فرانشيسكا ألبانيز تكشف: كيف يتحول اقتصاد الاحتلال إلى أداة للإبادة الجماعية

الجمعة ٠٤ يوليو ٢٠٢٥
٠١:٢٩ بتوقيت غرينتش
فرانشيسكا ألبانيز تكشف: كيف يتحول اقتصاد الاحتلال إلى أداة للإبادة الجماعية شهدت العقود الأخيرة تحولاً عميقًا في بنية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، من مشروع استيطاني توسعي تقليدي إلى منظومة متكاملة من السيطرة والإقصاء قائمة على الربح الاقتصادي والتواطؤ الدولي.

في تقريرها المقدم إلى الدورة التاسعة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان (16 يونيو – 11 يوليو 2025)، تقدم المقرّرة الخاصة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، فرانشيسكا ألبانيز، تحليلًا غير مسبوق لبنية الاحتلال من منظور اقتصادي وقانوني.

عنوان التقرير “من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة الجماعية” لا يوثق فقط الانتهاكات، بل يُفكك النظام الرأسمالي المعولم الذي يحوّل الاحتلال إلى مشروع إبادة جماعية مدرّة للربح.

الاحتلال كرأسمالية استعمارية عنصرية

يركّز التقرير على نمط هيمنة يُعرف بـ”رأسمالية العِرق الاستعمارية”، حيث تتشابك المصالح الاقتصادية بالهياكل العنصرية الاستعمارية. في السياق الفلسطيني، أصبح المشروع الاستيطاني الإسرائيلي مثالًا حيًّا على هذا النمط، حيث تجتمع أدوات التهجير، والاستبدال، والسيطرة المكانية، ضمن منطق اقتصادي استغلالي تحركه شركات متعددة الجنسيات، ومصارف، وصناديق استثمار، ومؤسسات أكاديمية. فمنذ بداية المشروع الصهيوني، أُنشئت كيانات مثل الصندوق القومي اليهودي لشراء الأراضي الفلسطينية واقتلاع سكانها الأصليين. ثم تطور ذلك إلى منظومة متكاملة تضم أكثر من 371 مستوطنة وبؤرة، ممولة ومدعومة بشبكة دولية من الكيانات الربحية.

من التهجير إلى الإبادة الجماعية

يبيّن التقرير أن التحول الحاسم في طبيعة الاحتلال بدأ في أكتوبر 2023، مع تصاعد العدوان على غزة، ليتخذ الاحتلال شكلًا جديدًا أكثر وحشية، يتمثل في الإبادة الجماعية.

وتشير الأدلة الميدانية والأرقام الرسمية إلى أن أكثر من 85,000 طن من القنابل ألقيت على غزة خلال أقل من عام، وأن عدد الضحايا تجاوز 179,411 بين قتيل (شهيد) وجريح. كما دُمّرت 70% من المباني و81% من الأراضي الزراعية.

ويؤكد التقرير أن هذه الجرائم لم تكن عشوائية أو معزولة، بل هي نتيجة بنية اقتصادية عسكرية متشابكة، حيث تُختبر الأسلحة والتقنيات الجديدة في الميدان، وتُسوّق بعد ذلك كـ”مجرّبة ميدانيًا”.

الشركات في قلب الجريمة

يتتبع التقرير العلاقة المعقدة بين الاحتلال وشبكة من الشركات الدولية التي تدعمه أو تتربح منه، موضحًا أن هذه الكيانات ليست جهات ثانوية، بل تمثل ركيزة أساسية للاحتلال. وتشمل هذه الشركات شركات السلاح مثل Elbit Systems وLockheed Martin وIAI، وشركات التكنولوجيا مثل Microsoft وAmazon وGoogle وPalantir، وشركات المعدات الثقيلة مثل Caterpillar وVolvo وHyundai، إضافة إلى شركات الطاقة مثل Chevron وBP وGlencore، فضلًا عن مؤسسات أكاديمية مثل MIT وTUM وEdinburgh. وتُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي، الحوسبة السحابية، والمراقبة البيومترية لتطوير أدوات القمع، كما تُستخدم الآليات الثقيلة في الهدم المنهجي للأحياء الفلسطينية.

البنية التحتية كأداة قتل ممنهجة

يرصد التقرير كيف تحوّلت البنية التحتية المدنية إلى وسيلة للقتل الجماعي. ففي قطاع الطاقة، قُطع الوقود والكهرباء والمياه عن غزة بشكل متعمد، مما أدى إلى انهيار المستشفيات ومحطات تحلية المياه. وفي القطاع الزراعي، استُخدمت الزراعة الاستيطانية كأداة للاستيلاء على الأراضي، بينما حُرم الفلسطينيون من المياه وسبل العيش. أما السياحة، فقد أصبحت أداة تطبيع للاحتلال عبر ترويج المستوطنات من قبل شركات مثل Airbnb وBooking.com. وفي الأسواق العالمية، تُسوّق منتجات المستوطنات دون رقابة فعالة، ما يعزز من شرعنة الضم والاستيطان.

المال يحكم: تمويل الإبادة جماعيًا

أبرز التقرير أن تمويل الإبادة لم يأتِ فقط من الحكومة الإسرائيلية، بل من شبكة عالمية من المؤسسات المالية. فقد تم إصدار سندات حكومية إسرائيلية بقيمة تتجاوز 13 مليار دولار منذ أكتوبر 2023، واستثمرت مؤسسات كبرى مثل BlackRock وVanguard وBNP Paribas في هذه السندات، رغم علمها باستخدامها في تمويل الجيش الإسرائيلي.

كما قفز مؤشر بورصة تل أبيب بنسبة 179% خلال أقل من عام، محققًا أرباحًا تفوق 157 مليار دولار، في وقت يعاني فيه الفلسطينيون من حصار وتجويع وقتل ممنهج. وتدّعي هذه المؤسسات التزامها بمبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية، بينما تستثمر في شركات تصنع أدوات الإبادة.

المسؤولية القانونية: من العناية الواجبة إلى المساءلة الجنائية

بحسب القانون الدولي، كل شركة تساهم أو تسهّل أو ترتبط بانتهاكات جسيمة، تتحمل مسؤولية قانونية بموجب مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان (2011). وقد تقع على الشركات مسؤولية جنائية في بعض النظم القضائية، كما حدث مع الصناعيين الألمان بعد الحرب العالمية الثانية.

ويشدّد التقرير على أن مجرد تطبيق العناية الواجبة ليس كافيًا، بل يجب الانسحاب الفوري وغير المشروط من كل علاقات تجارية مع الاحتلال، ومحاسبة المسؤولين التنفيذيين عن مساهماتهم المادية والمعنوية في الجرائم.

تفكيك الربحية: نحو عدالة اقتصادية وسياسية

لا يكشف التقرير فقط عن حجم التواطؤ الدولي، بل يُظهر أن الإبادة الجماعية في فلسطين ليست نتيجة انحراف في النظام العالمي، بل نتيجة منطقية له. فالمؤسسات الاقتصادية – التي يُفترض أن تكون محايدة – أصبحت جزءًا من ماكينة القتل، تساهم في التمويل، التسويق، الإنتاج، والتطبيع. ولهذا، فإن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري لا يمر فقط عبر الضغط السياسي، بل يتطلب أيضًا تفكيك النظام الاقتصادي الذي يحوّله إلى مشروع مربح. المحاسبة القانونية، والمقاطعة الاقتصادية، وإعادة هيكلة العلاقة بين رأس المال وحقوق الإنسان، تمثل اليوم ضرورة أخلاقية وقانونية عاجلة.

شاهد أيضا.. فشل أمريكي في اسکات طالب جامعي واتخاذ قرار بترحيله

“حين تصبح الحياة والموت رهن قرارات المستثمرين، تتحوّل الجرائم إلى مؤشرات سوق، وتصبح الإنسانية ضحية للربحية.”

**هذا المقال التحليلي مستند إلى تقرير مجلس حقوق الإنسان (2025) حول الأراضي الفلسطينية المحتلة. جميع الأرقام والاقتباسات مستمدة من الوثيقة الأصلية الصادرة عن الأمم المتحدة.

0% ...

آخرالاخبار

الرئيس الروسي.. سنواصل 'دون انقطاع' تصدير الوقود للهند


متحدث الفيفا يرحب بحضور ممثلي إيران في حفل قرعة كأس العالم


فنزويلا تواجه عزلة جوية بعد وقف شركات طيران رحلاتها إليها


منصّات التواصل تغلي.. تعيين"كرم" يفجّر عاصفة جدل على المنصّات اللبنانية!


مسؤول أممي يدعو للضغط على كيان الإحتلال لإنهاء خروقاته


بيان لرئاسة العراق حول إدراج حزب الله وأنصار الله على قائمة الإرهاب


موقع أكسيوس يكشف خطة ترامب للمرحلة 2 من إتفاق غزة


الشيخ قاسم: لسنا معنيين بخدّام 'إسرائيل'


بين تطورات لبنان والعقدة الأميركية.. مهمة وفد مجلس الأمن على المحك


الشيخ الخطيب: المسؤولون يجب أن يكونوا أمينين على مصلحة لبنان