"أخطاء الغرب في فلسطين"

الخميس ١٩ فبراير ٢٠٠٩ - ٠٣:٠٤ بتوقيت غرينتش

يبدو أننا، وللمرة الثانية، على عتبة موسم جديد سيحاول فيه الغرب بقيادة الولايات المتحدة، تطبيق الرؤيا التي ترفض التحقق والخاصة بقيام "دولتين تعيشان في منطقتنا جنبا إلى جنب وبسلام وأمن".

هل يفترض بنا ثانية اختبار تلك السطحية المثيرة للاستياء من جانب ممثلي الغرب والمتحدثين باسمه الذي لا يحضّرون جيدا واجباتهم المنزلية، بخاصة في كل ما له علاقة بالجانب الفلسطيني؟ وهل نجح الغرب، في نهاية المطاف، في إدراك مدى الأهمية النسبية التي يجب أن ننظر بها إلى أبو مازن ورجاله؟

هل يفهم الغرب أنه إذا كان قد قرر الغوص في أعماق المجتمع العربي الفلسطيني من أجل العثور على محاور يتكرم في اللحظة المناسبة بالتوقيع على اتفاق سلام مع إسرائيل، فإن ذلك الغوص قد ينتهي إلى خيبة أمل كبيرة والمخاطرة بإشعال المنطقة من جديد؟

هذا الغرب مصاب بعطب تقليدي لناحية فهمه وترجمته لثلاثة مواضيع مركزية في النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني هي:
أولا: من يمثل سكان المناطق؟

إذا سألنا اليوم سكان "المناطق" البالغ تعدادهم ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة عن مصدر الصلاحيات (المرجعية بالعربية) الذي يمكنه اتخاذ القرارات نيابة عنهم، فمن شبه المؤكد أن لا يكون أي منهم قادرا على ذلك. البعض سيقول إن من يفترض به أن يمثلهم هو المجلس الوطني الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي لم يجتمع منذ سنوات طويلة، وبعض آخر سيشير إلى أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أو إلى اللجنة المركزية لحركة "فتح".

أما في قطاع غزة فمن المحتمل أن يشير البعض إلى "مجلس الشورى" (مجلس كبار علماء الدين التابع لحركة حماس) او أن يوجهوا السائل إلى المكتب السياسي لحركة حماس المقيم في دمشق.

الغرب - ومن ضمنه إسرائيل - يختار الطريق الأسهل، فهو يعتبر السلطة الفلسطينية المضروبة والفارغة، مصدر الصلاحية الوحيد المؤهل لإجراء مفاوضات للتوقيع على اتفاقات والالتزام بتنفيذها والحفاظ عليها. وهنا، بالضبط، الخطأ الذي لا يزال يتكرر. ففي المناطق، ربما ما خلا المؤيدن المقربين من أبو مازن، لا يعتبره أحد مصدر الصلاحيات.

وفي الغالب فإن السلطة الفلسطينية تعتبر جسما لا يمثل أحدا، وهو على قيد الحياة، جراء عمليات تنفس اصطناعي على امتداد سنوات طويلة، بهدف تأهيله إلى حين تلوح لحظة التوقيع على اتفاق مريح للغرب وإسرائيل. ففي مقابل بضع مئات من آلاف الدولارات (أو اليورو) التي تحول إليه من وقت لآخر، ومقابل إطلاق سراح عشرات الأسرى الذين ينقلون إلى مقره في المقاطعة في رام الله، ومقابل بضع عشرات من البطاقات التي توزع على من يعتبرون شخصيات مهمة...مقابل ذلك كله، يحتفظ بالرئيس الفلسطيني خطأ كمن يمثل الفلسطينيين.

ويخطئ الغرب أيضا بالنسبة إلى السؤال عما إذا كان المجتمع الفلسطيني منقسما على نفسه حقا بين مؤيدين لمنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح (العلمانيين) وبين مؤيد لحركة حماس (المتدينين).

المجتمع الفلسطيني كان وسيبقى منقسما على نفسه، وكل المحاولات لتقديمه كمجتمع موحد منيت بالفشل. إنه منقسم على نفسه بين سكان الضفة الغربية، من جهة، وسكان قطاع غزة، من جهة أخرى، وبين رجال منظمة التحرير الفلسطينية في الخارج وعشرات آلاف المنفيين الذين عادوا إلى المناطق المحتلة عقب اتفاق أوسلو، وبين رجال منظمة التحرير الفلسطينية داخل المناطق ذاتها (القيادة التي نشأت ونمت هناك).

لكن الموضوع المركزي الذي ينقسم حوله هذا المجتمع هو ما الذي يجب أن يتقدم على الآخر: عودة اللاجئين أم استعادة الأراضي؟
إن معظم سكان مناطق الجبل، على سبيل المثال أولئك المقيمين في نحو 450 قرية بالضفة الغربية الذي لم يختبروا في أي وقت المنفى الفلسطيني، يهمهم أمر واحد فقط: استعادة أراضيهم التي سلبت منهم عقب البناء المكثف للمستوطنات في الضفة الغربية.
لذا فإنهم يعتبرون تفكيك تلك المستوطنات البند الأول والأساس في كل اتفاق مستقبلي.

في المقابل فإن النصف الثاني من الجمهور الفلسطيني المقيم في مخيمات اللاجئين (ومن ضمنه قيادة منظمة التحرير) يرى، بالطبع، في عودة اللاجئين أمرا مركزيا في أي اتفاق. بالتالي فالسؤال هو: هل ان الغرب يدرك فعلا وجود هذين المجتمعين المنفصلين؟

والموضوع الثالث الذي لدى الغرب فهم خاطئ له هو: هل ان المنطقة ناضجة أصلا للتوصل إلى اتفاق سلام؟
الجواب، بالطبع: لا.

إن حقيقة أن إدارة أميركية جديدة، مع رئيس جديد نشط وطموح، لا تعني أنها قادرة على إنضاج الأطراف للتوصل إلى اتفاق. أكثر من ذلك، إذا كان الرئيس أوباما عازما على السير في المسار المعروف، ذاك الذي شقه له من سبقوه في سدة الرئاسة، فمن المشكوك فيه أن ينجح في اكتشاف العقبة الحقيقية التي تحول دون إجراء نقاش حقيقي وثاقب في الموضوع الشرق أوسطي، أي عدم وجود قيادة حقيقية في أوساط الفلسطينيين وانعدام وجود تمثيل حقيقي لهذا المجتمع.

في هذا السياق يخشى من أن كل محاولة لإلزام الطرفين بالتوصل إلى اتفا