ويعكس الصراع المحتدم بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس أركان الجيش "إيال زامير" انقساما داخليا لا صلة له بأي اعتبارات إنسانية أو أخلاقية، بل يتمحور حول "كلفة الإبادة" وجدواها من المنظور الإسرائيلي البحت.
صراع أجندات لا أخلاق
يرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية، "د. محمد هلسة"، أن الخلاف بين نتنياهو وزامير لا يتصل بموقف أخلاقي من الجرائم المرتكبة في غزة، وإنما يدور حول حسابات سياسية وعسكرية إسرائيلية بحتة.
وقال "هلسة" في حديثه لصحيفة فلسطين "لا يوجد وخز ضمير داخل المجتمع الإسرائيلي تجاه المقتلة الجارية في غزة. هناك تصالح تام مع الذات، وتصور بأن الحرب مبررة وصفرية: إما نحن أو هم".
ويضيف أن المؤسسة العسكرية تخشى من تبعات التوسع العسكري على جاهزية الجيش ومصير المحتجزين الإسرائيليين، بينما يصر نتنياهو على التصعيد لتحقيق مكاسب سياسية، خاصة في ظل أزماته الداخلية وسعيه للبقاء في الحكم.
ويشير إلى أن تضخيم الخلاف بين المؤسستين السياسية والعسكرية قد يكون مقصودًا من أطراف معارضة لنتنياهو، في محاولة لكبح اندفاعه، وتبرئة ساحتهم لاحقًا من النتائج الكارثية المحتملة.
تحميل مسبق للمسؤولية
وبحسب "هلسة"، فإن نتنياهو "يهيئ الساحة لرواية تحميل الجيش المسؤولية في حال فشل الاجتياح"، وذلك كجزء من سلوكه المعتاد الذي يلقي فيه باللائمة على المؤسسات الأمنية والقضائية، بينما يستأثر بنتائج ما يعتبره إنجازات سياسية أو عسكرية.
ويتابع "في هذا الجدل، يغيب الدم الفلسطيني تماما؛ ليس كضحية أو كائن إنساني، بل كعنصر خارج معادلة المصلحة الإسرائيلية التي تحكم كل نقاش".
خلاف جوهري على الكلفة
من جهته، يرى الباحث في الشأن الإسرائيلي، "د. مهند مصطفى"، أن الخلاف بين نتنياهو وزامير هو "خلاف جدي وجوهري" ينبع من تباين عميق في تقدير الكلفة التي يمكن أن تتحملها "إسرائيل".
ويقول "مصطفى" في تصريحات لقناة الجزيرة "نتنياهو مستعد لدفع أي ثمن سياسي أو عسكري مقابل تحقيق أهدافه من الحرب، طالما أن ذلك يخدم بقاؤه السياسي".
ويشير إلى "أن رئيس الحكومة لا يمانع توسيع العملية العسكرية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بشروطه مع حركة حماس، لكن هدفه الأساسي هو فرض اتفاق يعكس الرؤية الإسرائيلية، لا غير".
أما "زامير"، وفقا لــ"مصطفى"، فيعارض التوسع الميداني خوفا من الخسائر البشرية في صفوف الجيش الصهيوني فقط، وتآكل قدرات الجيش، خاصة في ظل إجهاد مستمر للجنود والاحتياط، إضافة إلى ما يمثله ذلك من تهديد مباشر لحياة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة، وهو ما يعتبره زمير "خطا أحمر".
تسريبات مدروسة ومزدوجة الاستخدام
ويؤكد مصطفى أن تسريب الخلاف للإعلام ليس عشوائيا، بل يخدم أهداف الطرفين؛ إذ يستخدمه نتنياهو للضغط على حماس ورفع سقف التهديدات، بينما تسعى المؤسسة العسكرية لإخلاء مسؤوليتها عن تبعات القرارات السياسية المحتملة.
ويضيف "نتنياهو يراوغ... قد لا يريد تنفيذ اجتياح شامل فعليًا، لكنه إن لم يحصل على اتفاق بشروطه، فقد يُدفع إلى ذلك قسرًا بعدما رفع سقف تصريحاته ولم يترك لنفسه هامش تراجع واسع".
حصيلة الكارثة المستمرة
ويأتي هذا الخلاف في وقت تتواصل فيه المجازر بحق المدنيين في غزة، وسط دمار غير مسبوق، ووضع إنساني كارثي.
فمنذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع، ارتقى أكثر من 61,000 شهيد، فيما أصيب أكثر من 150,000 آخرين، في حين شُرّد سكان القطاع بأكملهم تقريبا، بحسب ما وثقته تقارير فلسطينية ودولية.
وتُقدر الخسائر المادية في البنى التحتية والقطاعات المدنية والصحية بمليارات الدولارات، في ما يُعد أسوأ كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، وفق توصيف منظمات إغاثية دولية.
وختاما، تكشف مجريات هذا الخلاف الإسرائيلي الداخلي أن دماء الفلسطينيين ليست موضع نقاش أو تساؤل في دوائر القرار، بل إن القضية الجوهرية التي تشغل المؤسسة الإسرائيلية – بشقيها السياسي والعسكري – تتعلق فقط بتقدير الكلفة التي قد تدفعها الكيان الصهيوني نفسه، في حرب تصر على خوضها بكل أبعادها التدميرية، ما لم تُجبَر على غير ذلك.