منع المساعدات والسماح بالتجارة الباهظة
وبحسب تقرير نشرته الجزيرة، فإن هذا التكتيك يهدف إلى تضليل الرأي العام العالمي وإظهار صورة زائفة توحي بعدم وجود مجاعة في القطاع المحاصر، في حين أن الواقع مختلف تماماً، إذ لا يستطيع سكان غزة دفع ما يصل إلى 75 دولاراً لقاء كيس واحد من الطحين.
حملات إعلامية ومقاطع فيديو مضللة
وأضاف التقرير أن كيان الاحتلال أطلق الشهر الماضي حملة دعائية واسعة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، رافقها نشر مقاطع فيديو تُظهر أسواقاً مليئة بالفواكه والخضروات ومطاعم تقدم وجبات متنوعة، مرفقة بادعاءات تنفي حدوث المجاعة في غزة. غير أن الحقيقة على الأرض تكشف أن تلك الأسواق والمطاعم لا يستطيع غالبية السكان الشراء منها، إما بسبب الأسعار الفلكية أو بسبب أزمة السيولة النقدية، إذ يضطر المواطنون إلى دفع عمولة تصل إلى 50% لسحب أموالهم من الحسابات البنكية، فيما ترفض المتاجر التعامل مع كثير من الأوراق النقدية التالفة والمتداولة.
أسعار فلكية وواقع مرير
ويشير التقرير إلى أن عدداً محدوداً من الأشخاص يستطيع شراء فنجان قهوة بسعر 9 دولارات أو بيتزا صغيرة بـ18 دولاراً، بينما يكتفي غالبية سكان القطاع بالمشاهدة في صمت. حتى عند توفر بعض المواد الأساسية كالطحين والبيض والزيت، تبقى الأسعار مرتفعة بشكل يثير السخرية: كيلو الطحين بـ45 دولاراً، والبيضة الواحدة بـ5 دولارات، وكيلو السكر يصل إلى 70 دولاراً، وهو ما يتجاوز الدخل الأسبوعي لعدد من العائلات قبل الحرب.
مفارقة الجوع في غزة
ويصف الصحفي الفلسطيني أحمد أبو شاويش هذا المشهد بـ"مفارقة الجوع في غزة"، حيث يتوفر الطعام في بعض المناطق لكنه عملياً خارج متناول السكان. ويضيف أن كيان الاحتلال يتعمد السماح بدخول الشاحنات التجارية لفترات قصيرة لإظهار مشهد مصطنع عن وفرة الغذاء، بينما يواصل منع المساعدات الإنسانية التي يحتاجها معظم السكان للبقاء على قيد الحياة.
الطعام يتحوّل إلى سلعة فاخرة
ويخلص التقرير إلى أن الطعام تحول في غزة إلى سلعة فاخرة، وأن كيان الاحتلال يستخدم التجويع كسلاح خفي إلى جانب القصف، في محاولة لكسر صمود الفلسطينيين وإخضاعهم. ورغم كل ذلك، لم يتجاوز رد فعل المجتمع الدولي حدود بيانات التنديد، فيما يواصل البعض ترديد رواية الاحتلال بدلاً من مواجهة الحقيقة القاسية التي يعيشها أكثر من مليوني إنسان في القطاع المحاصر.
هندسة ممنهجة للجوع
هذه ليست مجرد أزمة إنسانية، بل سياسة متعمدة. كيان الاحتلال يسمح بدخول السلع التجارية لفترات قصيرة لتغذية دعايته ثم يغلق المعابر في وجه قوافل الإغاثة. الهدف واضح: تحطيم إرادة السكان عبر تركهم بين مطرقة الجوع وسندان الأسعار المستحيلة، مع تقديم صورة زائفة للعالم بأن "غزة ليست على شفا مجاعة".
ما يجري اليوم في غزة ليس نقصاً طبيعياً في الإمدادات، بل هندسة ممنهجة للجوع. إنها أداة حرب صامتة، أقل ضجيجاً من القصف، لكنها لا تقل فتكاً وإيلاماً. ومع ذلك، يكتفي المجتمع الدولي ببيانات تنديد باردة، بينما يشارك كثيرون –عن قصد أو عن سذاجة– في ترديد رواية كيان الاحتلال.
غزة اليوم لا تعاني "مجاعة طبيعية"، بل تجويعاً متعمداً مصمماً لإخضاع شعبها وكسر إرادته. الصورة الحقيقية ليست أسواقاً عامرة، بل ملايين العيون الجائعة التي ترى الطعام ولا تقدر على لمسه، وترى العالم ولا تجد من يدافع عن حقها في البقاء.