سقوط مدوي لحركات الإخوان المسلمين

سقوط مدوي لحركات الإخوان المسلمين
الجمعة ٠٥ يوليو ٢٠١٣ - ٠٦:٢٨ بتوقيت غرينتش

تابع العالم بأسره ما يجري في الميادين الكفاحية لشباب مصر ولحركة التمرد في مصر،لما لها من انعكاسات هامة وكبيرة على طبيعة النظام المصري من جهة،وعلى شكل خريطة الجغرافيا السياسية في المنطقة،وعلى المخطط والمشاريع الأمريكية للمنطقة،من الجهة الأخرى،خاصة وان لحركات الإخوان المسلمين وكافة القوى المتأسلمة دور لعبته ولا تزال تلعبه كحليف استراتيجي لأمريكا.

وبفعل دورها التحالفي هذا هددت امريكا المجلس العسكري المصري بقطع المعونات عنه ان اقدمت القوات المسلحة على انقلاب عسكري ضد حكم الأخوان المسلمين،ثم خففت لهجتها بأن لا يكون ترحيل محمد مرسي على شكل انقلاب عسكري، جاء ذلك بعد ان تأكدت ان الترحيل والإقالة تحصيل حاصل.

وعلى نفس الصعيد اعرب نتنياهو عن خيبة امله العميقة لترحيل مرسي،لأنه قدم ما عجز حسني مبارك عن تقديمه،من تعهده بالحفاظ على امن اسرائيل،والحفاظ على استمرار العمل بإتفاقية الغاز،وتدميره للأنفاق،ودوره كوسيط بين حماس واسرائيل،وموافقته على ما رفضه حسني مبارك على تركيب الجساسات على الحدود المصرية مع اسرائيل،ولهذا حزنت اسرائيل.

ان ما جرى في مصر يعتبر اقصر الطرق واكثرها تعقيدا في الوصول الى دولة مدنية على طريق البناء الديمقراطي،بعد ان كسرت ارادة الإخوان المسلمين،وهذا ليس في مصر وحدها بل في العالم العربي والإسلامي،وبشكل خاص في تونس وغزه ثم في سوريا.

لقد نجح الإخوان المسلمين نجاحا باهرا في حشد الشعب المصري والعربي ايضا ضد حركاتهم،من خلال ابشع الصور التى اقدموا على فعلها ومن خلال حكمهم سواء في مصر او تونس ومن خلال ابشع الجرائم المرتكبه في سوريا،لقد رضع الإخوان المسلمين حليب الحقد والكراهية ضد من هو ليس منهم،ولأنهم يكفرون الناس ولأن ممارساتهم لا تمت بأي صلة للديمقراطية،اقصائيين،والغائيين،في عرفهم لا احد يفهم ولا يعرف الحقيقة غيرهم،ولا يرغبون مطلقا في شراكة احد في الحكم.

مصيبتهم انهم انتظروا عشرات السنين للوصول الى الحكم قاموا خلالها بالتعبئة والتحريض،والتحشيد،وعندما وصلوا السلطة في مصر والذى كان استنادا الى تفاهم مع امريكا مبني باتفاقهم على عدم المساس بإتفاق كامب ديفيد،وعدم المساس بنهج إقتصاد السوق،والموافقة على مطالب صندوق النقد الدولي،مع الحفاظ على امن اسرائيل،واكثر من ذلك ومن اجل المزيد من كسب الود الأمريكي ورضاها اقدم محمد مرسي على قطع علاقات مصر مع سوريا واغلاق سفارتها وطرد السفير السوري من القاهرة وسحب سفير مصر من دمشق،واعلن عن مطالبة حزب الله بسحب قواته من سوريا ولم يتأخر في اظهار انتقاده للسياسة الإيرانية،مما ساهم في المزيد من تأييد اسرائيل لنظام الإخوان من جهة،واطمئنانهم من حركات الإخوان المسلمين من جهة اخرى،مما زاد من ثقة امريكا بذلك النظام.

هذه السياسة التى انتهجتها حركات الإخوان المسلمين سواء في مصر او ليبيا وتونس وسوريا ولبنان زادت ثقة امريكا واسرائيل بهم وبسياساتهم،وابعدت الجماهيرالعربية عنهم بعد ان انكشف امرهم وظهروا على حقيقتهم كحلفاء لأمريكا وحماة لأمن اسرائيل،ومعاداتهم لمن هو ليس منهم،وبذلك لم يخرجوا عن مضمون المثل الشعبي القائل ( من اول غزواته كسر عصاته ) فمنذ اعتلى محمد مرسي سدة الحكم قام بإدخال تعديلات على الدستور لعبت دورا اساسيا في تأبيد حكمه للبلاد،رغم اعتراض مختلف القوى السياسية والفئات الشعبية على ذلك، الا انه ادار ظهره لها ولم يحترم الحد الأدنى لرأيها،وليس هذا فحسب بل خدعها عندما طالب بإجراء الإستفتاء دون العمل به،وبعدها استند في عمله بالدستور على تأييد الجماهير له.

ومن اهم السمات التى تميز بها نظام حكم محمد مرسي ضعفه الشديد كرئيس دولة واظهره بوضوح تام انه يمكنه ان يكون استاذا جامعيا او استاذا على مستوى معهد وليس رئيسا لبلد يضم 80 مليون انسان فيه تعقيدات هائلة،غير ذلك اظهروا عدائهم لكل من يخالفهم الراي مما ساعد دون ان يدروا على سرعة تعبئة الجماهير ضدهم، وعلى تجميع كافة القوى والفئات المعارضة لنظام الإخوان المسلمين بغض النظر عن انتمائهم الطبقي والفكري واالسياسي،ولذلك تجدهم من كافة المشارب الفكرية والسياسية،جمعهم هدف واحد هو اسقاط النظام الإخواني.

ولا ننسى ان الإخوان هم من اوجدوا عشرات الأسباب الداعية لإقناع الجماهير بضرورة اسقاط نظام محمد مرسي،ليس لأنهم معادين للإسلام بل لأن من ادعى انه رافع لواء الإسلام تحالف مع امريكا ضد المصالح العربية،كل ذلك بهدف الحفاظ على الكرسي الذى طار بكل سهولة ويسر في اطار التحالف بين الشعب ورجال الدين والقوات السلحة.

كل ما تقدم يثبت ان الإخوان يمكنهم ان يكونوا دعاة او وعاظ وليس سياسين،خاصة وان السياسي لا يمكنه ان يكون غبيا،الى درجة انه 80 عاما من الكفاح والتعبئة والتنظيم والتحشيد والتحريض،للوصول الى السلطة،وفي لمح البصر يطير حكمهم والى غير رجعه،وان فكروا بالرجوع يتطلب هذا عشرات السنين كي يستعيدوا دورهم الذى كان،لقد اصيب الإخوان بالعمى السياسي من جهة،والغباء من جهة ثانية وانزلقت قدمهم في الحفرة الأمريكية،واذا بهم في خندقها،الذى دمرها وقضى عليها،وايضا جملة من الأخطاء ادت الى ابتعاد الجماهير عنهم وعزلتهم بل وعرتهم،ثم اسقطتهم.

ولم يبك على حكم الإخوان غير اسرائيل التى اطمأنت لنظام الإخوان من خلال الخدمات التى قدمتها لهم في سنة واحدة،وحزب النهضة في تونس الذى يرتعد خوفا على حاله،وحركة حماس التى انبهرت في وصول الإخوان الى سدة الحكم واعتقدت بذلك ان مركزها في النظام السياسي الفلسطيني تدعم واستقوت بهم على غيرها من القوى الفلسطينية،وبدلت تحالفاتها في المنطقة بعد عودتها الى حضن الإخوان المسلمين،ولم تحسب اي حساب لهذا اليوم.

واما الشعب المصري العظيم الذى طحن نظام حسني مبارك من بقايا النظام الساداتي،يطحن اليوم نظام الإخوان المسلمين،نظام المرشد،وبذلك قدموا خدمة عظيمة لشعبنا العربي بأن خلصوهم من حركة تكفر الناس وتدعي انها وحدها من يملك الحقيقة،وايضا قدمت خدمة لتلك الحركه بأن تكون حركة للشعب العربي تخدم قضايا الشعوب العربية من جهة،وحتى لا تعود هذه الحركة لأخطائها ثانية،حتى لا تنتظر عشرات السنين وتفشل ثانية،وايضا ضرب شباب مصر مثلا يحتذى في تمردهم على الحكام الظلمة واكدوان ان الشعوب قادرة على مسك تلابيب حكمها بيدها وبأنها قادرة على لجم اي حاكم يخرج عن ارادة الجماهير لأن السلطة للجماهير. وبهذا سقطت حركة الإخوان سقوطا مدويا ليس في مصر وحدها بل في المنطقة بأسرها
*محمود الشيخ -بانوراما الشرق الاوسط