المدينة الواقعة في ولاية شمال دارفور، غربي السودان، شهدت حصارا دام 18 شهرًا قبل أن تسيطر عليها القوات المسلحة في 26 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ما أدى إلى مقتل آلاف المدنيين ونزوح مئات الآلاف من السكان والنازحين من المخيمات المحيطة.
الحصار الذي سبق الهجوم كان محكمًا، وقد واجهت قوات الدعم السريع صعوبة في اقتحام المدينة بسبب تحصن الجيش السوداني داخل مقر الفرقة السادسة بمساندة عناصر الحركات المسلحة السابقة، لكن الهجوم انتهى بسيطرة القوات على المدينة بعد اقتحام عشوائي للمنازل وإطلاق النار على المدنيين.
الناجون تحدثوا عن مشاهد صادمة: جثث ملقاة في الشوارع، أطفال قتلوا أمام أعين ذويهم، ونساء ورجال أُطلق عليهم الرصاص دون رحمة.
مروة سليمان، أم لستة أطفال، تروي كيف فقدت ابنها البالغ 28 عامًا أثناء محاولتها النجاة مع أطفالها، مختبئين في أحد الأنفاق. تقول: "سمعت صوت ابني يتوسل ويصرخ ثم سقط أرضًا، ولم أستطع إنقاذه".
هارون حامد، نازح من المدينة، فقد شقيقه وزوجته الذين رفضوا مغادرة المنزل، حيث اقتحم الجنود منزلهما وأطلقوا عليهما النار، ونجا هو بأعجوبة.
زينب إبراهيم وصفت نقطة تفتيش حولها الجنود إلى "حاجز الموت"، حيث فصلوا النساء عن الرجال، وتعرضت النساء للتحرش، فيما أُطلق الرصاص على الرجال وترك عشرات الجثث في العراء.
عائشة يعقوب روت هجومًا بقذائف مدفع رشاش أثناء محاولتها الفرار، ما أدى إلى سقوط مئات النازحين أمام أعين رفاقهم وهم يغرقون في الدماء.
شبكة أطباء السودان أكدت أن قوات الدعم السريع قامت بتصفية مئات المدنيين خلال ثلاثة أيام، بما في ذلك المرضى داخل المستشفيات، بينما اختطف بعض الأطباء وطلبت فدية لإطلاق سراحهم.
اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان قالت إن أكثر من ألفي مدني لقوا حتفهم خلال الساعات الأولى لاقتحام المدينة، بينما ما يزال نحو 177 ألف مدني محاصرين، ونزح حوالي 28 ألف شخص خلال 48 ساعة فقط، كثير منهم بلا مأوى أو طعام.
الناجون الذين وصلوا إلى مناطق مجاورة يعانون من الجوع والعطش وغياب العلاج، والأطفال بلا مأوى، بينما توثق المنظمات الإنسانية انهيار الخدمات الصحية ونقص الإمدادات الطبية والغذائية.
امتثال محمود، التي نجت من موجات العنف السابقة، تحدثت عن العثور على جثة قريبتها في مقطع فيديو نشره المسلحون، يسخرون فيه من الموتى، مشيرة إلى أن هذا يمثل نوعًا من التعذيب النفسي بعد القتل الفعلي.
محمد، نازح آخر من مخيم زمزم، وصف حالات اختطاف الشباب ونهب الأمتعة وضرب النازحين، ووجود حالات نوم في العراء بلا خيام أو أغطية، وسط شظايا قذائف وضرب بالعصي.
منظمات الإغاثة الدولية حذرت من تفاقم الكارثة الإنسانية مع استمرار العنف والحصار، ومع خطر انتشار الأمراض ونقص التغذية الحاد، خاصة بين النساء الحوامل والأطفال وكبار السن.
ناشطون وحقوقيون دعوا لتحرك دولي عاجل لفتح ممرات إنسانية وتأمين المساعدات وحماية المدنيين.
في ختام شهاداتهم، يتكرر نداء الناجين: "نريد أن تنتهي الحرب ونعود إلى بيوتنا"، بينما تستمر الفاشر شاهدة على فصل جديد من مأساة دارفور التي بدأت منذ أكثر من عقدين، مع بقاء آثار نفسية واجتماعية ستستمر لأجيال، حيث لم يعد للبقاء معنى سوى دفن الموتى بكرامة.