«يديعوت» تنشر قصة ملاحقة أحمد الجعبري:

عامان من التخطيط حتى الاغتيال

عامان من التخطيط حتى الاغتيال
الثلاثاء ٠٩ أبريل ٢٠١٣ - ٠٨:٤٤ بتوقيت غرينتش

أشارت «يديعوت» في قصة اغتيال الجعبري إلى أن عملية «عمود السحاب» بدأت بإعلان رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال بني غانتس «بدأنا»، وبعد دقائق معدودة فقط من إحراز صورة النصر، أي اغتيال المطلوب رقم 1، القيادي القسامي احمد الجعبري من الجو، خرج غانتس من الغرفة.

وبحسب الصحيفة، فإن الجعبري (52 عاماَ) كان على رأس قائمة الاغتيالات في الجيش الإسرائيلي. ونقلت عن الرائد «ط»، المسؤول عن قسم «الإرهاب الفلسطيني» في وحدة جمع المعلومات «8200» التابعة لشعبة الاستخبارات، قوله: «استُعملت حوله جميع القدرات، تعلمنا أن نعرفه وان نفهم ما يفعله، وان نخنقه استخبارياً ببساطة».
التخطيط لسنتين عموماً كان الجعبري منذ حوالي عامين «الهدف ذو التفضيل الأعلى». أو بحسب غانتس، كما قال في المدة الأخيرة، إنه «من الخطأ الأساسي أن نقول إن اغتيال الجعبري تم في الـ14 من تشرين الثاني العام 2012. ففي ذلك الوقت نُفذ الاغتيال الفعلي نفسه فقط، لكنه كان مستهدفاً قبل ذلك بزمن طويل. وقد انتظرنا فقط الوقت المناسب والمصادقة».
ووفقاً لتحقيق «يديعوت» فإن الذي «حافظ» على الجعبري حياً ومنع اغتياله، هو الجندي الإسرائيلي لدى حماس جلعاد شاليت، فقد اعتبرت "إسرائيل" الجعبري المسؤول عن اختطاف شاليت في 25 حزيران العام 2006، واحتجازه طوال خمس سنوات. وخلال تلك الفترة، امتنع الجيش عن المس بالجعبري خشية على حياة شاليت، لكن كان واضحاً أن حصانة القيادي في حماس ستزول منذ لحظة الإفراج عن الجندي الإسرائيلي.
وبحسب الصحيفة فإن الجعبري كان يعلم انه يعيش في وقت مستقطع وتصرف على هذا الأساس. ويقول الرائد ط، «نجا في الماضي من اغتيال، كان شكاكاً وكان يعلم جيداً بأن الجيش الإسرائيلي يتعقبه. وتصرف كمطلوب على نحو قاطع فسكن عدة بيوت. ولم يسافر وحده في سيارة بل مع أشخاص اعتمد عليهم فقط. ولم يخرج لتناول الطعام في المطاعم بل جلب الطعام إلى بيته. واعتمد حقاً على حلقة ضيقة فقط من المساعدين المقربين. وقد علمنا انه حين يفعل أحد أولئك المقربين شيئاً ما، فإن ذلك يتصل بالجعبري».
وفي يوم الأربعاء 14 تشرين الثاني العام 2012، قبل الساعة الرابعة بعد الظهر بخمس دقائق بالضبط، بلغ سباق تملص الجعبري نهايته. فقد أطلقت طائرة إسرائيلية النار على السيارة التي كان يستقلها في مركز مدينة غزة. ولقي الجعبري وسائقه مصرعيهما، وانطلقت عملية «عمود السحاب» إلى وجهتها.
وكشف «ملحق السبت» التابع لـ«يديعوت» للمرة الأولى عن الشبكة التي حيكت في الجيش الإسرائيلي والأذرع الاستخبارية حول الجعبري، وما حدث في الـ48 ساعة الحاسمة التي سبقت اغتياله.
الجسم الذي ركّز وحلل في السنوات الأخيرة كميات من المواد الاستخبارية، التي جمعتها أجهزة جمع المعلومات المختلفة عن الجعبري، هي الدائرة الفلسطينية في قسم البحث التابع لشعبة الاستخبارات العسكرية «أمان». ويشرح المقدم زيف من قسم البحث أنه «لم يكن الجعبري فقط رئيس أركان حماس، بل كان أكثر من ذلك، كان في المنتصف بين المستوى العسكري للمنظمة والمستوى السياسي لها. وقد سيطر بشكل جيد جداً على الذراع العسكرية، لكنه كان ذا صلة أيضاً بالقيادة السياسية، فهاتان الذراعان لا تنفصلان عن بعض».
ويضيف زيف «بدأت حركة حماس بعد السيطرة على قطاع غزة فوراً تقوية عناصر الحكم. وكان شعور حماس بأنها قادرة على القيام بالإدارة والإرهاب أيضاً. وحطمت عملية الرصاص المسكوب في العام 2008 هذا التصور، وبدأت الحركة تقوي المجال السياسي. ولاحظ الجعبري هذا التوجه، وبدأ يقترب من الجناح العسكري فبنى لنفسه تأثيراً كبيراً في الاتجاهين العسكري والسياسي».
غير أن الزمن يفعل فعله، وأخذ الردع الإسرائيلي الذي حوفظ عليه منذ عملية «الرصاص المسكوب» يضعف. ويشرح أحد كبار المسؤولين في سلاح الجو «غدت جولات التصعيد في السنتين 2011 و2012 أكثر عنفاً من جهة كمية إطلاق الصواريخ ومداها والأهداف. أدركنا انه يجب علينا أن نحطم هذا الرسم البياني، وكان واضحاً أننا نتجه إلى عملية أساسها معركة جوية مهمة تضرب مخزونات القذائف الصاروخية ووسائل القتال. وعلمنا أيضاً أن إصابة محاور اتخاذ القرارات والقيادة تؤثر جداً في العدو، وعلى حسب ذلك تم التخطيط لعمود السحاب».
ويشير هذا الضابط إلى أن «الجعبري كان مستهدفاً بشكل عام. وظهر اسمه في خطة أدراج عمود السحاب إلى جانب أسماء أخرى. وفي الـ48 ساعة بين يوم الاثنين ويوم الأربعاء الذي بدأت فيه العملية، بُذلت جميع الجهود الاستخبارية للبحث عن فرصة اغتياله، أو اغتيال مسؤولين كبار آخرين»، والحديث كان يدور عن قادة ألوية في «كتائب القسام».
ويقول المقدم زيف إنه «بحسب جولات التصعيد التي سبقت استقرار الرأي على عملية عمود السحاب، علمنا أن حماس تتجه إلى الإرهاب مرة أخرى، سألونا: كيف يمكن أن نفاجئ حماس؟ وكان اسم الجعبري منذ زمن على الطاولة».
وفي تلك المرحلة عُرض على قسم البحث سؤالان وصل الجواب عنهما إلى طاولة رئيس الوزراء. السؤال الأول: كيف سترد حماس على اغتيال الجعبري؟ هل تطلق صواريخ على تل أبيب أم تستمر بالإطلاق إلى نفس المدى؟
والسؤال الثاني: كيف سيؤثر اغتيال الجعبري في حركة حماس على المدى البعيد؟
تكشف النقيب عدي، وهي أيضاً من قسم الأبحاث أنه «في الجواب عن السؤال الأول عرضنا عدة سيناريوهات رد محتملة من حماس شملت إطلاق صواريخ أيضاً على مركز الدولة. ومقابل تقدير قسم الأبحاث بأن اغتيال الجعبري قد يفضي إلى إطلاق الصواريخ على غوش دان، بحثوا في الجيش الإسرائيلي وفي المؤسسة الأمنية الكلفة في مقابل الفائدة. وكان الذي رجح كفة الاغتيال عملية القضاء على مخزونات القذائف الصاروخية بعيدة المدى لحماس التي خُطط لتنفيذها بعد اغتيال الجعبري فوراً، والاعتماد أيضاً على قدرات منظومة القبة الحديدية».
ويقول المقدم زيف «إن جواب السؤال الثاني أكثر تعقيداً، صحيح أن الجعبري عامل مهم جداً في حركة حماس لكنها تستطيع تحمل غيابه. ومنذ اغتيال زعيم الحركة أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي الذي حل محله، أدركوا في حماس انه لا يمكن أن يكون كل شيء في يد إنسان واحد.
وأصبحت البنية الحاكمة أشبه بهرم مقطوع الرأس ليس طرفه الأعلى شخصاً واحداً، بل أربعة أو خمسة من كبار المسؤولين. وكان الجعبري واحداً من أولئك الكبار إلى جانب أسماء مثل نزار عوض الله، ومحمود الزهار وخليل الحية. وبرغم ذلك، كان التقدير أن اغتياله سيسبب زعزعة شديدة في الحركة وشعوراً بالتغلغل الاستخباري، وتجديد الردع الذي ضاع بعد الرصاص المسكوب».
ويوضح مسؤول كبير في هيئة الأركان، كان مطلعاً على سر التخطيط، أنه «لم نكن نفكر قبل الخروج إلى عمود السحاب بـ48 ساعة، في أن خيار اغتيال الجعبري سيدخل اللعبة. حينما بدأ التداول في العملية، لم يظهر اسم الجعبري باعتباره هدفاً للعمليات.
وقال رئيس الأركان: ثمة حاجة إلى ضربة افتتاحية»، في إشارة إلى عدد من كبار المسؤولين في الرتب الميدانية، وبمقدار ضئيل أي اثنين وثلاثة من كبار المسؤولين. واعتقدنا انه ستكون جولة تصعيد قوية كما في الماضي، وكان المنطق أن جميع رؤساء المنظمة سيكونون متحصنين عميقاً تحت الأرض. وحينذاك أُتيحت الفرصة الاستخبارية للوصول إلى الجعبري. وأعلن كل من أمان والشباك، أنهما قادران على فعل ذلك وانه يمكن حصد ثمرات عمل مجهد جداً استمر سنتين».
وأوصى «الشاباك» بأن تكون ضربة بدء عملية عمود السحاب هي اغتيال الجعبري، والتزم بأن يقدم جميع المعلومات المطلوبة لإنشاء صورة استخبارية دقيقة كاملة تفضي إلى اغتياله الناجح مع أقل عدد من الإصابات، ومعلومات جُمعت لمدة سنين وأخرى تم الحصول عليها في وقتها الحقيقي.
في المداولات المغلقة التي ظهر فيها للمرة الأولى اسم الجعبري في سياق عملية «عمود السحاب»، كان يجلس مع غانتس أيضاً رئيس «أمان» الجنرال أفيف كوخافي، ورئيس شعبة التخطيط الجنرال نمرود شيفر، ورئيس شعبة العمليات الجنرال يوآف هار ـ إيفن، ورئيس فريق الجو في سلاح الجو العميد عميكام نوركين، ومتحدث الجيش الإسرائيلي العميد يوآف (بولي) مردخاي، ورئيس مكتب رئيس هيئة الأركان المقدم ييكي غولف. وكان قائد سلاح الجو، الجنرال أمير إيشل، في رحلة عمل إلى الولايات المتحدة.
ويتذكر ذلك المسؤول الكبير، الذي شارك في المداولات، أنه «حينما وضع اسم الجعبري على الطاولة كان رد الفعل الغريزي لرئيس الأركان يقول بأن خطوة متقدمة إلى الأمام ولا يصح قتله. وقال وقتها: إن بداية كهذه لن تفضي إلى جولة (أخرى)، بل ستقودنا إلى مكان آخر». ويضيف المسؤول «لكنه برغم ذلك لم يُسرع إلى رفض هذا الاحتمال رفضاً باتاً. وكان واضحاً لجميع حضور المداولات أن الكلمة الأخيرة في هذا الشأن لم تُقل بعد».
وخرج رئيس الأركان من المداولات ليتشاور على انفراد مع رئيس «الشباك» يورام كوهين، ومع قائد الجبهة الجنوبية تال روسو، ومع الجنرال أفيف كوخافي، آملا الحصول على أجوبة عن الأسئلة التالية، فهو «أراد أن يعلم ما هي النار التي سيشعلها هذا الاغتيال: هل سيقف الأمر عند العملية أم يفضي إلى احتلال غزة من جديد. وأجرى بعد ذلك مشاورات بهذا الشأن أيضاً مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع آنذاك إيهود باراك»، وفقاً للمسؤول.
كان الضغط على رئيس الأركان من أجل العمل كبيراً جداً. وفي الأسبوعين الأخيرين انفجرت ثلاثة ألغام عند الأسلاك الشائكة الحدودية، وكان واضحاً انه لا يمكن الامتناع عن الخروج في عملية تعيد للجيش الإسرائيلي قدرة الردع. وقبل ذلك بأسبوع عرض رئيس الأركان على المجلس الوزاري السياسي الأمني المصغر خطة عملية اشتملت على إنجاز كبير في المرحلة الأولى، وعلى هجوم جوي بعد ذلك. وعُرض الإنجاز المخطط له في بدء العملية على المجلس الوزاري المصغر بصفة اغتيال، ولكن من دون ذكر اسم ما، فقد قيل في العرض على المجلس الوزاري المصغر إنهم «مسؤولون كبار من حماس».
في فراش الجعبري
في نهاية المشاورات، وبعد تلقي تقدير قسم البحث من «أمان» عن التأثيرات المحتملة للعملية، أصدر نتنياهو وباراك موافقة مبدئية على اغتيال الجعبري. أما قرار تنفيذ الاغتيال بالفعل، كما تقرر، فاتخذه رئيس الأركان فقط، وهو الذي يملك الصورة كاملة، أي استعداد القوات واستعداد بطاريات «القبة الحديدية»، واستعداد الجبهة الداخلية، ومعطيات حالة الجو وغير ذلك. واتخذ غانتس قراراً، وقال «سننتظر الجعبري يومين، إلى ظهر يوم الأربعاء، فإذا لم نجده حتى ذلك الحين فإن الأمر سيطول كثيراً. وفي هذه الحال سنبدأ العملية باغتيال اثنين أو ثلاثة من كبار المسؤولين برتب ميدانية».
وفي مقر قيادة سلاح الجو في الكرياه في تل أبيب، كان يجلس رئيس فريق جوي هو العميد نوركين وهو الشخص الذي أدار في واقع الأمر عملية الاغتيال. وقد مكث في المقر 48 ساعة متصلة منذ تمت الموافقة على اغتيال الجعبري، وكان سيبقى هناك أيضاً في الـ24 ساعة الأولى من «عمود السحاب». وفي مقر «الشاباك» فتحت غرفة عمليات خاصة للعملية مشغولة بالعاملين لـ24 ساعة يومياً.
ووجهت إلى غرفة العمليات كل المعلومات حيث نُقحت وحُللت هناك قبل أن تُنقل إلى متخذي القرارات.
وتابع رئيس الأركان ما يجري من مكتبه في الطابق 14 في الكرياه مشغولاً بالموافقة على الخطط لاستمرار عملية «عمود السحاب» التي لم تبدأ بعد. وأضاء رئيس مكتبه المقدم دولف من أجله شاشتين بُثت عليهما الصور التي أُرسلت من الطائرة الاستخبارية، وهكذا كان باستطاعة غانتس رؤية البيت الذي يتواجد فيه الجعبري في الوقت المناسب، بحسب المعلومات الاستخبارية.
وفي ذلك الوقت، كان نتنياهو وباراك في جولة على الحدود الشمالية وفي منطقة هضبة الجولان، كانت قد تقررت مسبقاً للوقوف من قريب على التطورات في الساحتين السورية واللبنانية. وتقرر في إطار صرف الانتباه، عدم إلغاء الجولة، ولم يتوجه الرجلان إلى البئر في تل أبيب، بل استمرا في جدول عملهما المعتاد. وبقي قائد سلاح الجو، الذي كان يفترض أن يدير عملية الاغتيال في الولايات المتحدة، بعدما طلب منه غانتس ذلك حتى لا تثير عودته العاجلة تساؤلات.
بلغ التوتر ذروته في مقر قيادة سلاح الجو. «هدوء، وصمت، إن عيون الجميع مركزة على العميد نوركين»، قال أحد الحضور.
وبحسب المسؤول الكبير، فإنه في حوالي الساعة الثالثة ظهراً كانت جميع الدلائل تُبين أننا بدأنا نصل إلى الهدف. وانحصرت المعلومات في البيت الذي تحلق فوقه الطائرة الاستخبارية والسيارة التي يفترض أن يدخلها الجعبري. وتمر الدقائق ولا ذكر للجعبري. وبدأت الأعصاب تتوتر أيضاً في مكتب رئيس الأركان. وقبل الساعة الرابعة ظهراً بخمس دقائق ظهر أشخاص على الشاشتين. كان الجعبري يخرج من المبنى ويدخل السيارة، وصادق الشاباك والعاملون في الوحدة 8200 على ذلك بقولهم: «هذا الجعبري. يوجد أدلة دامغة». ومن ثم أبلغ المقدم دولف رئيس هيئة الأركان والمسؤولين الكبار قربه في المكتب، قائلاً «خرج، لنُطبق عليه». ولم يتردد العميد نوركين في مقر القيادة الجوية فأمر بالعملية، قائلاً «نفذ».
يُطلق الصاروخ وتصاب السيارة. وما يزال في مقر القيادة الجوية هدوء متوتر والعيون جميعاً مصوبة باتجاه الشاشات، من دون حتى صيحات ابتهاج، فالجميع ينتظر معلومات استخبارية عن الأرض.
هل أصيب الجعبري حقا؟ وهل كانت تلك هي السيارة الصحيحة؟ وإن لم تكن كذلك، فهل هو موجود في سيارة أخرى ويجب اتخاذ قرار مهاجمتها أيضاً؟، بحسب ما يشرح المسؤول.
وفي غضون دقائق معدودة سُلم الجواب، تم اغتيال رئيس أركان حماس أحمد الجعبري.

 

تصنيف :
كلمات دليلية :