المحللون السياسيون انقسموا قسمين في تفسير ظاهرة الاجواء الايجابية ، التي طغت على كل اللقاءات التي اجرتها الاطراف المعنية بالبرنامج النووي الايراني مع المسؤولين الايرانيين ، وبالتحديد منذ اجتماع اسطنبول بين ايران ومجموعة 5+1 في 14 نيسان / ابريل الماضي ، والتي القت بظلالها ايضا على جولة بغداد .
القسم الاول ، و من ضمنه اغلب العاملين في الحقل الاعلامي في امريكا والغرب ، عزا هذه الايجابية الى تأثير العقوبات التي فرضتها امريكا والغرب على ايران والتي اتت اوكلها بعد ان اخذ الاقتصاد الايراني يترنح تحت ضغطها ، وهو ما اضطر المسؤولين الايرانيين الى تقديم تنازلات والتراجع عن مواقفهم السابقة في المجال النووي ، قبل ان تخرج الاوضاع عن السيطرة.
القسم الثاني،ومن ضمنه اغلب المتابعين لسير المفاوضات النووية بين ايران والغرب منذ سنوات وعن كثب،والعارف بالمواقف الرسمية لايران في ادق تفاصيل بشأن البرنامج النووي السلمي الايراني ، فيؤكد ان الغرب وفي مقدمته امريكا ، قد استنفد كل ما في كنانته من سهام لحرمان ايران من حقوقها النووية المشروعة لكن دون جدوى ، حتى سلاح الحظر اخذ يصدأ ، بعد ان انفك عرى التحالف الغربي الداعم للحظر ضد ايران بسبب الصلابة التي اتخذتها ايران منذ البداية للدفاع عن حقوقها النووية،وتعاونها الشامل والشفاف مع الوكالة الدولية للطاقة النووية ، الامر الذي سحب البساط من تحت كل الذرائع الواهية والاكاذيب التي كانت مصدرها امريكا واسرائيل للتشويش على سلمية البرنامج النووي الايراني،وكذلك بعد الازمة الاقتصادية غيرالمسبوقة التي ما انفكت تضرب منطقتي اليورو والدولار والتي جعلت الغرب يفكر الف مرة قبل اتخاذ اية مغامرة اقتصادية جديدة ضد ايران.
اما حديث الحظر وتاثيره على مواقف ايران ، فان الحقائق على الارض تكذب ذلك بالمرة ، فاذا كانت ايران قد تاثرت بجانب من هذا الحظر، الا ان الحظر فشل في جوانب كثيرة منه في تحقيق اهدافه للنيل من ارادة الشعب الايراني ، خير دليل على ذلك تلك الندية التي تتعامل بها ايران مع كل مفاوضيها ، ضمن مجموعة 5+1 ، او ضمن الوكالة الدولية للطاقة النووية ، وهي حقيقة اعترف بها مفاوضوها انفسهم ، بعد ان فرضت ايران عليهم بغداد مكانا لعقد الجولة الجديدة من المفاوضات.
الضجة المثارة عن تراجع ايران عن مواقفها النووية السابقة تحت تأثير الحظر، مصدرها جهات تنطلق من اعتقادها بجهل الراي العام بهذه المواقف ،او بسطوة الاعلام الغربي وهيمنته على الاثير ، وهو اعتقاد خاطىء بالكامل ، فلا الراي العام ساذج الى هذا الحد ولا الغرب يفرض حصارا احادي الجانب على الاعلام والاثير.
ان ايران ومنذ اختلاق ازمة برنامجها النووي من قبل امريكا وبدفع اسرائيلي بائس ، كانت ومازالت تؤكد على مواقفها المبدئية من على كل منبر وفي كل محفل ، وهي مواقف معلنة و واضحة ، ابرزها:
-حقها في أمتلاك برنامج نووي سلمي.
- حقها في تخصيب اليورانيوم بنسبه الدنيا للاستخدام السلمي.
-التاكيد الدائم على عدم السعي لحيازة السلاح النووي.
-فتوى صريحة من قبل قائد الثورة الاسلامية سماحة اية الله السيد علي الخامنئي بحرمة انتاج القنبلة النووية.
-عدم حاجتها لرفع تخصيب اليورانيوم الى نسبة20% .
-اضطرت ايران الى رفع نسبة التخصيب الى 20% بعد ان رفض الغرب وبضغط امريكي ، تزويدها بهذه المادة التي يحتاجها اكثر من 800 الف انسان الذين يعانون من امراض مختلفة.
-ان طهران ستوقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% في حال التزم الغرب بواجباته وزودها بهذه المادة وفقا للمواثيق والمعاهدات الدولية.
- لن تنسحب ايران من معاهدة منع الانتشار النووي تحت اية ظروف كانت.
- تواصل ايران تعاونها الكامل والشامل مع الوكالة الدولية للطاقة النووية وتفتح ابواب جميع منشاتها النووية امام المفتشين الدوليين ودون اية قيود.
- ايران مستعدة لتطوير تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والاسرة الدولية في المجال النووي ، اكثر من ذي قبل في حال لمست من الجانب الاخر جدية في تعامله ، بعيدا عن لغة التهديد والوعيد وسياسة الحظر والضغط .
هذه بالاجمال مواقف ايران من الموضوع النووي منذ البداية وحتى اليوم ،فهل تلمس المتتبع لسير المفاوضات التي جرت بين ايران ومجموعة 5+1 في اسطنبول في 14 نيسان / ابريل والمفاوضات التي جرت بين ايران والوكالة الدولية في فيينا يومي 12 و13 ايار /مايو الحالي ، وكذلك المفاوضات التي اجراها المدير العام للوكالة الدولية للطاقة النووية يوكيا امانو مع المسؤولين الايرانيين في طهران في 21 ايار / مايو ، والمفاوضات التي تجري اليوم 23 ايار/ مايو في بغداد بين ايران ومجموعة 5+1 ، هل تلمس تغييرا في مواف ايران خلال هذه المفاوضات مع ما ذكرناه انفا ؟
بالطبع سيكون الجواب لا ، بل ان ايران وسعيا منها للحيلولة دون وقوع الغرب في خطا في حساباته ، اكدت ، وعبر اكثر من مسؤول فيها، انها لن تتراجع عن حقوقها مطلقا وهي حقوق تنص عليها القوانين والمعاهدات الدولية ، وفي مقدمتها معاهدة حظر الانتشار النووي.
هنا يطرح هذا السؤال نفسه وبقوة ، اذا كانت الاجواء التي لفت مفاوضات اسطنبول وفيينا وطهران بالامس كانت ايجابية ، وهي ذات الاجواء التي تلف بغداد اليوم ، ترى ما السبب وراء تعكير هذه الاجواء من خلال الهمز واللمز عن تراجع هذا الطرف او تنازل ذاك؟. الاجابة على هذا السؤال في غاية البساطة ، فالذين يهمزون ويلمزون ينظرون الى جولة بغداد على انها حلبة صراع بين ايران ومجموعة 5+1 ، بعد ان ايقنوا ان ايران ومن خلال ثباتها الملحمي على حقوقها النووية ستخرج لا محالة من جولة بغداد فائزة على الاقل بالنقاط على الغرب ، الذي سيعلن اعترافه بها كعضو جديد في النادي النووي العالمي ، لذا اثروا الهمز واللمز عبر قناة الحظر وتاثيره على القرار الايراني ، ترويجا للتعادل ، وهي نتيجة احفظ لماء الوجه.
بقلم : ماجد حاتمي