين. حيث تشهد هذه الدول تحولًا كبيرًا في سياساتها الخارجية، ساعيةً إلى تنفيذ رؤى اقتصادية وأمنية تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتعزيز القطاعات الحيوية كالسياحة والتكنولوجيا والطاقة المتجددة. ما يجعلها وجهة لرجال الأعمال والمستثمرين. وعليه تعد زيارة ترامب لهذه الدول مزيجاً متقناً من السياسية والتجارة، تبرز فيها دوافع شخصية واقتصادية على حد سواء. فترامب الذي طالما نظر للسعودية والإمارات كصنبورٍ زاخرٍ بالثروات والأسواق الاستثمارية المزدهرة ، يحاول الاستفادة من ثقل قادتها السياسي والاقتصادي في تأمين دعم لمشروعاته المستقبلية، سواء داخل أميركا أو خارجها،. زيارة الرئيس الذي طالما عُرِف بحبه للأموال والسلطة، تؤكد أنه يجد في هذه الدول فرصة لتوسيع علامته التجارية من خلال الاستفادة من القطاعات الاستراتيجية كالسياحة والعقارات، ويريد ترك بصمة واضحة في تلك الأسواق الديناميكية.

بالإضافة إلى الجوانب الاقتصادية، ومع التفكير في العودة إلى الساحة السياسية، لا سيما مع تصريحات ترامب عن إمكانية خوضه الانتخابات الأميركية القادمة في ٢٠٢٨، تشكّل هذه التحركات جزءًا من استراتيجية أوسع لـترامب، التي قد تعيد إعداده كمرشح قوي في المستقبل بأجنحة أقوى وداعمين أكثر. هكذا، تتكشف زيارة ترامب للخليج الفارسي كبراعة في دمج المصالح الشخصية مع الأبعاد الاقتصادية والسياسية، ما يجعله يستقطب انتباه واشنطن والعالم معًا، تاركًا الجميع في ترقب لتداعيات هذه العلاقات المتطورة.

خنق القضية الفلسطينية

عندما وطأت قدما ترامب أرض الخليج الفارسي، تنامى الإحساس بالتوقعات والصفقات التجارية في الأجواء. لكن سرعان ما تحولت تلك الأجواء الحماسية إلى مسرحية سياسية تفتقر إلى القيم الإنسانية والأخلاقية، حيث جاء تغييب القضية الفلسطينية ليكون أحد أبرز مشاهدها. في الوقت الذي حملت فيه أجندة ترامب الدبلوماسية الجانب الأكبر من اللوم، يتحمل القادة الخليجيون نصيبًا وافيًا من المسؤولية أيضاً.

ترامب لم يكن شخصًا ليترك أي مجال للشك حول سياساته. من خلال عدسة "أمريكا أولاً"، ثبَّت ترامب موقفه المتغطرس بتقديم المصالح الأمريكية على أي اعتبارات أخرى، حتى لو كانت على حساب حقوق إنسانية مُعذبة. خلال تجواله بين العواصم الخليجية، كان يبدو جليًا أن ترامب اعتبر القضية الفلسطينية كعائق يُعيق مساعيه لتعزيز العلاقات التجارية والأمنية الموازية التي أراد التوقيع عليها في تلك اللحظة. بالنسبة له، كان التوصل إلى اتفاقات مع الإمارات والسعودية وقطر بمثابة انتصارات مُشاعة، حتى لو تخللتها آثار الإهمال لحقوق الفلسطينيين.

الصفقات التجارية التي رافقت زيارة ترامب كانت بمثابة واجهة براقة تغطي تحتها الصراعات المأساوية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني. ترامب، الذي يعشق التفاصيل المالية أكثر من اهتمامه بالقضايا الإنسانية، لم يترك للقضية الفلسطينية أي مكان على الطاولة. كانت جميع الأحاديث تدور حول إبرام عقود ضخمة ومنح "هدايا" خليجية، بينما ظلت المظالم الفلسطينية مُهمَلة، وكأنها مجرد نقاط صغيرة في جدول أعمال مُثقل بالمصالح الذاتية.

إقرأ أيضا..شاهد..رد فعل ترامب عند تلقيه هدية اماراتية غير تقليدية

لكن لا يمكن النظر إلى هذه الصورة الكاريكاتورية بعين واحدة. إذ يجب أيضًا تسليط الضوء على مشاركة الدول الخليجية الفاعلة في هذه اللعبة. في الوقت الذي خرجت فيه الجمعيات العربية تتذمر من السياسات الإسرائيلية، اتجهت عدد من الحكومات العربية المطلة على الخليج الفارسي إلى التطبيع مع "إسرائيل" تحت حجج واهية من قبيل "أمن المنطقة" و"التحديات المشتركة". يبدوا أن هذه الخطوة، المُزَيَّنة بنغمة الاستقرار، كانت بمثابة غطاء لدفن القضية الفلسطينية بعيدًا عن الأضواء، وكان من الواضح أنها تهدف إلى تحويل الأنظار بعيدًا عن معاناة الفلسطينيين المستمرة.

وفي خضم هذه الفوضى، استغل ترامب جولته لتحويل الأنظار إلى القضايا الاقتصادية، مُخاطبًا الجيل الجديد من الشباب العربي الذي بدأ في فقدان اهتمامه بالقضايا التقليدية. وبهذا، جاءت الدول الخليجية لتعيد تنظيم أولوياتها، مُعتبرة القضية الفلسطينية عبئًا تاريخيًا أكثر منها قضية حيوية تتطلب الاهتمام. وأصبح السؤال الذي طرحه ترامب يتردد في الأذهان: لماذا يجب أن نُعير اهتمامًا لماضي مؤلم بينما لدينا "فرص جديدة" تُعد بمثابة أمل لتجديد الشراكات الاقتصادية؟

قبعة الرئيس

في النهاية، تبقى الحقيقة المرة أن زيارة ترامب لدول الخليج الفارسي، وما تبعها، كانت أكثر من مجرد صفقات تجارية أو تعاون أمني؛ كانت بمثابة طعنة أخرى في قلب القضية الفلسطينية، وتأكيد على أن المصالح الذاتية تأتي دائمًا في مقدمة القضايا الإنسانية في نظام عالمي يتجاهل الأبعاد الأخلاقية. وهو ما يترك الأمل مكسورًا بين أروقة السياسات المصلحية والمصالح الفانية.

بقلم: أحمد علي إبراهيم
صحفي ومحلل سياسي سوري

0% ...

آخرالاخبار

قتلى بمجزرة للدعم السريع في مدينة كلوقي السودانية


شاهد.. مراسل العالم: الاحتلال يواصل قصفه قطاع غزة


الرئيس الايراني يهنئ ملك ورئيس وزراء تايلاند باليوم الوطني


الادميرال إيراني يشيد بنجاح القوات البحرية في مناورة بريكس الدولية


دول أوروبية تقاطع يوروفيجن احتجاجا على قرار السماح بمشاركة الاحتلال


رسائل التصعيد الإسرائيلي وولادة التسوية اللبنانية داخل لجنة الميكانيزم


انتحار ضابط بجيش الاحتلال بعد مشاركته حرب غزة


في زيارة دولة.. بوتين يصل قصر دلهي الرئاسي بالهند


'أسوشييتد برس': انهيار البحرية الأمريكية أمام العمليات اليمنية


تواصل الخروقات والقصف الإسرائيلي على غزة