في ذكرى رحيل بطلة كربلاء السيدة زينب عليها السلام

في ذكرى رحيل بطلة كربلاء السيدة زينب عليها السلام
السبت ٢٥ مايو ٢٠١٣ - ٠٩:٥٤ بتوقيت غرينتش

يصادف الخامس عشر من رجب، ذکری رحيل صاحبة الرسالة الحسينية وبطلة کربلاء عقيلة الهاشميين السيدة زينب عليها السلام، انها حفيدة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبنت الإمام علي بن ابي طالب وسيدة نساء العالمين، فاطمة الزهراء(عليهما السلام)، وأُخت الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام)، وعمّة الإمام زين العابدين(عليه السلام).

والحديث عن حياة العقيلة زينب سلام الله عليها يعني الحديث عن التضحية والصبر والمقاومة والايمان  والتي کان لها کل ذلك الدور العظيم في کربلاء الطف.
فلقد أطلّت السيّدة زينب عليها السّلام على الدنيا في الخامس من شهر جمادى الأولى في السنة الخامسة للهجرة، في بيت أذن اللهُ أن يُرفع ويُذكر فيه اسمُه، وفتحت الوليدة المباركة عينيها تتطلّع إلى وجوه أكرمها ربّ العزّة عن أن تسجد لصنم قطّ، مُتسلسلةً في أصلاب الطاهرين وأرحام المطهّرات.
ونُقل عن الإمام الحسين عليه السّلام أنّه كان إذا زارته زينب عليها السّلام، يقوم إجلالا لها، وكان يُجلسها في مكانه.


کما وذكر أهل السِّير أنّ العقيلة زينب عليها السّلام كان لها مجلس خاصّ لتفسير القرآن الكريم تحضره النساء، وليس هذا بمُستكثر عليها، فقد نزل القرآن في بيتها، وأهل البيت أدرى بالذي فيه، وخليق بامرأة عاشت في ظِلال أصحاب الكساء وتأدّبت بآدابهم وتعلّمت من علومهم أن تحظى بهذه المنزلة السامية والمرتبة الرفيعة..


نعم فقد وصفها الشيخ المامقانيّ في ( تنقيح المقال ) في معرض حديثه في السيّدة زينب عليها السّلام: زينب، وما زينب! وما أدراك ما زينب! هي عقيلة بني هاشم، وقد حازت من الصفات الحميدة ما لم يَحُزْها بعد أمّها أحد، حتّى حقّ أن يُقال: هي الصدّيقة الصغرى، هي في الحجاب والعفاف فريدة، لم ير شخصها أحد من الرجال في زمان أبيها وأخويها إلى يوم الطفّ، وهي في الصبر والثبات وقوّة الإيمان والتقوى وحيدة، وهي في الفصاحة والبلاغة كأنّها تُفرغ عن لسان أمير المؤمنين عليه السّلام كما لا يَخفى على مَن أنعم النظر في خُطبتها.


وأشبهت عقيلة بني هاشم عليها السّلام أمَّها سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السّلام في عبادتها، فكانت تقضي ليلها بالصلاة والتهجّد، ولم تترك نوافلها حتّى في أحلك الظروف وأصعبها، فقد روي عن الإمام زين العابدين عليه السّلام أنّه قال إنّ عمّته زينب ما تركت نوافلها الليليّة مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقهم إلى الشام.


إن حياة السيدة زينب (ع) كانت بمثابة إعداد وتهيئة للدور الأكبر الذي ينتظرها في هذه الحياة، كانت لإعدادها سلام الله عليها لتؤدي امتحانها الصعب ودورها الخطير في نهضة أخيها الحسين (ع) بكربلاء.


وما كان للسيدة زينب (ع) أن تنجح في أداء ذلك الامتحان، وممارسة ذلك الدور، لو لم تمتلك ذلك الرصيد الضخم من تجارب المقاومة والمعاناة، ولو لم يتوفر لها ذلك الرصيد الكبير من البصيرة والوعي.
 

فواقعة كربلاء تعتبر من أهم الأحداث التي عصفت بالأمة الإسلامية بعد رسول الله (ص).
وكان للسيدة زينب (ع) دور أساسي ورئيسي في هذه الثورة العظيمة، فهي الشخصية الثانية على مسرح الثورة بعد شخصية أخيها الحسين (ع).
كما أنها قادت مسيرة الثورة بعد استشهاد أخيها الحسين (ع) وأكملت ذلك الدور العظيم بكل جدارة.


لقد أظهرت كربلاء جوهر شخصية السيدة زينب (ع)، وكشفت عن عظيم كفاءاتها وملكاتها القيادية، كما أوضحت السيدة زينب للعالم حقيقة ثورة كربلاء، وأبعاد حوادثها..


وتُسمّى العقيلة زينب سلام الله عليها أمَّ المصائب، وحقّ لها أن تُسمّى بذلك، فقد شاهدت مصيبة جدّها رسول الله صلّى الله عليه وآله، ومحنة أمّها فاطمة الزهراء سلام الله عليها، ثمّ رحيها مظلومة، وشاهدت مقتل أبيها الإمام عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه، ثمّ شاهدت محنة أخيها الحسن سلام الله عليه ثمّ قَتْله بالسمّ، وشاهدت أيضا المصيبة العظمى، وهي قتل أخيها الحسين عليه السّلام وأهل بيته، وقتل ولداها عَونٌ ومحمّد مع خالهما أمام عينها، وحُملت أسيرة من كربلاء إلى الكوفة، وأُدخلت على ابن زياد في مجلس الرجال، وقابلها بما اقتضاه لُؤمُ عنصره وخِسّة أصله من الكلام الخشن الموجع وإظهار الشماتة المُمضّة.

 

أخذ أهل الكوفة ينوحون ويبكون، فقال حذلم بن ستير: ورأيت زينب بنت علي(عليهما السلام)، فلم أرَ خَفِرة (عفيفة) قطّ أنطق منها، كأنّها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين(عليه السلام)، وقد أومأتْ إلى الناس أن اسكتوا، فارتدّتْ الأنفاس، وسكتتْ الأصوات، فقالت: «الحمد لله والصلاة على أبي رسول الله، أمّا بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والخذل، فلا رقأت العبرة، ولا هدأت الرنّة، فما مثلكم الا كالتي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثا، تتّخذون أيمانكم دخلا بينكم، ألا وهل فيكم إلا الصلف النطف..


ثم حُملت أسيرة من الكوفة إلى ابن آكلة الأكباد بالشام، بناء على طلب من يزيد بن معاوية، ورأس أخيها ورؤوس ولديها وأهل بيتها وباقي اصحاب الحسين، أمامها على رؤوس الرماح طول الطريق، حتّى دخلوا دمشق على هذه الحالة، وأُدخلوا على يزيد في مجلس الرجال وهم مُقرّنون بالحبال، فعندما دخلوا على يزيد دعا برأس الحسين (عليه السلام) فوضع بين يديه، وأخذ ينكث ثنايا الإمام الحسين (عليه السلام) بقضيب خيزران، فقامت (عليها السلام) له في ذلك المجلس، وخطبت قائلة: «الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على رسوله وآله أجمعين... أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نُساق كما تُساق الأُسراء، أنّ بنا على الله هوانا، وبك على الله كرامة، فشمخت بأنفك، ونظرت إلى عطفك حين رأيت الدنيا ستوثقا حين صفا لك ملكنا وسلطاننا، فمهلا مهلا نسيت قوله تعالى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)، ثمّ تقول غير متأثم:
                  فأهلّوا واستهلّوا فرحاً ** ثمّ قالوا يا يزيد لا تشل


متنحيا على ثنايا أبي عبد الله سيّد شباب أهل الجنّة تنكتها بمخصرتك، وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشافة بإراقتك دماء الذرّية الطاهرة، وتهتف بأشياخك لتردن موردهم، اللّهم خذ بحقّنا وانتقم لنا من ظالمنا، فما فريت إلا جلدك، ولا حززت إلا لحمك، بئس للظالمين بدلا، وما ربّك بظلام للعبيد، فإلى الله المشتكى وعليه المتّكل، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، والحمد لله الذي ختم لأوّلنا بالسعادة ولآخرنا بالشهادة، ويحسن علينا الخلافة، إنّه رحيم ودود».


فسلام الله عليكِ يا عقيلة الهاشميّين يوم وُلدتِ، ويوم التَحقتِ بالرفيق الأعلى، ويوم تُبعثينَ حيّة فيوفّيك اللهُ تبارك وتعالى جزاءك بالكأس الأوفى مع جدّك المصطفى، وأبيك المرتضى، وأمّك الزهراء، وأخيك الحسن المجتبى، وأخيك الشهيد بكربلاء.

وفقنا الله تعالی للسير على نهجها في الايمان والعبادة والصبر والجهاد في الحياة الدنيا ورزقنا شفاعتها يوم الحساب انه سميع مجيب.

 

تصنيف :