واذا كان هذا القول (التدخلات) صادقا من زمن بدء العملية السياسية الديمقراطية بالعراق في كانون الثاني / يناير 2005، فانه يبدو هذه الايام اكثر صدقا ووضوحاً، نظراً للتواطؤ المقصود للاطاحة بهذه الحكومة الوطنية ورئيسها المالكي، الذي نعرفه منذ ايام المعارضة شخصية سياسية متزنة، ومجاهدا شجاعا غيوراً، فرض احترامه وهيبته على المخالفين والموافقين، الامر الذي اهله من بعد الى تبوء مسؤوليات وواجبات ضخمة على مستوى اعادة بناء الدولة العراقية، عقب ازاحة نظام البعث الصدامي الاسود، الى ان اوصلته نتائج الانتخابات البرلمانية الى رئاسة الوزراءعام 2010 .
اللافت ان معدل الاعمال الارهابية والتخريبية، بدأ يزداد، تزامنا مع تفاقم الازمة السياسية بالبلاد، وهي اعمال ذات دوافع فتنوية تستهدف اعادة العراق الى المربع الاول، بتمويل سعودي وقطري يسعى حكام البترول والاعلام التحريضي من خلالها، الى تدمير المنظومة السياسية الجديدة التي ضحى العراقيون من اجل تاسيسها بالغالي والنفيس، باعتبارها منظومة طوت صفحة الطائفية والدكتاتورية والعنصرية في بلاد الرافدين، واعادت للشعب على اختلاف مذاهبه واطيافه وقومياته، دوره الريادي في تقرير المصير والمشاركة في بناء دولة المؤسسات، والتمتع بالمواطنة الكاملة بعيدا عن الخطوط والنزعات الفئوية والمطامع الاقليمية والدولية التي تولدت قبل (92 عاما) تاريخ تاسيس الدولة العراقية سنة 1921.
ومن المفيد ان نشير هنا الى ان الاختلاف بين اطراف المعادلة السياسية في العراق، هو امر طبيعي وقد يكون واجبا لتقويم المسار وتصحيح المواقف وتصويب الرؤى، شريطة ان يحتكم السياسيون الى مبدأ التفاهم والحوار توخيا لتقوية اللحمة الوطنية، ودفع العملية الديمقراطية بالبلاد نحو المزيد من الحيوية والفعل والادوار البناءة ، وبما يحصن الاستقلال السياسي والاقتصادي ويحمي السيادة الوطنية، من اية تاثيرات خارجية ،واضح بانها لاتريد اللأمن والخير والوئام والانسجام لهذا البلد.
ان قراءة سريعة لمجريات التطورات التي تشهدها المنطقة العربية والاسلامية، تعطي رؤية شفيفة لما يمارسة آل سعود وآل ثاني وحكومة انقرة على مستوى السعي الى السيطرة والتحكم والتدخل في الشرق الاوسط ، انطلاقاً من سورية ومروراً بلبنان وانتهاء بالعراق، وعند تحليل هذا التوجه يمكن التوصل الى فهم حقيقة ان هدف هؤلاء المنبوذين من التدخل السافر في البلدان المذكورة، هو ضرب محور المقاومة والممانعة في المنطقة، على خلفية نوازع طائفية بحتة، لايهمها اشعال العالم الاسلامي بالحرائق والفتن والاضطرابات، طالما انها (السعودية وقطر وتركيا)، تحتمي - في ظنها - بالقواعد والمراكز العسكرية والاستخباراتية الاميركية والغربية والاسرائيلية.
وازاء ذلك يبدو ان على العراقيين الشرفاء والمخلصين للوحدة الوطنية والاستقلال والسيادة، ان يتجاوزوا خلافاتهم لمصلحة البلاد والشعب والامة والاسلامية، خاصة وان المكاسب الاقليمية والدولية التي حققتها بغداد على مستوى رئاسة القمة العربية - اذار 2012 - ، واحتضان الاجتماع بين ايران ومجموعة (5+1) في 23/5/2012، اثارت غرائز الحسد والغيظ والنفور في نفوس عملاء الاستكبار العالمي، الامر الذي حرضهم على محاولة اطفاء شعلة العراق الجديد الوضاءة ، والعودة به الى عهد الظلام، ولو ادى ذلك الى استخدام الارهاب والتكفير والفتنة وسيلة لتحقيق هذه المآرب الحاقدة.
حميد حلمي زادة