وفيما يلي النص الكامل للحوار الذي أجرته قناة العالم مع نجل الشهيد نصر الله في برنامج" ضيف وحوار":
عام على رحيل السيد الشهيد حسن نصر الله
فيما يتعلق بانقضاء عام على غياب ورحيل السيد الشهيد حسن نصر الله والذي ترافق مع خسارات كبيرة للمقاومة، مع ضربات كبيرة للمقاومة وبيئة المقاومة وقراءته بعد هذا الغياب وما يقوله للناس:
أشار السيد محمد مهدي حسن نصر الله إلى أن فقدان سماحة السيد ألمٌ كبير جداً ووجعٌ لقلوبنا وقلوب الناس كلهم. سماحة السيد كان بلسم جراحنا، بلسم جراحات الناس وجراحات المجروحين وقلوب عوائل الشهداء وأقبال الأيتام، خصوصاً أبناء الشهداء، تماماً. فبفقده، فقدوا أباهم الثاني، وهذا تسبب بألمٍ كبير في قلوب الجميع.
استمرار المقاومة على النهج
العالم: اليوم، بتقديرك، هل المقاومة ستستمر بنفس القوة بفضل الركائز التي أسسها لهذه المقاومة؟
السيد محمد مهدي نصر الله: إن شاء الله، هذه المقاومة مستمرة وهي على نهج السيد، كما كانت على نهج السيد عباس. وهذا النهج هو أصلاً نهج أهل البيت عليهم السلام. سماحة السيد و السيد عباس الموسوي و السيد هاشم صفي الدين، كل هذا الحزب مبني على مبادئ وقيم عاشوراء والإمام الحسين عليه السلام، وعلى المبادئ القرآنية ومبادئ أهل البيت عليهم السلام. لذلك هذه المسيرة ستستمر، و السيد أسس هذه المسيرة لكي لا تكون مبنية ومعتمدة على فردٍ واحد.

اليقين بالاستشهاد
العالم: إذن أنت مطمئن على مسيرة المقاومة؟ وقبل أن نسأل متى كان اللقاء الأخير، سأسأل عن لحظة الاستشهاد: راودنا جميعاً الشك في أن سماحة السيد قد نجا من هذا الاستهداف، ولم نشك للحظة بأنه فعلاً قد ارتقى شهيداً. ربما هي الأمنية، هي العاطفة، مشاعر عديدة. هل راودك الشك في ذلك؟ هل شعرت بأنه لم يحن الأوان لغيابه وبالتالي هو قد نجا؟
السيد محمد مهدي نصر الله: لا، فعلاً صدقنا من الوقت الأول، يعني من أول صدور البيان. عندما سمعناه على التلفاز، كنا في شكٍ في البداية، يعني في اليوم السابق عندما حصلت الضربة - عملية الاغتيال - لم نعلم إن كان قد استُشهد أم لا، إلى حين صدور البيان في اليوم التالي. وعندها كنا أكيدين أن سماحة السيد قد استُشهد، لأن حزب الله لن ينعى سماحة السيد إلا إذا كان فعلاً قد استُشهد. ثم أننا في وقتٍ قصير ذهبنا ورأينا جثمانه، لذلك لم يكن للشك مكان.
رؤية الجثمان
العالم: جميعكم، جميع أبنائه، رأيتم الجثمان؟
السيد محمد مهدي نصر الله: نعم، نحن أبناء سماحة السيد ذهبنا ورأينا جثمانه، وكان ذلك اليقين القاطع لكل شك.
شاهد أيضا.. في ذكرى رحيل نصرالله.. الإنسانية خسرت شخصية لا تتكرر
اللقاء الأخير
العالم: متى رأيت السيد الشهيد رضوان الله عليه؟ آخر لقاء؟
السيد محمد مهدي نصر الله: آخر لقاء كان معه قبل ستة أشهرٍ من شهادته، في شهر رمضان، كان إفطاراً عائلياً.
العالم: كان معك والأولاد والعائلة؟
السيد محمد مهدي نصر الله: كان يوجد بعض أفراد العائلة، ونحن عادة نجتمع في شهر رمضان على الإفطار معه في كل سنة.
رمضان المبارك.. آخر لقاء
العالم: هل شعرتم للحظة بأنه سيكون الإفطار الأخير أو اللقاء الأخير معه؟
السيد محمد مهدي نصر الله: لا، صراحة لم يكن في الحسبان أن تكون تلك الزيارة له وذلك الإفطار هو الأخير معه، خصوصاً أنه في كل سنة نكون معه على مائدة الإفطار لمرة أو أكثر في ذلك الشهر. يعني شهر رمضان كنا ننتظره، ليس فقط لأنه شهر الله عز وجل وشهر ضيافة الله - هذا بالدرجة الأولى والشيء الأساسي - بل من الناحية الثانوية كان نوراً على نور: زيارتنا له ورؤيتنا لوجهه.
آخر مكالمة هاتفية مع السيد الشهيد
العالم : إذن، لم يساوركم هذا الشعور بأنه سيكون اللقاء الأخير متى تحدثتم معه هاتفياً لآخر مرة؟
السيد محمد مهدي نصر الله: تحدثت معه هاتفياً لآخر مرة قبل شهادته بقرابة ثلاثة أسابيع. والملفت في تلك المكالمة - أو ما قبلها في إحدى آخر مكالمتين - أنني سألته عن النفس المطمئنة. كان سؤالي له: هل يمكن فعلياً وعملياً الوصول إلى درجة النفس المطمئنة؟ يعني نظرياً الأمر موجود، لكن عملياً هل يوجد فعلاً؟ إنها صعبة. فأجابني بجواب من وصل إلى تلك المرحلة، وجواب العارف بتفاصيل تلك المرحلة.
النفس المطمئنة.. شهادة العارف
العالم: ماذا أجاب تفصيلاً؟
السيد محمد مهدي نصر الله: قال لي بعض التفاصيل، قال: "نعم، يمكن الوصول إلى تلك المرحلة، لكن يجب تحصين النفس"، وخاض في التفاصيل.
العالم: إذن شعرتم في حينها بأنه فعلاً وصل إلى هذه المرتبة من النفس المطمئنة؟
السيد محمد مهدي نصر الله: نعم، من طريقة كلامه، ومن جوابه السريع عندما سألته، ومن دخوله في التفاصيل، شعرت أنه كان قد وصل إلى تلك المرحلة فعلاً.

شاهد أيضا.. لاريجاني يصل الی بيروت للمشاركة في ذكرى استشهاد السيد نصرالله
ذكريات الطفولة والحنان الأبوي
العالم: إذا سألنا عن أكثر اللحظات أو أكثر الذكريات حميمية التي تتذكرونها مع السيد الشهيد - رضوان الله عليه - كطفل أو كفتى يافع، متى كانت المناسبة الأكثر إلحاحاً على ذاكرتكم؟
السيد محمد مهدي نصر الله: قد أذكر مثلاً عندما كنت طفلاً، وبعدما كبرت أيضاً - يعني نفس التفصيل، نفس الموقف - عندما كنت أقترب إليه وأحضنه، أو عندما أتكلم معه سواء عبر الهاتف أو عندما أراه وأقول له: "بابا، أحبك"، فيرد علي بالمقابل: "أنا كمان أحبك"، أو يقول لي: "حبيبي، أنا كمان أحبك" بهذا النمط، بهذه العاطفة وهذا الحب. وعندما كان يلعب بشعري ويسرّح لي شعري عندما أقترب منه - خصوصاً عندما كنت طفلاً - يعني كنت أجلس بجواره أو أمامه أتحدث معه، فهو يسرّح لي شعري ويمسحه على رأسي.
عاطفة لا يخفيها الموقع والمسؤولية
العالم: إذن كان شخصاً يعبّر عن العاطفة، وما كان يخبئ هذه العاطفة أو يتحفظ على إظهارها بسبب موقعه أو مسؤولياته؟
السيد محمد مهدي نصر الله: لا، أبداً. هو كان عاطفياً جداً، وكانت العاطفة تُرى على وجهه دون أن يتكلم أو يقول عنها، في بعض اللحظات السعيدة وفي بعض اللحظات الحزينة، وأيضاً في التعبير عن محبته وعن عطفه.
العاطفة مع العائلة والمجاهدين
العالم: هل كان هذا سلوكه أيضاً فيما يتعلق بكل من يحيط به: الشباب، المقاومة، العوائل؟ كان يعبّر أيضاً عن هذه العاطفة بطريقة ما؟
السيد محمد مهدي نصر الله: نعم، في الجلسات الخاصة وحتى في اللقاءات العامة وعلى المنبر في الخطب، كان يعبّر عن هذه المحبة وعن هذه المشاعر الصادقة تجاه أهالي الشهداء مثلاً، أو تجاه الجرحى. عندما يأتي طفل إليه ويقبّله، هو يبادر بتقبيله. وفي الجلسات الخاصة أيضاً يركز على هذه التفاصيل، فعندما يتكلم عن عوائل الجرحى أو عن عوائل الشهداء، يظهر على وجهه التأثر والعاطفة.

المساواة في الفقد وعلاقة خاصة مع الإمام الخامنئي(دام ظله)
العالم: إذن تشعرون أنكم اليوم في حالة مساواة في الفقد على وجه التحديد - مع كل مناصريه ومع كل محبيه ومع كل هذه البيئة - ولكن إضافة إلى ذلك، أو على وجه التحديد، عوائل الشهداء والجرحى الذين كانوا يرون فيه أباً وأخاً بشكل أو بآخر؟ كيف كانت علاقته بسماحة السيد القائد سماحة السيد علي الخامنئي دام ظله؟
السيد محمد مهدي نصر الله: كانت علاقة سماحة السيد - رضوان الله تعالى عليه - بسماحة الإمام الخامنئي دام ظله أكثر مما نتوقع أو أكثر مما يمكن أن نصفه. يعني عندما يقول هو - وهو يعرف قيمته ومكانته في المجتمع وفي المقاومة - عندما يقول: أنا جاهز أن أقدم بقية حياتي، كل حياتي فداءً لهذا الرجل"، فهو يعرف ماذا يقول. الكلام ليس مجرد عاطفة، هو أكبر من عاطفة. والعلاقة بينهما كانت محبة إلى أقصى الدرجات.
وأضاف : عندما كانا يلتقيان، كان يقول البعض ممن يراهما أن وجههما مبتسم ومشرق، وحتى يقول البعض أن فرحة الإمام الخامنئي (دام ظله) كانت قبل وصول سماحة السيد وعند وصوله والجلوس معه وبعد ذهابه من عنده. يعني هو يعلم أن سماحة السيد قادم من قبل وصوله، وعند الجلوس معه والتحدث معه، وبعد ذهابه يكون في حالة من الفرح والسرور. وسماحة السيد تربّى على حب الإمام الخامنئي.(دام ظله).
وصية غير مباشرة بالاقتداء والالتزام بنهج الإمام الخميني(قدس سره)
العالم: بماذا كان يوصيكم في هذا الشأن؟
السيد محمد مهدي نصر الله: من دون أن يوصينا أصلاً أو يتكلم معنا، عندما كنا نراه مثلاً - عندما يكون هناك خطاب للإمام الخامنئي - كيف يحضّر نفسه ويجلس ويستمع له، يكون كله آذاناً صاغية وعيونه - كما نقول - مثل اللؤلؤ وهي تنظر إلى وجه الإمام الخامنئي(دام ظله) يحب أن يسمع صوته، يعني يفتش على القنوات التي لا تتضمن ترجمة وهو يسمعه مباشرة ويفهم منه مباشرة.
وتابع: وهذا بالنسبة إلى الجانب الشخصي، أما من ناحية العمل والكلام - أي كلامه وعمله - فهو مطابق لما يقول سماحة الإمام الخميني(قدس سره)يعني أنه يسير على نهجه، وكان يؤمن بهذا النهج، بل أكثر من ذلك. يقول: "نحن نتعامل مع سماحة القائد بصفته ولي فقيه، فلا نفعل فقط ما يأمرنا به أو نترك ما ينهانا عنه، بل نرى ما يحبه فنفعله، والأمر الذي يكرهه أو يبغضه نتركه". هذا نوع من التعامل الأعمق مع الولاية.
بين الاتهامات والولاء العقائدي وتضحيات السيد من أجل لبنان
العالم: كان في عمق هذه العلاقة، لكن بعض الناس لم يكونوا يميزون عمق هذه العلاقة وارتباطها العقائدي في مسيرة هذا الخط والنهج، وبين الاتهامات التي كانت توجه لسماحة السيد حسن نصر الله بأنه يهتم بالنهج الإيراني والخط الإيراني، وبالتالي يريد أن يطبق ذلك على لبنان، أنت كابن لسماحة السيد حسن نصر الله، وقد عشت معه فترة طويلة - السيدة زينب أختك محظوظة أيضاً بهذه المسألة كونها عاشت معه فترة أطول - كنجل لسماحة السيد حسن نصر الله، كيف كنت تقرأ نظرة سماحة السيد الشهيد - رضوان الله عليه - إلى لبنان ومستقبل لبنان؟
السيد محمد مهدي نصر الله: سماحة السيد ضحى بنجله الشهيد، الشاب السيد هادي، من أجل لبنان، وأعطى كل وقته للبنان. عندما يكون في هذه الحالة وهذه الظروف، يتحمل كل هذه المسؤوليات وكل هذه الهموم، فهو في سبيل ماذا؟ من أجل مَن؟ من أجل لبنان، من أجل الوطن والأرض. وفي النهاية، بعدما ضحى بنجله وبوقته وبذل كل جهده في سبيل الوطن، جاد بروحه ونفسه من أجل الوطن.
لحظات الحزن العميق
العالم: متى كانت اللحظة التي رأيت فيها سماحة السيد مهموماً حزيناً، بحيث حزّ ذلك في نفسك وشعرت بأنها مفصلية أو أثرت بك بشكل كبير؟ لحظة لم تره بهذه الحالة من قبل؟
السيد محمد مهدي نصر الله: في بعض الأوقات التي كنت أرى فيها سماحة السيد يشاهد التلفاز ويُعرض أناشيد أو لطميات، خصوصاً عن الشهداء، وتكون مرفقة بصور ومقاطع فيديو للشهداء، تلك اللحظات كنت أراه فيها فعلاً مهموماً حزيناً باكياً على هؤلاء الشهداء. وعندما يسمع عوائل الشهداء وهم يتحدثون على التلفاز، يعبرون عن تضحياتهم واستعدادهم للتضحية بشكل أكبر، ويقولون له إن هذه التضحيات فداء له وأنهم مستعدون للتضحية أكثر من أجله.

ذكرياتي مع أبي.. ومواقف الفرح
العالم: تقف الكلمات أحياناً كثيرة. نشكرك لأنك شاركتنا في هذا الكتاب "ذكرياتي مع أبي"، الذي حمل الكثير من المفاصل، ولا سيما المفاصل الفقهية والتربوية التي كنت تسأل فيها سماحة السيد، والكثير من الذكريات. قبل أن أدخل فيها، سأسأل بالمقابل: متى كانت اللحظة التي شعرت فيها بأن سماحة السيد سعيدا والفرح يطفو على وجهه، ربما في لحظات عائلية أو غير عائلية؟
السيد محمد مهدي نصر الله: في كثير من الأحيان كان سعيداً. كنا نرى البسمة والضحكة على وجهه. قد أذكر مثلاً عندما نكون مجتمعين ونتحدث ونسأله بعض الأمور، والأحفاد يلعبون، يكون سعيداً. عندما يسمع مثلاً سماحة الإمام القائد الخامنئي(دام ظله) أو يراه، يكون في قمة السعادة. عندما يسمع مثلاً نجاح عملية في المقاومة، كان يسعد لهذه الأخبار المفرحة، وهذه الكلمات والجلسات والأخبار.
جريمة البيجر ووقعها على السيد
العالم: لو سألنا عن خصوصية ربما لم تكن معه فيها، ولكن ربما سمعت بعض الأخبار من السيدة الوالدة: عندما حصلت جريمة البيجر - تفجيرات البيجر - لعلها كانت صدمة للجميع، فكيف بقائد هذه المسيرة؟ كيف كان وقع هذه الجريمة على سماحة السيد؟
السيد محمد مهدي نصر الله: نحن لم نره في تلك اللحظات، لكن تنقل لنا والدتي - أطال الله في عمرها - وتقول إنه تأثر كثيراً، وكان يبكي على هؤلاء الجرحى. هو يرى جميع الشباب كأنهم مثل ابنه هادي، يرى أنهم فلذة كبده وقطعة من قلبه، فهو يتأثر لسماع خبر استشهاد شاب أو جرح جريح، فكيف بمجزرة كبيرة ارتقى فيها شهداء وجُرح فيها الكثير من الشباب؟ حتماً كان وقعها قاسياً وصعباً عليه، وبكى من أجلهم.
مواجهة الجرحى وإحساس بالخجل
العالم: عندما تلتقي بهؤلاء الجرحى اليوم ويعبّرون - رغم جراحاتهم - عن عمق محبتهم لسماحة السيد الشهيد رضوان الله عليه، وعندما يعبّرون عن أنهم مستمرون في هذه المسيرة أينما كانت الجراحات، ماذا تشعر؟
السيد محمد مهدي نصر الله: عندما أراهم فعلاً أخجل من نفسي. أرى أنهم ضحّوا بعيونهم وأطرافهم وأصابعهم، ورغم ذلك يقولون: "نحن لم نضحِي بشيء، نحن لم نفعل شيئاً، ونحن نتمنى لو كنا فداءً عن السيد". لذلك فعلاً أخجل من نفسي أنني على الصعيد الشخصي لم أقدم شيئاً.

قصة الفطور أثناء حرب تموز 2006
العالم: سأدخل في بعض تفاصيل هذا الكتاب الذي ربما لا تستطيع أن تتوقف عن قراءته عندما تبدأ. لفتتني بعض الذكريات التي تحدثت عنها في طفولتك، مثلاً في أعقاب حرب تموز 2006 عندما كنت طفلاً صغيراً وكانت الوالدة نائمة وكنت تريد أن تذهب إلى المدرسة. حدثنا عن هذه اللحظات التي تعبر عن السيد حسن نصر الله الوالد.
السيد محمد مهدي نصر الله: فعلاً، هذه القصة من أكثر القصص المميزة التي لها وقعها الخاص في قلبي. عادةً كنت قبل الذهاب إلى المدرسة أستيقظ في وقت مبكر بسبب الإجراءات الأمنية للخروج من المنزل، لذلك كنت أستيقظ مبكراً فكانت والدتي تُعد لي الفطور وتُجهزني للذهاب إلى المدرسة. في بعض الأوقات كنت أستيقظ مبكراً بشكل أكبر فتكون والدتي - بفعل التعب - لا تزال نائمة لم تستيقظ، فكنت أقترب لكي أوقظها لكي تُعد لي الفطور، فكان هو يشير لي بيده: "دعها، لا تتكلم، اتركها، اخرج معي". يقول لي: "ماذا تريد؟" أقول له: "أريد أن آكل طعام الفطور". فيقول لي: "أنا سأعده لك، لا توقظها".
وتابع: ثم نذهب أنا وهو إلى المطبخ ويقوم بإعداد كأس من اللبن وتمر يُخرج منه النوى ويضعه ويغمسه في اللبن، ويجلس بجانبي إلى حين أن أتم طعامي فيسألني: "هل شبعت؟" إن قلت له: "نعم، اكتفيت، الحمد لله"، وإن قلت له: "لا، لم أشبع"، سكب لي المزيد.
الجد الحنون وعلاقته بالأطفال وولادة رقية واهتمامه بها
العالم : أيضاً في جانب آخر من هذا الكتاب تحدثت عن الجد الحنون. كيف كانت علاقة سماحة السيد بأولادك وأولاد إخوتك - بأحفاده؟ هل كان يهتم بتفاصيلهم؟ كيف كانت هذه العلاقة؟
السيد محمد مهدي نصر الله: كان جداً حنوناً جداً. يعني مع أبناء إخوتي كانوا يتحدثون معه ويشكون له همومهم في المدرسة وفي الأمور الأخرى. كان يستمع لهذه الأمور الصغيرة والتفاصيل الصغيرة، كان يستمع لها بكل أذن صاغية وينتظر حتى يكملوا حديثهم حتى يعطيهم الحلول أو يرفع عنهم همومهم ويؤنسهم. كان يستمع للصغير والكبير فكانوا يجلسون بجانبه، يعني يتناوبون على الجلوس بجانبه، وهو كان يسعد بذلك ويحضنهم ويقبلهم ويقبلونه. كان جداً حنوناً جداً.
وأضاف : بالنسبة إلى بناتي فاطمة ونرجس، لم يكنّ يرينه كثيراً بسبب الأوضاع الأمنية، ففي الفترة الأخيرة كانت والدتي تجلب لهن الهدايا لكي يُهديهن إياها حتى - لأنهن لا يرينه كثيراً ومعتدن على أن يرينه على الشاشة مع العمامة وبتلك الهيبة وكذا - فعندما يرينه في المنزل بدون العمامة وبثيابه العادية يستغربن بعض الشيء فلا ينكسر هذا الحاجز بسهولة. فكان يُطعمهن، كان يُعطيهن الهدايا التي تجلبها والدتي لهن، هو يبادر. نعم، هو يفعل ذلك فيكسر هذا الحاجز فيقتربن منه أكثر وأكثر. كن يعبثن بلحيته وفي بعض الأوقات يشددنها، فأنا أقول لهن: "فاطمة، اتركيه"، هو يقول: "لا، لا مشكلة، اتركها".
وتابع: وعندما وُلدت بنتي رقية كان ذلك قبل شهر ونصف من شهادته، فلم تره ولم يرها. هو طلب صورتها وأرسلنا له صورة. في البداية عندما وُلدت رآها لكن كانت مُغمضة العينين في الصورة، فطلب صورة أخرى تكون فيها العينان واضحتين. كان يهتم بهذه التفاصيل. نعم، فطلب صورتها للمرة الأولى ثم طلبها للمرة الثانية فرآها في الصور، ثم رأته هي على النعش رحمه الله.

خاتمة: الحزن والبقاء حياً في القلوب
العالم: لعل هذه الموسيقى تعبر عما يختلج في قلوبنا من حزن وألم لفراقه، ولكنه سيبقى حياً في قلب كل مناصريه، في قلب كل محبيه على امتداد هذه الكرة الأرضية، لأن محبي سماحة السيد حسن نصر الله ليسوا فقط من بيئة المقاومة وإنما كل أحرار العالم. شكراً جزيلاً لك، سماحة السيد محمد مهدي. إن كنت ترغب في كلمة أو رسالة ترسلها عبر حلقتنا هذه؟
السيد محمد مهدي نصر الله: رسالة من الناس إلى السيد: كوني أحد الناس نقول له: نحن سنمضي على دربك وسنسير على نهجك، لن نترك هذه الراية، لن نترك السلاح، ولن نترك هذا الميدان. الجهاد على جميع أنواعه وأشكاله سنكون حاضرين فيه، وإننا على العهد.
التفاصيل في الفيديو المرفق ...