غزة تعيد القضية الفلسطينية الى الواجهة

 غزة تعيد القضية الفلسطينية الى الواجهة
الإثنين ١٩ نوفمبر ٢٠١٢ - ٠٤:٤١ بتوقيت غرينتش

مغامرة عسكرية جديدة يخوضها رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو في غزة متوخياً من وراء ذلك تغيير قواعد اللعبة وإعادة الإمساك بقوة الردع ليتم له توظيف ذلك في الإنتخابات التشريعية المبكرة التي ستجري الشهر المقبل .

ولكن وقائع الحرب الدائرة بينت ان المقاومة الفلسطينية لم تعد لقمة سائغة حيث عمدت الى قصف تل ابيب وذلك للمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي . وبداية انطلاق شرارة الحرب كانت عبر اقدام سلاح الجو الإسرائيلي على اغتيال نائب قائد "كتائب القسام" التابعة لحركة "حماس" احمد الجعبري ومن ثم ضرب بنك اهداف قالت عنها تل ابيب انها قواعد لصواريخ بعيدة المدى وأنها تمكنت من الإجهاز عليها .ولكن لم تمر سويعات إلا وكانت صواريخ المقاومة تتساقط على المستوطنات القريبة من قطاع غزة ، ومن ثم تطور القصف الصاروخي ليصل الى تل ابيب والى مناطق أخرى تبعد عن غزة اكثر من 75 كلم مما اكد عدم مصداقية اسرائيل بأنها دمرت الصواريخ البعيدة المدى كما وضعت قسم كبير من الشعب الإسرائيلي تحت مرمى نيران المقاومة فيما الإجراءات الأحتياطية التي اتخذتها القوى الأمنية الإسرائيلية كانت عبر الطلب من المستوطنين القاطنين على بُعد 40 كلم كحد اقصى عن قطاع غزة بالنزول الى الملاجىء . وبغض النظر عما اطلق نتنياهو ووزير حربه باراك من تهديدات ومن التلويح بإحتمال اللجوء الى غزو بري فإن القيادة الإسرائيلية قد اخطأت في حساباتها العسكرية الأمر الذي لا بد ان ينعكس سلباً على المستوى السياسي على الطاقم الحاكم في اسرائيل الأن وذلك للأسباب التالية :

- ان امكانيات المقاومة الفلسطينية العسكرية لم تعد كما كانت عليه في حرب 2008 – 2009 بل تطورت كماً ونوعاً حيث اثبتت الوقائع استخدامها صواريخ من "نوع فجر – "5 التي يصل مداها ما بين 75 و 150 كلم كما استخدمت صواريخ من نوع "كورنيت" المضادة للدروع ، وليس من المستبعد ان تكون المقاومة تمتلك انواعا اخرى متطورة من الأسلحة وقد تستخدمها في الوقت المناسب.

- ان العدوان الذي شنه نتنياهو على غزة قد استدعى تحرك مصر بشكل سريع التي سحبت سفيرها من تل ابيب وأوفدت رئيس وزرائها الى غزة ، ودعت جامعة الدول العربية ومجلس الأمن الدولي الى اجتماعات عاجلة ، مما يعني ان مصر محمد مرسي ليست مصر محمد حسني مبارك خاصة وأن الأخوان الذين يحكمون مصر الأن هم امتداد للأخوان في غزة.

- ان المتغيرات السياسية التي نتجت عن " الربيع العربي " في تونس وليبيا واليمن جاءت لمصلحة تقديم المزيد من الدعم للقضية الفلسطينية.

- كان نتنياهو يظن ان اكثرية العرب منشغلين بالملف السوري وأن بإمكانه ان يستغل هذا الواقع ليمرر ضربة عسكرية موجعة الى حركة حماس ولكن حسابات الحقل لم توافق حسابات البيدر.

- اعتبر البعض ان ضرب غزة هو بمثابة توجيه رسالة الى ايران التي قيل انها وراء تزويد حماس وحركة الجهاد الأسلامي بأسلحة متطورة ولكن جاءت المحصلة مخيبة لأمال نتنياهو لأن الرد الفلسطيني رغم تواضعه كان قاسياً ، فكيف الحال لو جاء الرد من ايران مباشرة ؟ خاصة وأن خطة "القبة الحديدية" التي كلفت اسرائيل وأميركا مئات ملايين الدولارات قد اثبتت فشلها في التصدي للصواريخ القادمة من قطاع غزة.

اما عن مواقف المجتمع الدولي فلم تكن مفاجئة لأنه من المعروف تاريخياً ان عواصم القرار في اميركا وأوروبا تعطي الأولوية لأمن اسرائيل دون أي اعتبار لمطالب شعب محروم من ارضه وحريته ولقمة عيشه . وأغلب الظن ان تل ابيب لن تستطيع التورط اكثر في ملف الحرب في غزة لأن ردود فعل الشارع العربي ستكون كبيرة ، وحتى مواقف الدول الغربية المحايدة قد لا تبقى صامتة خاصة وان موازين القوى غير متكافئة ما بين شعب يمتلك بضعة صواريخ وما بين دولة هي الأقوى عسكرياً في الشرق الأوسط .كما ان اقدام اسرائيل على افتعال هذا العدوان هو بمثابة إحراج للرئيس الأميركي باراك اوباما في بداية ولايته الثانية التي وعد فيها ناخبيه بأنه سيدعم قيام دولتين في فلسطين ، كما سيحرج القادة الأوروبيين وخاصة منهم الرئيس الفرنسي الذي يدعم بقوة المسار الديمقراطي في سوريا فيما يتجاهل العمل الإرهابي الإسرائيلي . وبعيداً عن كل ذلك فقد اعاد العدوان الإسرائيلي على غزة القضية الفلسطينية الى الواجهة بعد ان كانت نائمة ومنسية في ادراج صنَاع القرار الدولي.

* د. صالح بكر الطيار-رئيس مركز الدراسات العربي الاوروبي