في هذا المضمار يمكن اعتبار الممارسات التي يقوم بها المجلس العسكري في مصر، نموذجا صارخا للثورة المضادة التي تخدم المصالح الاميركية ــ الاسرائيلية، عبر التمسك بالتطبيع مع العدو الصهيوني، والخضوع لمعاهدة كامب ديفيد .
وفيما اعتبر ابناء ثورة 25يناير انتصار محمد مرسى فى معركة الرئاسة المصرية رغم الحملات الاعلامية الهوجاء وتحركات قوى الثورة المضادة ، دليلا جديدا على إصرار الشعب على استكمال ثورته، يبدو ان المجلس العسكرى لا يكف عن التآمر على الثورة . ويقول زعماء الثورة :انه وبعد تعمد الفلتان الأمنى والاقتصادى والتباطؤ فى تسليم السلطة ، هاهو عند مرحلة التسليم الحقيقى للسلطة يدمر كل ما تم انجازه من مؤسسات تشريعية ، ويوعز بحل مجلس الشعب بقرار باطل من محكمة باطلة ،ثم يصدر منفردا اعلانا دستوريا ليمد من عمل نفسه ( أى المجلس العسكرى) كسلطة تشريعية ، ثم يسحب كثيرا من سلطات رئيس الجمهورية ، ويعطى سلطات زائدة للمجلس العسكرى ، بل يجعله جمهورية مستقلة ذات سيادة لا يستطيع رئيس الجمهورية المنتخب التدخل فى شؤونها ، ثم يجعل للمجلس العسكرى حق تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور ، ثم يعطى لنفسه حق الاعتراض ( الفيتو ) على أى مادة فى هذا الدستور ، كذلك يعطى للمحكمة الدستورية التى شكلت أساسا فى عهد مبارك الحق النهائى فى الفصل فى أى مادة دستورية يختلف عليها بين الجمعية التأسيسية والعسكر .
لقد اعتبر الثوار هذه التحركات عملا مرفوضا شكلا وموضوعا ،وعملية سطو صريحة على الثورة وكل منجزاتها ، والتفافا على الرئيس المنتخب لمنعه من قيادة دفة السلطة التنفيذية، وعرقلة انجاز انسحاب المجلس العسكرى من الحياة السياسية، واستكمال مسيرة الثورة..
و يبدو للعيان ان المجلس العسكري لايتورع عن المضي بشراسة في تنفيذ هذا المخطط ، وتكثيف مساعيه لنقل السلطات "من يده هذه الى تلك" ، عبر الامساك بمقاليد الامور حتى مع دخول الدكتور محمد مرسي مقر رئاسة الجمهورية.
وبعيدا عن اي ترديد او مواربة يجب القول ان الظرف الذي تمر به مصرهذه الاوقات ، هو من اعقد الظروف في تاريخ ثورتها ، التي لم تكتمل بعد على صعيد توطيد قواعدها و تفعيل منطلقاتها، لان ثمة مؤشرات باتت تلوح في الافق ، تتحرى قلب المعادلة رأسا على عقب ، بهدف تضييع جميع المكاسب والمنجزات - بلمحة بصر - ، وذلك بمراقبة التحركات الراهنة التي تتجه تبعا لبوصلة الفلول بخاصة ، و قوى الثورة المضادة بعامة ،خلافا لتطلعات الشعب وارادته الحرة. وهو ما يجعل المصريين امام مخاطر وتحديات جسيمة ، يصبح السكوت عليها، اخلالا بمبادئ الثورة، وتفريطا بالتضحيات التي جاد بها الشهداء والجرحى و المفقودون و عوائلهم ، و التي ما فتئ يقدمها الثوار الاحرار ، لتطهير مصر من الفساد والتبعية و الخنوع.
أمام هذه التطورات المتسارعة ، يبدو ان المسؤولية ستتعاظم على ابناء ثورة 25 يناير و الحركة الاسلامية الرائدة ، والجمعيات الاهلية ، لكي يضطلعوا بدورهم المصيري في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ البلاد، من اجل حشد تأييد الشارع المصري ، باتجاه تنحية العسكر و الفلول من مراكز القوى ، والتصدي لمؤامرة الاجهاز على الثورة ، من خلال الوقف صفا واحدا خلف الرئيس المنتخب محمد مرسي.
و لابد من التأكيد على ان مستقبل البلاد بات معقودا على الشعب ، في سبيل تقويض المؤامرة الداخلية والخارجية الرامية الى ابقاء مصر تحت اعباء الاستحقاقات الباهظة لمعاهدة " كامب ديفيد " ، والعلاقات المشينة مع " اسرائيل" ، والسياسات المرتهنة للاملاءات الاميركية، والتبعية المعيبة للعقيدة السعودية التي ترى في تبوء ( الدكتور مرسي) منصب رئاسة السلطة التنفيذية ،هدما لجميع
" التوازنات الانهزامية " التي تسمى تضليلا ب "سياسة الاعتدال العربي " ، كما وتعتبر فوزه مقدمة لاستعادة (القاهرة) دورها الاصيل ، سندا و داعما لقوى التحدي و المقاومة الشريفة بوجه الاطماع الصهيواميركية في الشرق الاوسط.
والواقع ان ابناء الثورة المصرية المباركة، لا يجدون مناصا، من اقتحام هذه المناجزة بعدما اظهر المجلس العسكري نزوعا مكشوفا نحو الالتفاف على ارادة الشعب المصري الذي يواصل خطواته التغييرية لتطهير الدولة من براثن الفلول، والامساك بالسلطة بشكل حقيقي وذلك عبر صناديق الاقتراع.
فقد بيَن قرار المحكمة الدستورية حل مجلس الشعب والغاء قانون العزل السياسي – بشكل سافر - ان الفلول غير مستعدين للتجاوب مع نهج الثورة وتطلعات الجماهير، في مبادرة يشم منها رائحة المكر والخداع، ومصادرة كل التضحيات والآلام التي سطرها المصريون المؤمنون في سبيل تحرير بلادهم من قيود الدكتاتورية، وتخليصها من استحقاقات الاذعان لمعاهدة كامب ديفيد الخيانية.
ووفقا لمثل هذا الموقف، سيجد الشعب المصري نفسه امام مسؤولية مصيرية، ربما تستدعي اعادة جولة الثورة بزخم اكبر، ردا على اية احتمالات لتمييع الارادة الحرة لجماهير الناخبين الذين صوتوا - في الواقع – للاستقلال الوطني و لاستعادة الكرامة التي اهدرها النظام المخلوع لاكثر من 40 عاما .
في ضوء ذلك يتوقع الكثيرون ان تضغط قوى ثورة 25 يناير بكل ثقلها على العسكر، بهدف منعه من التدخل في مسألة تقرير مصير الشعب و تعيين المصلحة العليا للبلاد، وفي اطار هذا الوضع الجديد، فان التطورات القادمة في الساحة السياسية المصرية، تبدو محفوفة بالمفاجآت والاحتمالات، نظرا الى اصرار قادة الثورة وابناء الشعب، على مطلب تجريد المجلس العسكري من صلاحياته التي صارت سيفا مصلتا على مسيرة التحولات المتسارعة في الشارع.
ويستند هذا المطلب الى مرجعية اهداف ثورة 25 يناير، الداعية الى تطهير مؤسسات الدولة المصرية من جميع بقايا النظام البائد والى امتلاك مفاتيح القوة والامن والمال العام، وهي امور مازال يستحوذ عليها المجلس العسكري، وهو يبدي مماطلة واضحة في التنازل عنها لصالح المؤسسات التي خرجت من رحم الثورة وتضحياتها ، وفي مقدمتها مجلس الشعب الذي تعمد الفلول حله بقرار غير شرعي صادر عن محكمة غير دستورية خاضعة تماما لسيطرة قوى الثورة المضادة.
ومع ذلك ربما يرى رجال الثورة ومفكروها، ان من الافضل تجنب وقوع مجابهة بين الشعب والمجلس العسكري ، نظرا لمخاطرها الكبيرة على مستوى الاوضاع في البلاد التي تلفها حالات غير مرضية من الفلتان الامني المفتعل، ولذلك فهم يتطلعون ان تأخذ العملية الديمقراطية مجراها، من باب سد الابواب بوجه الذرائع والتحركات التي قد تكون مضاعفاتها السلبية اخطر بكثير من المجابهة.
وبالرغم من كل هذه التصورات، الا ان ثمة اتفاقا بين الاسلاميين والوطنيين، على المضي قدما في المسيرة التغييرية بشكل يؤول الى توطيد قواعد الثورة، الامر الذي يجعل التفاهم والانسجام بين الثوريين ــ على اختلاف مشاربهم السياسية ــ من اوجب الواجبات، ابتغاء حشد الجميع طاقاتهم وقواهم الجماهيرية لضمان ان يكون موقع الرئاسة والسلطة التنفيذية عصيا على الاستغلال والتحكم و الاستخفاف ، جراء مماطلة المجلس العسكري و سلوكياته الاستعلائية.
* حميد حلمي زادة