سوريا.. سباق مع الزمن على طرفي الصراع

سوريا.. سباق مع الزمن على طرفي الصراع
الأربعاء ١٥ فبراير ٢٠١٢ - ١٠:٥٣ بتوقيت غرينتش

هو سباق مع الزمن، فبينما تسعى سوريا جاهدة لاستكمال ما تراه مسؤولية وطنية على الصعيدين السياسي والميداني، بعيدا عن اي تدخل عربي او غربي، تحاول في المقابل، جهات عربية وغربية لاستباق الزمن ايضا وتوجيه الضربة القاضية والاخيرة للنظام السوري قبل فوات الاوان. فهناك استحقاقات على الطريق، لا تجري رياحها بما تشتهيه سفن تلك الجهات العربية والغربية.

لقد تسلم الرئيس السوري بشار الاسد خلال الايام القليلة الماضية مسودة مشروع الدستور السوري الجديد الذي يعتبر مسك الختام لعملية اصلاح قطعها على نفسه ويرى النظام في عرضه على الاستفتاء محاولة لقطع الطريق على الاصوات التي طالما نادت بعدم جدية النظام في انجاز الاصلاح.

توازيا مع ذلك، اطلق النظام عملية حسم عسكرية للقضاء على الجماعات المسلحة والعمل على خنقها من خلال اغلاق كافة المنافذ الحدودية ووقف ضخ السلاح وتمشيط الاحياء التي تعتبر معاقل للمسلحين، لاسيما وان الفيتو الروسي – الصيني والتفهم الروسي لقمع الجماعات المسلحة جعل يد النظام مبسوطة في القضاء على تلك الجماعات ووقف نزيف الدم، الامر الذي قد يمهد لاحتواء الازمة في الميدان او على الاقل خفض وتيرتها الى ادنى المستويات.

اما الاشهر القادمة فتحمل في طياتها استحقاقات ومواعيد لا ترغب اطراف عربية ببلوغها قبل حسم الامر. فالاستحقاق الاول هو القمة العربية المقرر عقدها خلال اذار/ مارس القادم في بغداد ونقل الرئاسة الدورية للجامعة من قطر الى العراق وهذا يعني الكثير لتلك الاطراف.

ومن اجل احباط المساعي لعقد القمة وانتقال الملف السوري من اليد القطرية الى القيادة العراقية، دابت بعض الدول العربية ومن ضمنها السلطات البحرينية على افشالها قبل انعقادها، من خلال حث القادة العرب على عدم المشاركة فيها، متعللة بمواقف بعض القادة السياسين العراقيين حيال ما يجري في البحرين.

الاستحقاق الاخر، هو الانتخابات الرئاسية الفرنسية المزمع اجراؤها خلال نيسان/ ابريل المقبل وابرز مرشيحها الرئيس الفرنسي الحالي نيكولا ساركوزي، احد اقطاب المؤيدين لفكرة الجامعة بضرورة تنحي الرئيس الاسد.

فالاستحقاق الرئاسي الفرنسي يعني انشغال ساركوزي بملف الانتخابات والتركيز على الداخل الفرنسي، والابتعاد عما يجري في المحيطين الاقليمي والدولي وبالتحديد في الملف السوري.

لقد اجاد بعض الاطراف في الجامعة العربية فهم المعادلات الحالية والقادمة على المستويين الاقليمي والدولي وسارع الى اقتراح بشان ارسال قوات عربية اممية مشتركة لتوجيه الضربة القاضية قبل تفويت الفرصة.

قررت الجامعة المقترح، مع علمها مسبقا بالرفض السوري، لكي تبرر بذلك تمويل المعارضة ودعمها بالسلاح والعتاد، على رؤوس الاشهاد هذه المرة ، وليس في السر والخفاء، لاسيما وانها تاكدت من ان معركة الميدان تصب في صالح الجيش السوري وانه حقق تقدما في السيطرة والقضاء على معاقل الجماعات المسلحة وفي حمص بالتحديد. ومن هذا المنطلق يمكن قراءة اندفاع السعودية وبكل ما اوتيت من قوة الى الواجهة.

ففي ايام قليلة، خرجت الرياض بمواقف عدة، بعد ان تحدث الملك السعودي عن تزعزع ثقة المجتمع الدولي بمجلس الامن، حيث تسلمت المملكة من قطر الريادة في التجييش ضد سوريا ، فاطلق وزير خارجيتها سعود الفيصل تصريحات نارية خلال الاجتماع الاخير لوزراء خارجية العرب، بشان ضرورة حقن الدم السوري، بالاضافة الى الحديث السعودي عن ضرورة دعم المعارضة ماديا وحتى عسكريا اذا ما لم يتوقف العنف والقتل في سوريا خلال فترة وجيزة.
كل ذلك قد يعني ان هناك تفهما من الدول العربية بضرورة انعقاد القمة، بعيدا عن هواجس المحور القطري - السعودي، الامر الذي يمثل تهديدا كبيرا للمخطط العربي للتخلص من النظام الحاكم في سوريا.

اما الاقتراح العربي بارسال قوات عربية اممية مشتركة الى سوريا، فاصطدم بتحفظ غربي، حيث اكدت الخارجية الاميركية ان المشروع العربي يواجه المزيد من التحديات الحقيقية وان الوقت لم يحن لمناقشته، كما نات بريطانيا بنفسها عن المشروع وتحدثت عن ضرورة تحقيق وقف لاطلاق نار ومن ثم ارسال قوات عربية وغير غربية اصلا الى سوريا، والحال نفسها بالنسبة لفرنسا، التي لم يمض شهر من الزمن عن اعلانها المفاجئ بشان سحب قواتها من افغانستان، تفاديا لخوض اي مغامرة عسكرية قد تلحق خسائر مادية وعسكرية بمعسكر ساكوزي ومن ثم تقطع عليه طريق البقاء في الاليزية، كما ان الازمة المالية تعصف في الاتحاد وبات اليونان عبئا ثقيلا على الكاهل الفرنسي والالماني.

الروس ايضا ورغم الحديث عن استعدادهم لدراسة الفكرة، لكنهم عارضوها على استحياء ليمتصوا الغضب الذي اثاروه في الاوساط العربية الرسمية بسبب التصويت ضد مشروع القرار العربي في مجلس الامن، كما ان الصين ابدت معارضتها من حيث المبدا لاي خطوة قد تؤجج الصراع في المنطقة، معتبرة الازمة السورية شانا داخليا، لا يجوز التدخل فيه.

يبقى السباق مع الزمن والعمل على احتواء الصراع داخليا والمحاولة لتاجيجه خارجيا، السمة الابرز للازمة التي قد لا يحسمها سوى الميدان والايام ستكون بذلك كفيلة.

 

*بقلم:عبد الله ال بوغبيش

كلمات دليلية :