"إسرائيل" تسخر من كل العالم: محمد الدرة لم يُقتَل!

الثلاثاء ٢١ مايو ٢٠١٣ - ٠٨:٢٠ بتوقيت غرينتش

بعد 13 عاما من استشهاد الطفل محمد الدرة، في مطلع الانتفاضة الثانية، تخرج ماكنة الدعاية الاسرائيلية بتقرير رسمي، لا يبرئ جنودها من جريمة القتل فحسب، كما في كل تقاريرها العسكرية التي برأت فيها نفسها من جرائم قتل الفلسطينيين، لا بل تصل بها السخرية حد الزعم على رؤوس الأشهاد بأن محمد الدرة لم يمت، وان الشريط الاخباري الذي بثته قناة "فرانس2" في حينه كان شريطاً تمثيلياً، وبدون أي خجل، تقف غالبية الصحف الاسرائيلية، كالعادة، في طابور المصفقين وتنشر عناوين بالبنط العريض على صفحات اعدادها الصادرة أمس الاثنين 20 أيار 2013، تبشر فيها بأن "محمد الدرة بقي على قيد الحياة".

وباستثناء الصحفي براك ربيد الذي لم يجد في التقرير الاسرائيلي ما يثبت بقاء الدرة على قيد الحياة، وسخر من التقرير الطبي المرفق، واصفا صاحبه بالناقد السينمائي وليس بالطبيب الشرعي، خرج عدد من الصحفيين والكتبة في "معاريف" و"يسرائيل هيوم" للتهريج والرقص معتبرين ان "اسرائيل" فندت ما اسموه "فرية الدم".
وسعت لجنة التحقيق الرسمية لإعادة تحليل شريط الصور لتعلن أن الشريط ينتهي بالطفل حياً: يرفع رأسه وذراعه، يحرك يده على وجهه وينظر إلى البعيد. وقد رأى العالم كله الشريط، ولم ير ما رآه الإسرائيلي.
وكان استنتاج العالم مغايراً للاستنتاج الإسرائيلي، لكن ذلك لم يمنع اللجنة من القول إنه «لا توجد شهادة على مقتل الطفل»، ولأن اللجنة «موضوعية جداً فإنها لا تستطيع تحديد المسؤول عن مقتل الدرة لسبب بسيط، وهو أنها لا تعرف أنه قُتل».
وقال مسؤول اللجنة يوسي كوبرفيسر لـ«يديعوت أحرونوت» إن الدرة «قد يكون مات لاحقاً، لكن أي إسرائيلي لم يطلق النار عليه». وبحسب اللجنة الإسرائيلية فإن الصور لا تظهر أي بقعة دم تحت الطفل المصاب، وهو ما يشكل دلالة على أنه لم يصب.
ووفقاً للجنة فإن المراسل الفرنسي شارل أندرلان، الذي نشر صور المصور الفلسطيني طلال أبو رحمة، قام باقتطاع المشاهد الأخيرة التي يبدو الطفل الدرة حياً فيها، وذلك لغرض الإثارة. لكن المراسل الفرنسي سخر من التحقيق الإسرائيلي معلناً أن اللجنة «الموضوعية» لم تتصل به لتسأله رأيه.

أما جمال الدرة، والد محمد، فأعلن استعداده لإعادة فتح قبر ابنه في مقبرة الشهداء في مخيم البريج في قطاع غزة لإثبات أكاذيب "إسرائيل". وأكد أن طفله قتل يومها وهو إلى جانبه وفي حضنه.
وتأتي محاولة "إسرائيل" نسف قضية الدرة في إطار فهمها بأن صور الدرة شكلت تبريراً ودافعاً للعديد من العمليات الاستشهادية ضد إسرائيليين. وقد جرت محاولة إسرائيلية مشابهة لنسف الوقائع حول مجزرة مخيم جنين التي جرت بعد استشهاد الدرة بعامين تقريباً.

وصحيفة "يديعوت احرونوت" التي هللت للتقرير الاسرائيلي كتبت بالبنط العريض على صفحتها الرابعة عنوانا تبنت فيه الرواية الاسرائيلية دون أي تحفظ، وبلهجة المتأكد جاء في عنوانها ان "الفيلم يثبت: "محمد الدرة ما زال حياً"، ومثلها فعلت "معاريف" التي تبنت على صدر صفحتها الاولى التقرير الحكومي الذي يزعم ان "الطفل محمد الدرة شوهد حياً بعد اطلاق النار"، ومثلها فعلت "يسرائيل هيوم" التي كرست هي الأخرى عنوانها الرئيسي للموضوع وكتبت على صدر صفحتها الاولى "رسميا: الجيش الاسرائيلي لم يقتل الدرة".
وأما "هآرتس" فلم تختلف في عنوانها عن بقية الصحف في تبني الرواية الاسرائيلية حيث توجت الخبر بعنوان "الطفل محمد الدرة لم يصب بتاتا بالنيران"، لكن الفارق بين "هآرتس" وبقية الصحف، ان هآرتس نشرت تحليلا للصحفي براك ربيد يسخر فيه من نتائج التقرير، بينما نشرت بقية الصحف مقالات تهلل وتحرض على الفلسطينيين والقناة الفرنسية، وتدافع عن "اسرائيل"، كالعادة، زاعمة ان اتهامها بقتل الدرة ليس الا فرية دموية.

ولا يمكن بأي حال من الأحوال التشكيك بأن التقرير الرسمي للحكومة الاسرائيلية كان يمكن أن يأتي بأي نتائج مغايرة لما ورد في التقرير، اذا اخذنا في الاعتبار تركيبة اللجنة المؤلفة بكاملها من ممثلين للأجهزة الامنية والسياسية المكلفة الدفاع عن "اسرائيل" وتبرير روايتها لكل ما يتعلق بالصراع الاسرائيلي – الفلسطيني. وحتى عندما يشير التقرير الى الاستعانة بـ"خبراء خارجيين"، يتبين من التوضيح في الهامش ان هؤلاء الخبراء هم ممثلو ديوان رئيس الحكومة، وزارة الخارجية، وزارة الشؤون الاستراتيجية، وزارة الاعلام والجاليات اليهودية، الناطق العسكري وشرطة "اسرائيل".
وعلى رأس هذا الطاقم وقف في حينه وزير الامن الاسرائيلي، الجنرال موشيه يعلون، (وزير الشؤون الاستراتيجية في حينه)، والمدير العام للوزارة يوسي كوفرفاسر، الذي كان ضابطا للمخابرات في قيادة لواء المنطقة الوسطى، وشغل منصب رئيس شعبة الابحاث في جهاز الاستخبارات العسكرية، ويقود منذ 13 سنة الحملات الاعلامية الاسرائيلية ضد الفلسطينيين.

وامام هذه الحقائق، ليس من المستهجن أن يأتي التقرير الاسرائيلي الرسمي على هذه الصورة كي يوفر لنتنياهو فرصة اخرى لترديد شعاره الممجوج الذي يتهم الفلسطينيين والعالم بأنهم يقودون "حملة لانتزاع شرعية" "اسرائيل"، ومنح الوزير يوفال شطاينتس، فرصة "التمتمة ببعض الكلمات عن "فرية الدم"،" كما يكتب براك ربيد.
ويتضح من تفاصيل التقرير الاسرائيلي رغبة اسرائيلية بتثبيت مزاعمها بتعرضها الى فرية دموية كانت سببا، برأيها، لكثير من العمليات التي استهدفت "اسرائيل" او جهات يهودية في العالم، ومنها على سبيل المثال ما تسميه "التنكيل بجنودها في رام الله" والعملية التي نفذها محمد مراح في عام 2012 في مدينة تولوز الفرنسية.

المزید من الصور