ايباك وانطلاق الهجوم السوري المعاكس

ايباك وانطلاق الهجوم السوري المعاكس
الثلاثاء ١٣ ديسمبر ٢٠١١ - ٠٥:٢٢ بتوقيت غرينتش

من مهارات السياسة هي أن يتم تحويل الأزمات الى طاقة تجديد واحياء.. وأن يتم تحويل كل سلاح عليك الى سلاح معك وبيدك.. السياسة السورية تثير الأعصاب أحيانابغموضها والتزامها الصمت لكن هذا الصمت الذي استعمل ضدها كان سلاحا بيدها أيضا.. واستطيع بكل ثقة أن اقول أن كل الأسلحةوالأوراق التي استخدمها محور العرب والناتو قد تم تعديل مساره ليتجه بالاتجاه المعاكس.. المسألة مسألة وقت فقط وقدرة على الصبر..

في دراسة الأزمة كان السياسي السوري ينظر الى الأزمة على أن فيها مركبا خارجيا مهما جدا وأن المعارضة هي مجرد روبوتات مبرمجة.. المركب الخارجي كان مكونا من ثلاثة مكونات:
1 - المكون الغربي (وضمنه الاسرائيلي الخفي) وهو المحرك الأهم والبلدوزر وخزان الأزمات والأفكار والقرارات الكبرى.
2 - المكون العربي الخليجي وهذا المكون قد تصدت قطر لتزعمه بالرغم من أن الدينمو الرئيسي هو السعودية التي نأت بنفسها عن الظهور في الصف الأول الذي قرر أن يلاقي النظام السوري في المعركة.. واختيار السعوديين للجلوس في الصف الثاني وترك الصف الأول لقطر ناجم عن أمرين الأول هو عدم يقينهم من نجاح المشروع وبالتالي ترك المجال مفتوحا أمام المصالحة مع النظام في المستقبل .. والثاني ادراكهم لنقطة ضعف المملكة في وجود أقليات لديها قد تنطلق ثورتها بسبب القمع والضغط لتحاكي الثورات المحيطة بفعل عامل تحريك خارجي ردا على السعودية ان قادت عملية التغيير في سورية..
3 - المكون الثالث: تركيا وهي أهم لاعب لأنها ستكون المحرك المعنوي والحاضن الفكري والعسكري للاسلاميين الجدد ..

الدولة السورية قامت بالتركيز في بدايات الأزمة على قاعدة عدم استفزاز الخصوم في المرحلة الاولى التي لم تتبين فيها التحالفات وتفاصيل المؤامرة والمعلومات الكاملة عن تكتيكاتها والعمل على امتصاص الصدمات .. والأهم العمل على عدم انجراف الشارع السوري وراء أوهام الحرية والديمقراطية الطالبانية والخدع السينمائية واستفزاز المشاهد المؤثرة التي لايعرف مصدرها .. لأن المؤامرة كانت تعتمد جدا على الأشهر الثلاثة الأولى لانجاز تغيير حاد في المزاج العام وانفراط في اجماع المجتمع على الثوابت الرئيسية وهي السلام الاجتماعي والتسامح وكرامة البلاد على المستوى الدولي، والمحافظة على انجازات الدولة السورية والمجتمع السوري في الساحة الاقليمية كحاضن للرفض وكمستودع للمقاومة والأهم كماصّ للصدمات الكبرى المتجلية في انهيارات اجتماعية خطيرة في المحيط مثل الانهيار العراقي والاهتزازات اللبنانية المتكررة ..

تم توصيف الوضع وخريطة التحالفات والوضع الوظيفي الحقيقي للقوى المشاركة في المؤامرة .. فكان ينظر الى قطر على أنها تشكل اعلام الثورجية الرئيسي فيما هي الى جانب السعودية كانتا الخزان الاقتصادي للمشروع الضخ للأموال الهائلة.. أما تركيا فكانت هي الأهم لأنها شكلت الأنموذج المعنوي والفكري للتجربة الاسلامية في الحكم وبالتالي الدافع النفسي والزخم ..كما أن تركيا شكلت الدجاجة التي تنام على البيض الاسلامي والأم الحنون باستضافتها للنشاط السياسي الاخواني ..الخطر في تركيا أنها قدمت الغطاء المفيد عالميا للاسلاميين فقد ظهروا انهم نسخة عصرية وبنكهة تركية بعيدة عن التطرف وكان هذا ضروريا للمكون الغربي الذي لايستطيع أمام جمهوره الوقوع في التناقض بحيث يدعم حركة اسلامية متطرفة فيما هو لايزال معنيا بمحاربة الاسلام في أوروبا والعالم ..وكانت الاشارة الى أن الحركة الاسلامية في المنطقة نسخة عن التجربة التركية الهادئة المهدئة ..ولعل أخطر مافي تركيا هو قربها الجغرافي وملاصقتها لسوريا مما شكل عاملا خطرا اضافيا لجعلها منصة عسكرية للتمرد كما بدا لاحقا ..ويمكن أن تكون منصة عسكرية مريحة جدا للناتو..

في حسابات السلطة في سوريا الوضع حساس وخطر والمشروع الخارجي لاسقاط الدولة والمجتمع السوري متكامل العناصر لضمان نجاحه اعلاميا وماليا وعسكريا ومن خريطة التحالفات .. والحل الذي تم تداوله في الهرم القيادي كما يبدو هو ترتيب الأولويات للتمهيد لاختراق المشروع كليا في المرحلة التالية..والأهم هو خلق مشروع آخر بسرعة يشكل الهجوم المعاكس ويكون متناقضا كليا مع مكونات المشروع الناتوي العربي التركي الناضج الذي تبين أنه تم اعداده بهدوء واتقان منذ معركة عام 2006 في لبنان .. ومنذ أن وصف الأسد كل من تآمر على المقاومة بأنصاف الرجال ..
في دراسة المشروع وترتيب الأولويات ظهر أن القيادة السورية قد صنفت العامل الخليجي والقطري على أنه ثانوي وأنه ذو تأثير محدود في غياب العامل التركي الذي تقرر تصنيفه على درجة عالية من الخطورة ..أي تم وضع العامل التركي على سلم الأولويات وتمت دراسته بدقة متناهية ..للوصول الى نقطة الاختراق الرئيسية ...سقوط العامل التركي سيجعل بقية المكونات كعربة بلا عجلات ..محركات ضجيج وحرارة لكن مع شلل تام..

في دراسة العامل التركي تبين أن اختراق نقاط ضعف العامل التركي هي جغرافية واقتصادية وداخلية ..وكان من المهم استثمار هذه النقاط الضعيفة بسرعة وهذا لم يكن بالهين في الاطار الزمني المتاح والقصير جدا
..امام تطورات الأزمة وتفاعلاتها المتلاحقة واستعجال أطرافها الخارجيين على استثمار كل لحظة ..

استفاد السوريون من القلق الروسي والايراني تجاه تركيا وعرض الروس والايرانيون كل الدعم العسكري في حال حدوث تحرك من الخطر الأكبر التركي الذي قد يكون ناتوي الغطاء فيما تعهد الروس بهدم أي مشروع أممي للتدخل باطلاق الفيتو لجعل فريق الأزمة السوري متفرغا للتعامل معها بعيدا عن الشعور بالضغط أو الضعف .. فالروس أدركوا متأخرين أن ليبيا قد تم ابتلاعها منذ الموافقة على حظر جوي تعامل معه الناتو على أنه تفويض بتدخل جوي..

خلال زيارة أوغلو الى دمشق كانت الغاية من استقباله هي عرض الرسالة الموحدة من الروس والايرانيين والتحدث معه بحزم وقسوة عن خيار وحيد يواجه تركيا اذا تورطت أكثر وذلك لدفع أوغلو الى حالة التردد الشديد في استمرار المشروع.. وأن عضويته في الناتو لاتعني أن تركيا بمنأى عن رد الفعل العنيف.. فدب التردد والقلق في نفس أوغلو من السيناريو الوحيد واليتيم في حال أقدمت تركيا على انجاز خطوة عسكرية واحدة قد تستفز السوريين.. وكان هذا التردد مفيدا وضروريا جدا في توقيته لانجاز حسم عسكري ضد القوى المسلحة الرئيسية وفي تحريك الجيش السوري بحرية في اللاذقية ودير الزور بعد حماة.. والانتقال من حالة التمردات الكبرى الى التمردات الصغرى..

والمرحلة التالية في اقصاء تركيا هي الانتقال عمليا الى الهجوم المعاكس بعد عملية تثبيت الهجوم التركي في مكانه وذلك بالهجوم اقتصاديا وداخليا .. وداخليا تعني توجيه الصواريخ نحوها وايصال الرسالة للداخل التركي الشعبي للضغط على الأردوغانيين والضغط نفسيا من محاولة التذكير ببشاعة الحرب وثمنها الباهظ مع دول "مصورخة" .. وكذلك اطلاق الاتصالات مع حزب العمال الكردستاني وتزويده بالسلاح .. وقد تذوقت تركيا بعض نكهة تلك التحركات ..

وهنا تبين أن تثبيت الهجوم قد نجح بدليل أن معسكر الشر الغربي-العربي-التركي انتقل الى مرحلة الحصارات الاقتصادية ..الحصارات الاقتصادية واللجوء للضغوط النفسية على الناس وايذائهم هي الدليل القاطع على تراجع امكانية الحسم العسكري .. والبدائل الآن هي خلق حالة تذمر بين الناس وارباك الحياة اليومية ليزداد الفقراء فقرا..ولكن هناك على مايبدو انطلاقة لهجوم معاكس آخر يلوح في الأفق يتم الاستعداد لاطلاقه ضد تركيا.. يمكن استنتاجه في تصريحات واثقة لأول مرة للرئيس الأسد من أن "تركيا تلعب دورا أكبر من حجمها وامكاناتها".. وعلاوة على هذا يتم التداول في امكانية انطلاق محور كبير في الشرق في الأسابيع القليلة الأولى من العام القادم التي ستمتص تأثير العقوبات الاقتصادية ..وستكون بمثابة عمق واق للمستقبل ضد أي حصار كان ..

هنا مهما اختلفنا مع السياسي السوري الذي ادار الأزمة بتصريحات قليلة للغاية أفلتت أعصابنا، فلا بد أن ندرك أنه تصرف بحذق وبتأن وصبر وأنه أوصل الجميع الى ممر اجباري يقود الى نتيجة يتيمة وهي استحالة اسقاط النظام السوري فبعد هذه الأشهر الطويلة لم يعد هناك عاقل مقتنع أن سوريا ستسقط أو أن نظام الحكم فيها سينتهي.. وهذا بدا في اعترافات الكثيرين الذين كانوا يحضرون أنفسهم لالقاء خطب النصر في دمشق.. ولاأكشف سرا أن بعض المغفلين طلب منهم تحضير كلمات للاحتفالات التي ستقام في دمشق بعيد سقوط النظام.. وبلغ الغباء ببعضهم أنهم حضّروها ووضعوها في أدراجهم ينتظرون وبعضهم تداولها على ايميله الخاص.. ولولا أن أحدهم أخرجها من درجه غاضبا ليمزقها احتجاجا بسبب مناوشات كلامية واتهامات متبادلة لما عرفنا بقصة خطابات النصر المجهزة..

وأؤكد لكم وبيقين ومن خلال الحلقة الأولى المحيطة ببرهان غليون أنه نفسه قد وصل الى هذه النتيجة اليائسة في امكانية اسقاط النظام .. الرجل دخل بحالة اكتئاب وليس لدي شك أن برهان غليون هو أتعس شخص على هذا الكوكب هذه الأيام.. ولو "سقطت السماء على الأرض لرفعتها هموم برهان غليون" الذي تلقى توبيخا شديدا من بعض رؤسائه ومموليه على تلك العثرات الأخيرة التي عثر بها والتي كانت هدايا مجانية يقدمها للأسد ..

وطالما أننا وصلنا الى مثال برهان غليون فهو خير مثال على عصبية تعاطي المعارضة بانفعال وتهور مع الملفات وبلاهة في العمل الديبلوماسي اذا ما قارنا طريقة تعاطي الدولة السورية والنظام مع الأزمة المعقدة وتفكيكها البطيء الهادئ بصمت رزين الى قطع، وسنجد أن المعارضة ومعسكر المؤامرة ينقصه الصبر والمهارة السياسية ولاشك أنه يعتمد على تكتيكات العصابات النزقة واستعراضات اللغة الجوفاء التي لاتوصل الا الى الخواء .. ولم يعد هناك من يحتاج دليلا قاطعا على السذاجة السياسية لأبطال مجلس استانبول .. ولا أدل على تلك المراهقة السياسية والبلاهة في العمل الديبلوماسي من تصريحات برهان غليون الأخيرة بشأن اعدام المقاومات ضد اسرائيل في دمشق ..فلنقم بزيارة هذه التصريحات لدراستها كمثال على الفرق الشاسع بين عبقرية السياسي السوري ونتائج عمله الباهرة وتخبطات المعارضة ..

رغم أنني أعتقد أنه من الحصافة عدم تناول ماصرح به برهان غليون لأنه لم يقل شيئا جديدا أو خفيا على الاطلاق .. فانني لاأدري سبب الاستغراب من ادلائه بتصريحات تعهد فيها باحلال سلطة اسرائيلية في قصر الشعب في حال توليه السلطة .. فالرجل لم يكن يخاطبنا لأنه كان يخاطب "ايباك" كما يخاطبها المرشح الرئاسي الأمريكي ابان الحملات الانتخابية ..لأنه يعتقد أن ايباك هي من يقرر اسماء الرؤساء القادمين والسابقين ..وهو لايرى في الشعب السوري أي مصدر للشرعية ..وبرهان رأى صاحبه مصطفى عبد الجليل قد وصل الى الحكم عبر ممثل ايباك في فرنسا (برنار هنري ليفي)..ولكن لماذا صرّح غليون بما صرّح به عن قرار اعدام المقاومات العربية في سوريا؟ ..وقرار استعادة الجولان بالسلام الذي في أحسن الأحوال سيتم الحصول عليه على الورق مع اتفاقية تأجير لمدة 99 عاما قابلة للتجديد .. اذا بقيت سوريا موحدة في عهده الميمون ..

بعض التفسيرات المحرجة من قلب معسكر المعارضة التي لاتبدي رضى كبيرا عن أدائه تقول أن الرجل يشبه "ليخ فاليسّا" المعارض البولندي الذي كان مجرد "كهربجي" أرعن نفخه الاعلام الغربي حتى يقدمه زعيما مناهضا للشيوعية ورئيسا لحركة التضامن البولندية .. وعند سقوط الشيوعية وصل فاليسّا الى رئاسة الدولة لكن جوهره كشف للناس وانتبه البولنديون أنه شخص سطحي وليس لديه الفكر السياسي ولاالمهارة والفهلوية الديبلوماسية وهو مجرد انسان بسيط في عالم السياسيين الذين يجب أن يتعاملوا مع الأفاعي والثعابين السياسية أحيانا كالحواة ..وتكون لهم الموهبة والفطنة السياسية التي لاتحتاج لقب "بروفيسور في السوربون" ..ومثالها السياسي اللماح الفذ مؤسس الدولة المصرية الحديثة الألباني محمد علي باشا القولي الذي كان أميا لايقرأ ولايكتب (وليس أستاذا في السوربون) لكنه حاذق عبقري في السياسة .. ولذلك فقد سقط فالسيا بشكل مهين ومدوّ بعد 4 سنوات امام مرشح شيوعي عادي ..الكهربجي عاد الى عمله ..ونسيته السياسة..وسقط غليون قبل أن يصل..

برهان غليون لايشك مراقب وعارف بالشأن السياسي أنه لا علم له بالسياسة، وهو شخص بسيط جدا بادراكه السياسي حتى جارنا الحج أبو صلاح رفع حاجبيه متعجبا عندما سمع تصريحات غليون وقال محتجا: والله "الكهربجي" لايقول ذلك..!!
وحسب أحد أصدقاء غليون الذي أعرفه فان غليون ينتمي الى ذلك النوع من الناس القادمين من الشرق الأوسط ومعهم عقدة النقص من الغرب والذين يعتبرون وصولهم الى السوربون على أنه عمل خارق ويجعلهم في قرارة نفسهم يحسون بشكل مرضي بالتفوق على مواطنيهم وبالفارق المعنوي الكبير ويتصرفون ويفكرون على هذا الأساس لأن الله حباهم بما لايملكه الآخرون .. ولذلك فانه عندما تم لفت نظره الى انه مرشح رئاسي تضخمت العقدة المرضية لديه وأحس أنه لولا تفوقه وتميزه لما اختير لهذا الترشيح وأنه لذلك يستطيع ممارسة الحكم ورسم السياسات الكبرى كما يراها هو لأن كل من في الشرق أقل منه موهبة وعلما .. ولكن الرجل يتعاطى مع ملف أكبر منه بكثير ووضع في ثوب فضفاض جدا ومكان شديد الاتساع عليه .. وأداؤه السياسي أداء يدعو للشفقة وهناك آخرون يرون أن برهان غليون شخص مسكين وساذج الى حد كبير وقد استدرج أو دفع الى اعلان هذه المواقف تمهيدا للاجهاز عليه سياسيا والتخلص منه بحجة انه أحرج الثورة.. وهو بالطبع يبتلع الطعم ويزيد من ابتلاعه واذا حاول أحدهم انقاذه زجره وكرر البلع.. مما يثير السخرية والضحك أن رجلاً فرنسياً مثل برهان لايجرؤ على التفكير في الترشح لبلدية في فرنسا لكنه يفكر بالترشح لرئاسة بلد كبير محوري ولاعب ماهر في قلب العالم مثل سوريا.. في زمن ديمقراطية النفط والغاز والغربان.. وبرهان العلماني الذي يؤمن - كما باروخ سبينوزا - أن الدين يحتقر العقل وأن العقل يحتقر الدين صار اماماً وخليفة للمؤمنين.. من مقعده كأستاذ في السوربون الفرنسية..

المشكلة أن برهان غليون لم يكذب على الاطلاق وقال ماقاله بسذاجة (طمعا في تأييد ايباك) نقلا عن المنطلقات الحقيقية للمجلس الوطني الانتقالي وفعاليات الثورجية اليومية لأن قادة المجلس الانتقالي الآخرين وداعميهم قالوها بالفم الملآن: سنعمل على اخراج ايران من سوريا (أي من التحالف مع سوريا) ..قالها صراحة عبد الحليم خدام والبيانوني ومأمون الحمصي وقالها كثيرون منهم ..بل واستماتت "الثورة" في اطلاق عواء لاينتهي لشتم حزب الله وحسن نصر الله حتى غابت اسرائيل كليا عن المشهد السوري.. واستعاضت الثورة عن هذه الصروح المقاومة بدمى مثل العرعور والقرضاوي وبدت كمن اعتمدت بدلا من المقامات الحلبية الأصيلة على الطقطوقات..

ولم يعد من الصعب اثبات أن بعض المتظاهرين في حمص كانوا فعلا قد رفعوا أعلاما اسرائيلية جهد الثورجيون في انكار حادثتها لكنها كانت رسالة تطمين لاسرائيل وطلب العون منها ..وتصريح برهان تبنّ لهذه الرايات الاسرائيلية ..
عشرات مقاطع الفيديو المفبركة بسذاجة كانت تحضر الناس نفسيا لهذه التصريحات الغليونية وتدعي وجود عناصر من الحرس الثوري الايراني وحزب الله لقنص المتظاهرين وتبث اعترافات تحت التعذيب لأناس تبين أنهم لاعلاقة لهم لامن قريب ولا من بعيد بايران أو بحزب الله..فيما كان موقع كلنا شركاء لأيمن عبد النور يغمز من ممثل سوريا في الأمم المتحدة بأنه "زوج الايرانية" بل وصفه بالفارسي لأنه قال كلمة دفاع عن سوريا..بلده..فتخيلوا أن من يرفض قصف سوريا بالناتو صار فارسيا أما الوطنية فهي في رفع اعلام اسرائيل والتعهد بكسر البنادق..ولبس الحرير بدل ثياب الحرب..

تثبت الأيام أن موقفنا من المعارضة السورية لم يكن ناجما عن ولاء أعمى للنظام ولا عن انقياد لشخص الرئيس وأننا لم نقف في وجه الديمقراطية الغليونية لأننا نحمل أخلاق العبيد والشبيحة الذين يخشون الحرية من بعد طول العبودية ..بل الأيام تثبت أننا كنا على دراية عميقة بخواء هذه المعارضة ووضآلتها وضحالتها وانتمائها الايديولوجي اللاسوري .. وأننا نحن الأحرار والتواقون للحرية فيما "السادة الأحرار" في السوربون الفرنسي تصرفوا كالعبيد فأستاذ السوربون وأعضاء المجلس الانتقالي جميعا كانوا يتلقون الرشاوى والمال على كل كلمة وموقف .. وبلغني عن أحد الثوار الاستانبوليين أنه كان يقوم بمساومات رخيصة للغاية ويتصل بأحد المكاتب الاعلامية عدة مرات لأنه لم يتم تسديد قيمة كل المقابلات التي أدلى بها ..فكان مدير المحطة يجيبه أن المجلس الانتقالي الذي انتدبه للمقابلة أعطاهم معلومات أن ثمن المقابلات قد تم تسديده سلفا لصاحب العلاقة ولايجوز أن يتقاضى الشخص الأجور عن المقابلة مرتين .. ولكن صاحب العلاقة يبلغه أن ثلاثة أعضاء آخرين في المجلس تقاضوا المال بشكل مستقل من المحطة رغم تقاضيهم المال من المجلس ويقوم بتسميتهم ويطالب بالمعاملة بالمثل ..ولم ينته التقايض حتى تمت اهانته شخصيا من قبل رئيس المحطة..

ماقلناه عن الثورة منذ أيامها الأولى كان قراءة دقيقة وماتوقعناه من اخفاقات الثورجية كان ناجما عن معرفة عميقة لطرفي المعادلة.. السلطة والمعارضة.. والرئيس الأسد ومناوئيه العرب والغربيين.. ولأننا وقفنا نراجع تاريخ الجميع وارتباطات الجميع والبرامج السياسية للجميع.. عرفنا أن "لايباك" كلمة في المعارضة السورية.. فسقطت المعارضة مع اسقاطها للمقاومة وللكرامة الوطنية.

* بقلم : نارام سرجون