منذ القِدَم كانت تونس ملتقى حضارات عديدة أثّرت في نمط الحياة وشكل العمران، وكانت الحضارة الإسلامية أبرزها. وقد شكّل تنظيم المدن أهم معالم هذا التأثير في مدينة تونس كما في القيروان وغيرها من المدن التونسية العتيقة. ويتوسط المسجدُ المدينةَ، وتحيط به البيوت والأسواق التقليدية بتنظيمٍ محكم.
ويقول المؤرخ والباحث التونسي عبد الستار عمامو: "الجامع يحتل وسط المدينة، وحول الجامع تكون الأسواق المحيطة به، واحترامًا لقدسية المكان؛ لأنه مكان عبادة ومكان علم، فإن هذه الأسواق لا يكون فيها ضجيج، ولا روائح كريهة، ولا مناظر مستهجنة".
جامع الزيتونة المُعمَر، بأبوابه التسعة وقبابه وأروقته وهندسته المعمارية الإسلامية الفريدة، رُفع سقفه على 184 عمودًا، فكان أبرز معالم تأثير الفن الإسلامي في تونس.
ويضيف عمامو: "المساجد مبنية على طريقة مسجد المدينة، الذي هو في الأصل قائم على جذوع النخل الكثيرة التي يُحمَل عليها السقف. فلما استُخدم البناء الصلب، بُنِي على الطريقة نفسها؛ أي أعمدة من الرخام عليها عُقود كأنها جذع النخلة، ثم أغصان النخلة أو جريدها، وفوق ذلك يكون السقف".
ولم تكن أسوار المدن الكبرى كتونس والمنستير وسوسة وصفاقس بعيدة عن تأثير الثقافة الإسلامية في هندسة البناء، ويُطلق عليها في تونس "الرباط". وهي معالم استُلهم منها الكثير من روح الفن والفكر الإسلامي، إذ كانت إلى جانب دورها الدفاعي مكانًا للعبادة والتعلّم.
ويوضح عمامو: "الأربطة تختلف في الشكل بين السواحل التونسية والسواحل المصرية التي كان فيها أربطة محارس، فطريقة البناء تختلف وطريقة الاستعمال تختلف. مثلاً في تونس الأربطة متَّسعة لأنها كانت – إضافة إلى كونها أماكن للحراسة – أماكن للعبادة".
وبقي تأثير الفن الإسلامي في تونس متواصلًا حتى يومنا هذا، تتجلّى من خلاله الرؤية الإسلامية القائمة على التوازن والجمال.
فالفن الإسلامي في تونس ليس مجرد زخارف فنية ولا معالم تاريخية ومساجد عريقة فحسب؛ بل هو انعكاس حيّ لتاريخ طويل من التأثيرات الثقافية والفنية التي اندمجت بعمق وتفرّد مع الهوية الإسلامية.