الثورة الاسلامية وأثر الإمام الخميني على التوازن الدولي في العالم

الثلاثاء ٠٣ فبراير ٢٠٠٩ - ١١:٠٢ بتوقيت غرينتش

لقد استحدثت الثورة الإسلامية التي قادها الإمام الراحل الخميني وعيا جديداً بالإسلام بعد قرن من التجاهل لدوره السياسي،ومنذ انتصار الثورة والكلام مستمر حول إنشاء نظام دولي جديد، وتحاول القوى الاستعمارية استباق الأحداث وتطويق طريق الصحوة الإسلامية، ولكن لا تراجع للإسلام عن احتلال موقعه المتقدم وتغيير موازين القوى العالمية .

الإسلام رسالة عالمية ورؤية كونية، فإذا عطل عن دوره العالمي فمعنى ذلك ليس فقط انحرافا فيه عن الخط القويم، بل معنى ذلك أيضاً أن العالم يعيش حالة من اللاتوازن، فاسحة المجال لقيام علاقات وتوازنات دولية أسّهما الرعب والخوف والظلم والعدوان والهيمنة.

وبتغييب الإسلام من الخارطة السياسية متمثلاً بسقوط الخلافة، وانهيار أخريات الدول الإسلامية العثمانية والصفوية والمغولية، التي بغض النظر عن أساليبها الجائرة والمستبدة، بقيت شوكة تمنع تكامل النظام الاستعماري الصاعد.

فتآمروا عليها منظمين رؤيتهم للقيام بذلك بما اصطلحوا عليه بــ "المسألة الشرقية" و "الرجل المريض". يقول الإمام الخميني في كتابه "الحكومة الإسلامية": "جزأ الاستعمار وطننا، وحوّل المسلمين إلى شعوب. وعند ظهور الدولة العثمانية كدولة موحدة سعى المستعمرون إلى تفتيتها.

لقد تحالف الروس والانكليز وحلفاؤهم وحاربوا العثمانيين ثم تقاسموا الغنائم كما تعلمون. ونحن لا ننكر أن أكثر حكام الدولة العثمانية كانت تنقصهم الكفاءة والجدارة والإلهية، وبعضهم كان مليئا بالفساد، وكثير منهم كانوا يحكمون الناس حكماً ملكياً مطلقاً. ومع ذلك كان المستعمرون يخشون أن يتسلم بعض ذوي الصلاح والأهلية من الناس وبمعونة الناس منصة قيادة الدولة العثمانية على وحدتها وقدرتها وقوتها وثوراتها، فيبدد كل آمال الاستعماريين وأحلامهم".

إن تغييب الإسلام، أو على الأقل تعبيراته السياسية، كان شرطاً أولاً وأساسياً لنجاح المشروع الاستعماري والامبريالي وسيادته عالمياً، إذ أصبح واضحاً الآن أن الحروب التي شنت باسم الحروب الصليبية، والتي بقي المسلمون على مبدأيتهم بتسميتها بحروب الفرنجة، كانت بدايات الخروج الاستعماري محققا انتصاره الكامل في القرنين التاسع عشر والعشرين.

فالنظام الدولي في جوهره هو النظام الاستعماري الذي هو المنظم الحقيقي لأعمال السلم والحرب، التحالف والعدوان، التبادل والمقاطعة، ولكل الأعراف الدبلوماسية وعلاقات الدول وقوانين النقد والتجارة وانتقال العلوم والخبرات والتنظيمات والقيم. فالقوانين الدولية وهرم الهيمنة الذي تعكسه، وطريقة أداء النظام الدولي ما هو في جوهر عمله وغاياته سوى التتويج الطبيعي للنظام الدولي الاستعماري الذي أسسته الدول الغربية.

فغياب الإسلام عن المسرح الدولي شرط لنجاح المشروع الاستعماري، وعودته إليه مؤذناً بنفيه وتعطيله. فالإسلام، شاء المعاندون أم أبوا هو ميزان الحق في الدنيا.. إنه دين الفطرة والنزعة العقلية الحقة. فهو يرفض العدوان أو قبول العدوان.. يرفض الظلم أو قبول الظلم انطلاقاً من مبادئه وقيمه، لا انطلاقاً من حسابات وضعية وقياسات مرحلية. فهو العقيدة الوحيدة التي لم تجعل لنفسها صنماً تعبده.

أما العقائد الأخرى فقد عبدت مرة الحجارة ومرة الحيوان.. مرة المال ومرة الفرد.. مرة العقل ومرة الهوى وغيرها. أما الإسلام فهو العبودية لله الذي "وضع الميزان" الله الذي هو الحق.. الله المنزه الذي "لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس" الذي لا غاية له فينتهي ولا آخر له فينقضي"، "هو الظاهر على الأرض بسلطانه، وهو الباطن لها بعمله، والعالي على كل شيء منها بجلاله".

هذه العبودية لله الذي هو الحق، جعلت الإسلام العقيدة الوحيدة التي لا تربط بين الإيمان بالحق وموازين القوى وحسابات الأرباح والخسائر. لذلك عندما كتب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى طواغيت زمانه يدعوهم للإسلام، ثم عندما خرج المسلمون ـ على قلتهم وضعفهم ـ ليحاربوا القوى العظمى في عصرهم، فإن ذلك لم يتم بعد امتلاك القوة المادية أو الكثرة العددية. فقد قبل الإسلام حينذاك النزال وانتصر فيه رغم أن كل الشروط الموضوعية والمادية والحربية كانت تقف بالضد من انتصارهم. فالحق والشرع عند الإسلام ليس الدفاع عن الأنا، بل الدفاع عن كلمة الله التي هي ميزان العدل بين البشر باختلاف ألوانهم ومشاربهم ومآكلهم وحضارتهم.

وخلاف ذلك حدث ويحدث في الطرف الآخر. فعندما أحست أوروبا بالضعف يدب إلى الكيان الإسلامي، بعد أن بدأت آثار استيلاء الملك العضوض تعطي آثارها السلبية في الديار الإسلامية، انقضت على الأقاليم الإسلامية الواحد تلو الآخر. فعملية جس النبض وبدء الهجوم، لم تبدأ في المشرق الإسلامي مع ما أسموه بالحملات "الصليبية"، بل بدأت في الأندلس. ففي العام 1037م بدأ ما اصطلح عليه إعادة فتحReconquista و"تنصير" الأندلس وقتل وملاحقة المسلمين واليهود على حد سواء. فنجح فرديناد كاستيل في الاستيلاء على المناطق في شمال أسبانيا والبرتغال.

وفي العام 1085م سقطت ط