تركيا من تصفير الازمات الى تصفير المكاسب

تركيا من تصفير الازمات الى تصفير المكاسب
السبت ٠٨ يونيو ٢٠١٣ - ٠٦:٣٦ بتوقيت غرينتش

تضررت سمعة تركيا كثيرا في الاونة الاخيرة نتيجة لسوء تصرف حكومة اردوغان على عدة اصعدة خارجية وداخلية.

 ففي الوقت الذي كانت تعلن رسميا عن تبنيها سياسة تصفير الازمات مع الخارج، ولكنها عمليا لم تستطع تجسيد هذه السياسة ومواصلتها، بل على العكس من ذلك فقد  تورطت تركيا في التدخل بالشأن الداخلي السوري وبشكل علني وسافر في حين كانت تربطها علاقات تعاون استراتيجي مع سوريا تم التوقيع عليها عام 2008 الامر الذي اساء لمصداقية انقرة على الصعيد الخارجي كثيرا.

واذا اضفنا الى ذلك سوء الادارة من الجانب التركي لعلاقات حسن الجوار مع العراق ، وتدخلات انقرة غير المبررة في الشأن الداخلي العراقي ، تقتتم الصورة التركية اكثر ، وجاءت التطورات الداخلية التركية من تظاهرات شعبية ضد حكومة اردوغان اتماما لعملية ارباك الحكومة التي لم تعتد مواجهة هكذا اوضاع ، واندفعت اميركا مجبرة الى توجيه بعض النقد لحليفتها الاستراتيجية ونموذجها المحبذ للتصدير الى العالم العربي ، معترفة بظهور تصرفات من اردوغان تنم عن نزعة تسلطية وديكتاتورية .

قوة ناعمة بعقلية صلبة

توخت الحكومة التركية ان تستثمر قوتها المرنة على مختلف الاصعدة الاقتصادية  والسياسية والاجتماعية والثقافية ، وتقدم انموذجها الخاص للاقتداء به ، الا ان العقلية الصلبة التي تتملك القيادة التركية قد اتت على ماجنتها تركيا خلال العقد الماضي من مكاسب ، وجعلتها امام اختبار صعب فاما الاحتفاظ باردوغان المغضوب عليه من قبل الشعب التركي او محاولة تسريحه لئلا ينعكس سلبا على مختلف جوانب المشروع التركي .

لقد حقق الدور التركي الجديد عبر تبني سياسات القوة الناعمة بعض التقدم والنجاح لتركيا داخليا وخارجيا، إلا ان التلكؤ التركي حدث مع سوريا حيث ان انحيازها الى جانب قوى التغيير وتدخلاتها غير المبررة وغير المنسجمة مع سياسة تصفير الازمات ، وعجزها عن احداث التغيير المطلوب في هذا البلد قد جاء على حساب السياسات المعلنة والتي تتوخى ان تكون انموذجا يقتدى به في العالم العربي .

ان مايثير  حنق تركيا ازاء  اوروبا واميركا هو الموقف المزدوج الذي تتبناه ازاءها ، ففي الوقت الذي تنحاز فيه للدور التركي الجديد في المنطقة ، وتعتبرها حليفها الحيوي حسب تعبير نائب الرئيس الاميركي جو بايدن ، تلجأ هذه الدول الى توجيه انتقادات لاذعة الى الحكومة التركية خصوصا فيما يتعلق بسجلها في مجال حقوق الانسان وتوفير الحريات الاساسية ، بما فيها حرية الصحافة والصحفيين .
أنقرة من جانبها تعلم مسبقا ان الدعم الغربي والاميركي وحتى الاسرائيلي لسياساتها مرهونة بشروط محددة ولها سقف معين خشية تفرد تركيا بالمنطقة مستقبلا خاصة وهي تتبنى انموذجها الخاص في هكذا سياسات ، مع ممارستها السمسرة السياسية الى جانبها، والقيام بخطوات مدفوعة الثمن على هذا الصعيد او ذاك .
من الصعب جدا على أي بلد مهما اوتي من قوة ارضاء الكل وفي الوقت نفسه استغلالهم جميعا لصالح اهدافه، وعليه فاننا نرى ان حفاظ تركيا على ماحققتها من مصالح ومنافع خصوصا في العقد الاخير من  الضروري الاحتفاظ بها وعدم الذهاب بعيدا لئلا تخسر كل ماجنته  من قبل، وتكون الخسارة في القمة  اشد ايلاما واكثر وجعا عما هي عليه الخسارة وهي في القاع  .

الملاحظات التي تسجل على تركيا كقوة ناعمة وعلى الدور التركي بشكل عام :
- استمرار الادانات لتركيا في مجال انتهاك حقوق الانسان وقمع الحريات بما فيها الحرية الصحفية  .
-  وجود اطماع خارجية لتركيا وخاصة في دول الجوار تعززها النزعة العثمانية لدى اردوغان  .
- اعتماد البعد الطائفي في التعاطي التركي مع المحيط الاقليمي وفي التسويق للنموذج التركي عربيا  .
-  تأثر السياسات التركية بما يملى عليها من قبل الغرب وخاصة اميركا، وعدم امتلاك سياسة مستقلة يمكن الاعتماد عليها، فمن علاقات متميزة مع سوريا وتشكيل مجلس التعاون الستراتيجي بين البلدين الى دولة حاضنة لقوى التمرد والمعارضة في سوريا والداعية الى تغيير النظام السوري بمختلف الوسائل.    

 - اندفاع تركيا الى تقبل لعب دور الشرطي في المنطقة نيابة عن اميركا ، وسعيها الى تجسيد مايطمح اليه الغرب في الشرق الاوسط ، خاصة وهي عضو في حلف شمال الاطلسي منذ عام 1952 .

-  واخيرا وربما كان يقتضي ان يكون اولا ان تركيا كشعب وكجغرافيا سياسية لاتزال حائرة بين انتمائها الاوروبي وانتمائها الشرقي الاسلامي، وانعكاسات ذلك على مجمل سياساتها المتبناة ، فهي كانت ولاتزال تمثل دور الجسر مرة لنقل القيم الاسلامية الى  الغرب كما فعلت في السابق ، واخرى لنقل القيم الغربية الى  بلاد المسلمين ، وهو  ماتتبناه حكومة اردوغان اليوم .
 

*عبد الجبار كريم