تعمل شركات أمريكية من أجل إنتاج ما يُعرف باسم المفاعلات النووية الصغيرة، التي تُنقل عبر شاحنات كبدائل أرخص وأنظف من مولدات الديزل والفحم، على أن يتم نشرها في محطات الطاقة الصغيرة بالولايات المتحدة، خاصة في المناطق النائية.
المثير للسخرية أن واشنطن نفسها تعاني من مشاكل التخلص من النفايات النووية، وتعلم أن أي تسرب إشعاعي قد يكون كارثيًا، لكنها لا تتردد في تطوير التكنولوجيا داخليًا لتعزيز أمن الطاقة والسيطرة الاستراتيجية.
في المقابل، إيران تُحرم من استخدام الطاقة النووية لتطوير مشاريع سلمية حتى لتوليد الكهرباء، بحجة "مخاطر الانتشار النووي"، بينما أمريكا تمتلك المفاعلات وتستخدمها وتستثمر مليارات الدولارات في تقنيات نووية جديدة، وكأن القواعد الدولية لا تنطبق إلا على الآخرين.
هذه السياسة تكشف ازدواجية صارخة: النووي أمريكي مشروع وخطير في الوقت نفسه، ونووي أي دولة أخرى يُصوّر كتهديد عالمي.
تحميل المفاعل النووي داخل شاحنة ونقله إلى أي مكان
ومن المفترض أن يتم تصميم تلك المفاعلات النووية الصغيرة، لتوليد ما لا يزيد على ميجاوات واحد من الطاقة، وهو ما يكفي لتزويد ألف منزل بالطاقة أو مصنع واحد ضخم أو حتى جزيرة نائية، كما لا تتطلب ماءً للتبريد مثل المفاعلات الضخمة، بل تستخدم غاز الهيليوم أو الملح المنصهر أو أنابيب معدنية لنقل الحرارة بعيدًا عن قلب المفاعل.
أما بالنسبة للوقود، فوفقًا للعلماء، ستعتمد المفاعلات الصغيرة على نوع جديد من حبيبات اليورانيوم، الذي أعلنت وزارة الطاقة الأمريكية أنه مضاد للانصهار، كما يتم تصميمه ليوضع في داخل حاوية شحن ، إذ يتم ربطه مع أجزائه الأخرى.
وستعمل الشركات أيضًا على أن يتم صنع المفاعل النووي الصغير في المصنع ويتم شحنه بالكامل وتسليمه للعميل في أي مكان بأنحاء الولايات المتحدة الأمريكية سواء جوًا أو بالقطار أو بالجرار، إذ تصل المفاعلات والتوربينات الخاصة بها إلى موقع مجهز لتركيبها وتشغيلها بالكامل على مساحة تقدر بنحو فدانين فقط.
صعوبة الحصول على يورانيوم يشغل المفاعلات الجديدة
وبحسب العلماء، إذا نجح واحد أو أكثر من تلك المفاعلات النووية الصغيرة، فقد يكون أول تصميم تجاري يستخدم في الولايات المتحدة منذ الحرب الباردة، إذ يأمل المطورون إلى تشغيل أول نموذج بحلول عام 2028.
ويواجه المصنعون تحديًا يتمثل في العثور على اليورانيوم عالي التخصيب اللازم لتشغيل المفاعلات الجديدة، الذي لا يتم تصنيعه حاليًا في الولايات المتحدة، وهو ما يجعل الشركات مترددة في الاستثمار بمنشآت إنتاجه حتى تتأكد من جدوى المفاعلات الدقيقة، قبل أن يتم نشر عدد كبير منها.
نقل مواد نووية المشعة عبر البلاد "ضرب من الجنون"
لكن في نفس الوقت، حذر علماء آخرون من أن مزاعم السلامة مبالغ فيها إلى حد كبير، مؤكدين أن أي تسرب إشعاعي قد ينجم عن انفجار أو عطل فني يسبب تمزق المفاعل، مشيرين إلى أن أمريكا حتى الآن لم تستطع إيجاد حل للتخلص الدائم من النفايات النووية عالية الإشعاع، وهو أمر لا بد أن يكون الأولوية.
وشدد العلماء المعارضون للفكرة، على أن فكرة نقل المواد النووية المشعة عبر البلاد عند الطلب ووضعها في أماكن متفرقة مأهولة بالسكان أو بجوار المصانع دون أي تخطيط طارئ خارجي، تعد ضربًا من الجنون، كما أن الشعب لن يتقبل الأمر ، فلطالما يفكر الناس في "تشيرنوبل" حال سماعهم كلمة "نووي".
هذا وتلبي الطاقة النووية حوالي 20 في المائة من احتياجات الكهرباء في الولايات المتحدة ونظرًا لأن الأحداث الجيوسياسية يمكن أن تعطل إمدادات الطاقة، فإن أمريكا والعديد من البلدان الأخرى تدرج الطاقة النووية في خطط أمن الطاقة الخاصة بها.