لم تكن مناورات "الاقتدار المستدام 1404" التي استمرت لمدة يومين مجرد عرض عسكري تقليدي، بل شكلت نقطة تحوّل نوعية في طبيعة الرسائل الإيرانية ومضمونها ووجهتها.
فقد جسدت هذه المناورات إصرار طهران على تعزيز قدراتها الصاروخية والبحرية، مما أثار تخوف الكيان الإسرائيلي وأجبر وسائل إعلامه على الاعتراف بارتفاع مستوى التهديد الإيراني.
وبعد إطلاق صواريخ متطورة واستخدام طائرات مسيرة متقدمة، أكدت إيران امتلاكها قدرة ردع تؤثر بشكل ملموس في ميزان القوى بالمنطقة، مشددة على أن أي مغامرة إسرائيلية مستقبلية ستواجه بردع قوي يفوق ما أظهرته خلال عملية "الوعد الصادق 3".
وجرت مناورات "الاقتدار المستدام 1404" في شمال المحيط الهندي وبحر عُمان، بمشاركة وحدات بحرية سطحية وتحت سطحية، منصات صاروخية ساحلية، وطائرات مسيرة انتحارية واستطلاعية، بالإضافة إلى مراكز قيادة متطورة.

حيث أطلقت القوات الإيرانية صواريخ محلية الصنع بدقة عالية، مستخدمة الغواصات في ضربات صامتة والمدمرات في عمليات هجومية محاكاة.
ونجحت الطائرة المسيرة الانتحارية "باور 5" في تدمير هدف محدد بعد قطع مسافة 400 كيلومتر، وهي طائرة هجومية ذكية قادرة على الإقلاع من الوحدات البحرية ومنصات الإطلاق، وتستهدف الأهداف الساحلية والبحرية المتحركة، بالإضافة الى إطلاق الفرقاطة الصاروخية "جناوه" والمدمرة "سبلان" صواريخ كروز من أنواع "نصير"، "قدير"، و"قادر" التي أصابت أهدافها البحرية بدقة عالية.
علماً بأن هذه الصواريخ تصنّف كصواريخ مضادة للسفن متباينة المدى، تتميز بقدرات تخفي عالية ودقة تدمير كبيرة.

ولم تقتصر المناورات على نوعية الأسلحة المستخدمة فقط، بل أظهرت أيضا قدرة إيران على التنسيق المتقدم بين الأفرع البحرية والجوية، باستخدام أنظمة قيادة وتحكم محلية بالكامل، مما يعكس مستوى عال من الكفاءة التشغيلية والتكتيكية.
وفرضت مناورات "الاقتدار المستدام 1404" نفسها بقوة في عمق الساحة الإسرائيلية، خاصة بعد الرد الإيراني القوي خلال عملية "الوعد الصادق 3"، حيث جاءت الرسالة واضحة بأن البحر لم يعد منطقة محايدة، وتل أبيب ليست خارج نطاق الحسابات الإيرانية.

هذا وأشارت تقارير في صحف عبرية مثل "يديعوت أحرونوت" و"هآرتس" إلى أن هذه المناورات تمثل تحولا مقلقا في ميزان الردع البحري، مع متابعة إسرائيلية حثيثة لقدرة إيران على إطلاق صواريخ كروز من البحر وامتلاك غواصات هجومية مزودة بصواريخ دقيقة.
ورغم محاولات التعتيم الإعلامي، وثقت وحدات إسرائيلية خاصة، من بينها الوحدة 8200، المناورات بجدية، حيث أُفيد عن اختبار إيران لصاروخ بالستي جديد تزامن مع التدريبات البحرية.
وفي تغطية خاصة، ذكر موقع "واي نت" العبري أن إيران أجرت أول مناورة عسكرية لها منذ انتهاء الحرب التي استمرت 12 يوما مع الكيان الصهيوني، حيث استخدمت البحرية الإيرانية صواريخ وطائرات مسيرة في عملياتها التي شملت بحر عمان والمحيط الهندي.
ونقل الموقع عن الناطق الرسمي للمناورة، "عباس حسني"، أن التدريبات استمرت يومين وشارك فيها وحدات بحرية وبرية وجوية، إلى جانب منصات إطلاق صواريخ ساحلية وبحرية ووحدات حرب إلكترونية، مع التركيز على استخدام صواريخ جوالة دقيقة ومتنوعة المدى، ما يعكس سنوات من الخبرات التشغيلية المتراكمة.
وأشار التقرير إلى أن المناورات جاءت في ظل تحذيرات متكررة موجهة إلى "إسرائيل" والولايات المتحدة، حيث أكد قائد القوات المسلحة الإيرانية، اللواء سيد عبد الرحيم موسوي، أن إيران حققت إنجازات دفاعية استراتيجية حاسمة خلال المواجهات الأخيرة، مشددا على ضرورة تعزيز القدرات الدفاعية والردعية عبر تحديث الأنظمة العسكرية وتطوير الحرب السيبرانية والإلكترونية.
كما ركزت صحيفة "إسرائيل اليوم" على أن هذه المناورات هي الأولى من نوعها بعد الحرب الأخيرة مع كيان الإحتلال في يونيو الماضي، مشيرة إلى إطلاق صواريخ "نصير" و"قدير" واستخدام طائرات بدون طيار هجومية من طراز "باور 5" وطائرات تدريبية من نوع "ياك-130".

وورد في تصريح لوزير الدفاع الإيراني، العميد طيار عزيز نصير زاده، أن الصواريخ المستخدمة خلال الحرب السابقة تعود إلى سنوات ماضية، بينما تمتلك إيران اليوم صواريخ ذات قدرات متطورة وأعلى، مؤكداً استعدادها لاستخدامها في حال وقوع أي مغامرة إسرائيلية جديدة.
بدورها، أشارت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إلى أن المناورات البحرية الإيرانية، التي حملت اسم "Sustainable Power 1404"، تضمنت إطلاق صواريخ كروز من فرقاطتي "سبلان" و"جناوه"، بالإضافة إلى استخدام الطائرات المسيّرة وأسلوب الحرب الإلكترونية، ما يعكس حجم القلق في الإعلام العبري من تصاعد القدرات العسكرية الإيرانية ورفع سقف الردع في المنطقة، حيث يتردد صدى هذه التدريبات بقوة داخل دوائر الأمن الإسرائيلي.
بالإضافة الى الإعلام العبري، ذكرت صحيفة ذا ناشونال أن " الهدف من المناورة هو إرسال رسائل ردع واضحة وإنهاء حالة التوتر بعد الحرب الماضية، مع إشراك وحدات بحرية وساحلية وجوية، وتشديد على الاستعداد لأي مواجهة مستقبلية".
في الوقت الذي آثرت فيه معظم الدول الغربية الصمت حيال المناورات، فإن مراكز الأبحاث والتحليل العسكري في واشنطن ولندن لم تُخفِ قلقها.
وصدرت تقارير عن "مؤسسة راند" و"معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" رأت أن "إيران باتت تمتلك نظرية بحرية هجومية لا تعتمد فقط على قوارب سريعة وزوارق استشهادية، بل على قدرات تقنية طويلة المدى".
أما في الخليج الفارسي، فقد تابعت الأوساط العسكرية الحدث بكثير من الترقب.
وفي التحليل الأخير، تؤكد مناورات "الاقتدار المستدام 1404" أن إيران ترسّخ وجودها المباشر في الميدان البحري، بأسلحة تصنعها وبإشارات تقرأها العواصم القريبة والبعيدة.
وإذا كان الصاروخ الإيراني قد أصاب هدفه البحري في عرض المحيط، فإن صداه السياسي بلغ أعماق القيادة في تل أبيب، التي تدرك جيدا أن كل تحديث في القدرات الإيرانية البحرية، يعني أن صفحة جديدة تُفتح في دفتر التوازنات الحساسة في المنطقة ككل...
ويبقى السؤال: ماذا تحمل إيران من مفاجآت بعد مناورات "اقتدار مستدام 1404"؟.
والجواب سيكون حتما في الميدان...