السؤال المطروح هنا: ما هي الغاية البالغة الخطورة التي تجعل تركيا تنزع نحو سياسة العسكرة والتعبئة الحربية تجاه سورية وهي دولة مسالمة معروفة بامكاناتها القتالية فی حدودها المتواضعة ، فضلا عن انها لايمكن ان تشكل مصدر تهديد لجيرانها، اضافة الى انها لم تخض أي عدوان على بلد معين؟!
بید ان سورية ذاتها لم تقف مكتوفة الايدي ازاء الحروب الاسرائيلية المعروفة في الاعوام (1948) و(1967) و(1973)، فقد انبرت قیادة وحكومة وشعبا للرد على الغطرسة الصهيونية ومعاقبة المعتدين ولجم ممارساتهم الاجرامية والارهابية، وتقويض جميع مخططاتهم وتحركاتهم التسلطية اللاحقة في لبنان وفلسطين منذ بداية الثمانينات من القرن المنصرم وحتى يومنا هذا.
واضح ــ اذا ــ ان اهداف "منظومة بطاريات الباتريوت" أبعد من موضوع الازمة السورية وتداعياتها، مثلما هو واضح ان تركيا حزب العدالة والتنمية بزعامة السيد رجب طيب اردوغان، اجازت لنفسها ان تكون مطية لاحداثيات حلف الناتو على مستوى تهديد الامن الاقليمي والامن الاسلامي تحت ذريعة "التحرز من تطورات الازمة السورية" او"الحذر من مغبة قيام دمشق باي تحرك عسكري ضدّها".
ثمة سؤال آخر هو: هل من الضروري لتركيا وضع منظومة صاروخية حساسة على حدودها قادرة على ابادة 25 بالمائة من الشعب السوري وتدمیر بناه التحتية؟! للاجابة نقول: لا ضرورة لذلك البتة، الا اذا بنيت الحسابات الاصلية على تهديد اكبر مما هو متوقع، وهذا الشئ غير وارد قطعا على صعيد العلاقات بين انقرة ودمشق، لاسيما ان البلدين مرتبطان معا (باتفاقية اضنة للتعاون العسكري والامني والاقتصادي المبرمة بينهما منذ العام 1998، والتي تدعو الى السلام بين الجانبين(.
الثابت ان هناك الكثير من الاسباب والتفسيرات التي تجعل اجراء انقرة مثار قلق واستغراب شديدين ليس في ايران وحسب بل في الشرق الاوسط والعالم اجمع. وعلى هذاالاساس، حرصت الجمهورية الاسلامية ومافتئت - وعلى اعلی المستويات السياسية والعسكرية ــ على وضع الجار التركي امام مسؤولياته الوطنية والاقليمية والاسلامية، واسداء النصائح الاخویة السديدة الى حكومته وقياداته السياسية والعسكرية لكي لا تتخرط انقرة في الاستراتيجية الاستكبارية الصهيوغربية الراهنة بدعوى "دعم الثورة السورية" تارة و"التحسب من السلاح الكيمياوي السوري" حينا و"الانتصار لسياسة اخوَنَةِ العالم الاسلامي" راهنا.
فكما طهران فان عواصم عربية واقليمية ودولية اخرى، تنظر الى "الباتاريوت" على انها الشرارة التي يمكن ان تتسبب في نشوب اكبر الحرائق والانفجارات في الشرق الاوسط، لان هذه المنظومة الغربية جزء لا يتجزأ من المشروع الاستكباري للعدوان على الامتين الاسلامية والعربية، واشاعة الموت والفزع والارهاب المنظم والجرائم اللاانسانية في عموم المنطقة، وبالتالي فان من حق الجمهورية الاسلامية ابداء ردود افعالها الغاضبة والمنددة بهذا السلوک الاستفزازي الخطير، واتخاذ تدابيرها الرادعة لاستهدافاته الاستفزازیة سواء ضد سورية او غيرها.
اذ لا شك في أن السكوت على هذا التهدید الاستراتیجی الخطیر، سيفتح الابواب على مصراعيها امام جنوح (التحالف الاميركي ــ الاوروبي ــ الاسرائيلي ــ الخليجي) لممارسة المزيد من الخروقات والضغوط والابتزازات علی بلدان المنطقة و شعوبها، الامر الذي لن تسمح به ایران ولن تتساهل معه على الاطلاق، علما منها ومعها ابناء الامة الاسلامیة کافة بابعاد المؤامرة الدولية الراهنة ، وهی ترصد- بدقة - احداثياتها الحاقدة على ( محورقوى المقاومة والممانعة) ومکانتها المرموقة والشامخة في نفوس الاحرار والمناضلین والشرفاء في ارجاء الارض . وازاء ذلك فان طهران لم ولن تتردد في مطالبة انقرة بازالة منظومة الباتريوت اللصيقة بالمشاريع العدوانية و التوسعية الاطلسية ،من الحدود التركية القريبة من الاراضي السورية فورا ،حفاظا على اواصر الجيرة و الاخوة و المصالح المشتركة والتعايش الاقليمي ، وهي عناصر جوهرية واساسية لحماية العلاقات البينية الجيوسياسية ،وصيانة الامن و السلام و الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط والعالم الاسلامي.
حميد حلمي زادة