بعد عقود من التمرد المسلح الذي قاده حزب العمال الكردستاني ضد الدولة التركية وأسفر عن مقتل نحو 40 ألف شخص، عادت دعوات نزع السلاح إلى الواجهة، مدفوعة بتوجيهات زعيم الحزب المعتقل عبد الله أوجلان، الرجل الذي يقبع في السجن منذ أكثر من 20 عامًا. جدد دعوته للانتقال من الكفاح المسلح إلى العمل السياسي، فيما بدأت بالفعل أولى خطوات تسليم السلاح في مناطق كردية بشمال العراق، في مشهد يعيد إحياء آمال التسوية.
وقال الصحفي الترکي رمضان بورصا لقناة العالم:"ما حدث مع حزب العمال الكردستاني هو إنجاز تاريخي لتركيا بعد 40 عامًا من الصراع المسلح، لكن أعتقد أنه ما زال من المبكر الحكم على هذا التطور الهام، لأن الملفات الشائكة معقدة وموجودة ولم يتم التطرق إليها بعد. الأكراد يحتاجون إلى ضمانات حقيقية من أجل حل الحزب وتسليم السلاح بشكل كامل، وهذا يعتمد على موقف تركيا".
تتصاعد التساؤلات حول مصير الخلايا النائمة وكيفية دمج المقاتلين في المجتمع، في وقت تحذر فيه المعارضة من تنازلات قد تُحسب ضد الدولة، فيما تروج الحكومة لفرصة تاريخية. ليبقى نجاح المبادرة معتمدًا على جدية التنفيذ وضمانات وقف العنف في تركيا.
وقال المحلل السياسي سليم أکتومان لقناة العالم:"نرحب بهذا الاتفاق، وسياسياً يجب أن تستمر المفاوضات بين الطرفين دون أن تضر بمصالح تركيا كدولة.
في نهاية المطاف، حزب العمال مصنف إرهابياً منذ سنوات عديدة، ومسألة تقبله لدى الأحزاب لن تكون سهلة في الوقت الحالي. لذلك يجب عليه تقديم ما هو أكثر من تسليم السلاح حتى يندمج بشكل طبيعي مع الوسط التركي السياسي والشعبي".
ويتوزع مقاتلو حزب العمال الکردستاني في مناطق جبلية بشمال العراق، خصوصًا في جبال قنديل القريبة من الحدود التركية. كما ينشط جناحه السوري "وحدات حماية الشعب" في مناطق الإدارة الذاتية بشمال شرق سوريا. وتضع تركيا الحزب وجميع فروعه على قوائم الإرهاب إلى جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
بين تفاؤل يبنى على وعود السلام وقلق يتغذى على تجارب الماضي، تقف تركيا أمام مفترق تاريخي قد يعيد رسم توازناتها الداخلية ويبدل موقعها في خرائط الصراع الإقليمي. فهل تُطوى أخيرًا واحدة من أكثر الملفات تعقيدًا في جمهوريتها الحديثة، أم أن الطريق إلى تسوية لا يزال محفوفًا بتعقيدات الداخل وتقاطعات الخارج؟ سؤال تبقى الإجابة عليه رهن الأفعال لا الأقوال.