لماذا تخلت أمريكا عن الإخوان المسلمين ؟

لماذا تخلت أمريكا عن الإخوان المسلمين ؟
الجمعة ٠٥ يوليو ٢٠١٣ - ٠٦:٤٤ بتوقيت غرينتش

وصل الإخوان المسلمين إلى الحكم في بلدان الربيع العربي وخاصة في مصر بدعم ومساعدة وقرار أمريكي ، والسبب في ذلك أن الولايات المتحدة رأت في الإخوان الإسلامويين الأداة الأمثل للسيطرة على الشعوب وإنجاح التطبيع مع إسرائيل ، فعلى عكس الحكام السابقين الذين كانوا مكروهين من كل فئات شعب هناك قاعدة شعبية للإخوان في البلدان العربية ، بالإضافة إلى انتحالهم سمة الدين الإسلامي مما يجعلهم أكثر قرباً لحركات إسلاموية متمردة على الكيان الصهيوني كحماس في غزة مما يسهل إخضاع تلك الحركات وجرها وفق الإرادة الأمريكية لتصبح حركات مروضة في النهاية .

نجح الإخوان الإسلامويين في أول اختبار لهم من قبل الكيان الصهيوني في عدوان غزة الأخير ، فبدل قطع العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين مصر وإسرائيل ، وإيقاف كل أشكل التطبيع على أرض مصر مع الكيان الصهيوني وإلغاء كامب ديفيد واتفاقيات الغاز ، رأينا الإخوان الإسلامويين وسلطتهم يقومون بأعمال استعراضية بهلوانية في عروض إعلامية فارغة كذهاب رئيس الوزراء المصري إلى غزة أو سحب السفير المصري من تل أبيب ، ولكن إن ابتعدنا عن تأثير وفتنة العروض الإعلامية للإخوان ونظرنا إلى التطبيق على الأرض سنرى ان الإخوان استطاعوا بالفعل إخضاع قطاع غزة للإرادة الأمريكية ، فقد استطاعوا إيقاف صواريخ المقاومة على الرغم من خسارتها الكبير في استشهاد القيادي الكبير الجعبري في وقت قياسي ، وخرجوا من لقاءاتهم السرية بعد التفاوض بين غزة والكيان الصهيوني برعاية إخوانية إلى ان المقابل إلغاء الحصار على قطاع غزة وهو مالم يتحقق حتى اليوم رغم أن الإخوان أيضاً قاموا بخطوة ما كان ليجرؤ عليها حسني مبارك وهي بإغلاق انفاق غزة والموافقة على نشر حساسات مراقبة صهيونية في سيناء بحجة مكافحة الإرهاب أو بالحقيقة خنق المقاومة في غزة وترويضها ، ومنه قد نجح الإخوان بشكل باهر في تنفيذ اتفاقيتهم مع الولايات المتحدة والحفاظ على السلام مع إسرائيل ومحاولة إخضاع الحركات الإسلاموية المقاومة كحماس للإرادة الامريكية.

في جانب آخر أو الإقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة زمن عبد الناصر في سوريا ، قام الإخوان أيضاً بدورهم ضمن اتفاقهم مع الولايات المتحدة لاستلام الحكم في البلدان العربية ، فقد ضربوا الاستقرار في هذا البلد ونشروا الفتنة في محاولة لضرب نسيج المجتمع السوري بهدف أخذه إلى حرب اهلية تدمر كل مقومات الدولة السورية من صغيرها لكبيرها وخاصة البنية التحتية ، ارتكبوا المجازر وقاموا بالاغتيالات للعقول والمثقفين ، حاربوا بالسلاح والمال والإرادة الأمريكية او الخاضع للإرادة الأمريكية ليس النظام السوري وإنما الدولة السورية بمؤسساتها وجيشها وأيضاً والاهم بوحدتها الوطنية ، فمقابل الخطاب الذي يشجع على الحوار ونبذ العنف والإرهاب ونبذ الطائفية المقيتة لدى الرئيس الأسد ومناصريه كنا نرى في معظم خطابات الإخوان الإسلامويين ومناصريهم كل أشكال الطائفية والتكفير والتحريض على العنف والقتل ونبذ لغة الصلح والحوار رغم أنها اللغة الذي أمرنا الله بها في القرآن كتاب الله نفسه ، فشل الإخوان في البدايات في سوريا رغم كل المجازر التي ارتكبت في نشر الحرب الأهلية إلى كافة المناطق السورية ، وبقيت الحرب الأهلية التي تسبب بها الإخوان الإسلامويين بالتعاون مع القطعان الوهابية السلفية المنتمية إلى القاعدة محصورة في مناطق محدودة ولم تتمدد بسبب وأد الفتنة من قبل الجيش العربي السوري بالإضافة لدور وسائل إعلام محور المقاومة في ذلك ، ومنها بعض مناطق حمص التي شهدت حرب أهلية أطلقت شرارتها بسبب مسلحين الإخوان الإسلامويين وقطعان الوهابية لإشعال الفتنة الطائفية وتدمير المجتمع السوري ، وبعد فشل هذا المخطط الذي ظهر مع تقرير بعثة الجنرال الدابي انتقلوا إلى اللعب على المكشوف ، فبدأنا نرى التحريض على الجهاد في سوريا على كل المنابر حتى أن علماء السعودية كالعريفي ذهبوا إلى أوربا ليحرضوا في مساجدها على الجهاد في سوريا ، بالإضافة إلى شراء ذمم تجار الدين في كل أنحاء العالم ليقوموا بهذه المهمة ، وما لبثت أن امتلأت سوريا بقطعان المرتزقة التكفيريين من أكثر من 29 جنسية كما أعلنت الأمم المتحدة وأغلبهم المنتمين لتنظيم القاعدة الذي دخل هو الآخر في هذا المهرجان الأمريكي للجهاد في سوريا ، بالطبع قام الإخوان بدورهم المحوري في تدمير بنيان الدولة السورية ونشر الفتنة بهدف إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد الذي يحظى بشعبية كبيرة في سورية رأيناها في المليونيات المؤيدة في بداية الأحداث ، وذلك لأن صناديق الاقتراع والسبل الديمقراطية غير قادرة على إسقاط نظام يتمتع بهذه الشعبية ومنفتح على الإصلاح و الحوار مع كل فئات المجتمع السوري ، فحتى الآن فشل الإخوان وقطعان الوهابية السلفية من كل انحاء العالم في مهمتهم في سوريا.

فما الذي جرى في مصر الذي نعلم أن جيشها اليوم لا يمكنه التحرك إلا تحت غطاء أمريكي كما حدث عندما تنحى حسني مبارك بسبب رفع الغطاء الأمريكي عنه (أي تخلى الجيش عنه) ووضعه على الإخوان الإسلامويين؟ ، وأكبر ما يدل على ذلك أن امير قطر الجديد (والتي ليست إلا تابع ومنفذ للأجندات الأمريكية في المنطقة ولا تمتلك من أمرها شيء) كان أول من يبارك هذا التحول في مصر ، بمعنى آخر قطر تخلت عن الإخوان الإسلامويين أي أمريكا تخلت عنهم مع تخليها عن حمد بن خليفة آل ثاني.

الذي جرى حقيقة أن فشل الإخوان الإسلامويين في أمرين أطاح بشرعيتهم الامريكية ورفع الدعم الغربي لسلطاتهم.

الأمر الأول : فشلهم في سوريا وبيعهم أكاذيب وأوهام للولايات المتحدة بشأن الوضع في سوريا تبين لاحقاً للولايات المتحدة انهم جروها إلى مكان لا تريده بسبب أضاليلهم وأكاذيبهم التي مارسوها على العالم بأسره ويبدوا ان الولايات المتحدة وقعت فيها أيضاً ، هذه الأكاذيب هي بشأن السقوط القريب للنظام السوري وضعف الجيش السوري وتآكله بالإضافة إلا ساعات الصفر لسقوط النظام التي لم تأتي أبداً! ، مما جعل الولايات المتحدة ترى الإخوان الإسلامويية أسوء من عاجزين على تنفيذ أجنداتها بل أيضاً يخادعوها ويكذبون عليها لتغطية فشلهم ، وقد ظهر هذا الغضب على الإخوان وفشلهم في سوريا من قبل الولايات المتحدة في آخر اجتماع لـ “ربوبرت فورد” معهم والذي وصفهم فيه بـ (الحيض) ! .

الأمر الثاني وهو الاهم : فشلهم في إخضاع الشعوب والسيطرة عليها في البلدان التي تولوا إدارتها، واستخدامهم للعنف كأسلوب لتحقيق غاياتهم مما جعلهم يلوثون صورتهم بوقت سريع جداً ، ويفتضح وجههم الحقيقي أمام الشعوب ليصبحوا ورقة محروقة بيد الولايات، والاهم من ذلك أنهم خلقوا انقسامات حادة جداً في المجتمعات العربية ، ورعوا البيئات المتطرفة جداً التي من شأنها تدمير البلدان والحضارات والأكثر انها ستؤدي إلى إغراق المنطقة كلها في دوامات من العنف والحروب الدموية ، وبالطبع الولايات لا تهتم بعدد ضحايانا نحن العرب والمسلمين على يد الإرهاب أو إن تدمرت حضاراتنا في الفتن بل ستكون سعيدة بذلك ولكنها تهتم بأمرين هما مصالحها الاقتصادية في المنطقة وخاصة في دول الخليج الفارسي المحتل وأمن إسرائيل ، ومتى أصبح هذان الأمران مهددان هي ستتحرك لوقف هذا التهديد ، وإن إغراق المنطقة في الحروب الدموية التي لا تنتهي كما يحدث في ليبيا بالطبع سيكون مهدد لهذان الأمران ، فتحويل المنطقة إلى غابة سيخلق فيها وحوش بشرية خارجة عن السيطرة ولتصبح غير قادرة أي قوة في العالم على إعادة السيطرة على هذه المناطق أو على هذه الوحوش ، وكانت النتيجة على الولايات ما رأيناه في ليبيا من قتل للسفير الأمريكي هناك.

الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين (بريطانيا + فرنسا) ليسوا حمقى إلى هذه الدرجة حتى يسيروا على غفلة في طريق سيؤدي إلى هذه النتيجة الكارثية على المنطقة ومصالحهم في المنطقة ، ولكنها سارت به عن علم مجازفة لهدف واحد وهو (إسقاط محور المقاومة) الذي ألحق بكيان الصهيوني القاعدة الاستعمارية السرطانية المرعية من كل هذه الدول هزائم وعار أمام كل حلفائه واصدقائه الدوليين ، فالجيش الذي لا يقهر المدعوم من أكبر امبراطوريات الاستعمار في العالم هزمه ثلة من المجاهدين المسلحين بإيمانهم وبضعة أسلحة خفيفة ومتوسطة وصواريخ قصيرة المدى ، وهذا المنطق يؤكده كلام وزير الخارجية الفرنسية السابق “رولان دوما” في مقابلة مع المحطة التلفزيونية الفرنسية (إل سي بي) بقوله للإعلامي:

” سأقول لك شيئاً. كنت في إنكلترا في عمل قبل سنتين من اندلاع العنف في سوريا. التقيت بمسؤولين بريطانيين اعترفا لي أنهم يحضرون لشيء في سوريا.
كان ذلك في بريطانيا, وليس في أمريكا. كانت بريطانيا تحضر لغزو سوريا من قبل المتمردين. حتى أنهم سألوني, على الرغم من أنني لم أكن وزيراً للخارجية عندها, إن كنت أرغب في المشاركة ، وبشكل طبيعي رفضت, وقلت أنا فرنسي وإن ذلك لا يهمني.”

ثم تابع دوما ليعطي المشاهدين درساً سريعاً حول السبب الحقيقي للحرب التي أزهقت أرواح عشرات الآلاف من الناس في سوريا حتى الآن:

“تعود هذه العملية إلى وقت بعيد. فقد تم تحضيرها والتخطيط لها بعناية في المنطقة, ومن الضروري أن نعرف أن هذا النظام السوري معادٍ لإسرائيل.
وبالتالي فإن أي شيء يحصل في هذه المنطقة مرتبط بهذه الحقيقة ، وقد قال لي رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق سنحاول التفاهم مع جيراننا, لكن سندمر كل من لا يتفق معنا.
إنه نوع من السياسة, نوع من رؤية التاريخ, في نهاية المطاف. لكن يجب أن يعرف الناس ذلك” .

جازفت الولايات المتحدة بهذا السيناريو المدمر للمنطقة والدموي والذي قد يهدد أمن العالم كله ، وهو ما تستشعره بعض الدول الكبرى كروسيا والصين والتي يمكن في النهاية أن يكون هذا السلاح الإرهابي موجه إليهما في حال نجاحه بتدمير محور المقاومة ، فانطلاقاً من مصالحها وامنها القومي قامت هذه الدول بخطوة استباقية قبل أن تتكرر ظاهرة أفغان أمريكا العرب ليس في سوريا وحسب بل أيضاً في روسيا والصين ، فكان الفيتو المزدوج في مجلس الامن وأخذ القرار بشكل صارم من قبل روسيا بمنع سقوط سوريا في دوامة العنف والفوضى التي سقطت فيها ليبيا والتي ترى الولايات وحلفائها فيها على الرغم من كارثيتها بديل أفضل من الأسد ومحور المقاومة !

واليوم بعد الصمود السوري أكثر من عامين على الحرب الإرهابية العالمية بالوكالة عن الاستعمار على الدولة السورية ، وجد الاستعماريون بقيادة الولايات المتحدة الامريكية أنفسهم أمام طريق مسدود بهاوية ، إما أن يستمروا فيه ليسقطوا و يغرقوا في وادي سحيق مظلم قعره المجهول ، أو ان يذهبوا لحل سياسي شامل لإعادة السلم والاستقرار إلى المنطقة وإصلاح ما خربوه فيها إلى الآن ، بعد فشل الوسيلة القبيحة الدموية في تحقيق الغاية منها ، ويبدوا ان الإخوان الذين برهنوا أنهم على رغم من فعاليتهم الكبيرة في الحفاظ على السلام مع الكيان الصهيوني إلا أنهم فشلوا في إدارة البلدان التي سيطروا عليها ، وبدؤوا يهددون بتفجير المنطقة كلها في دوامات من العنف والحرب الأهلية وخلق دكتاتوريات تتقنع بالدين وتتنكر بلباس الديمقراطية ، مما سيهدد بالضرورة أمن العالم كله كون مناطقنا اكثر المناطق أهمية في العالم من حيث توسطها لقارات العالم ، وسقوطها في العنف والحروب الدموية التي لا يمكن السيطرة عليها سيدمر الاقتصاد العالمي نهائياً.

والظاهر ان الاتفاق الأمريكي مع الروس نحو خريطة لتحقيق السلام في المنطقة فيه رفع الغطاء عن حركات الإسلام السياسي بهدف منع وقوع الحرائق الكبرى في المنطقة والتي يسير بنا الإسلامويين إليها ، فكانت البداية في تخليهم عنهم في مصر وتركيا ، حيث نزع مرسي اليوم ، واختفت أحلام أردوغان وحزبه في الفوز بأي انتخابات قادمة بعد الصورة القبيحة التي اظهرها لديمقراطيته المصنوعة من إرهاب الدولة !

العالم سيكون أمام تحولات جذرية مع وضع اتفاقية السلام بين الأقطاب الجدد في العالم المتعدد الأقطاب الجديد الذي انتجه صمود الشعب والجيش السوري في وجه أقذر حرب إرهابية تضليلية شهدها العالم ، فما كان لروسيا والصين أن يكونا أقطاب وينزعا صفة الإطلاق أو الإلهية عن الولايات المتحدة ويتحدوها في الفتيو المزدوج لولا صمود سوريا كل هذه الفترة وتعرقل المخطط الامريكي فيها ، هذه الاتفاقية التي ستكون أساسها جنيف 2 لن تكون حل للقضية السورية التي تعد الأسخن اليوم فحسب وإنما سيكون فيها خارطة طريق لحل أغلب القضايا في المنطقة ومنها القضية الفلسطينية وهو ما يسعى له جون كيري في جولاته المتكررة بين الضفة وبين تل أبيب ، فالقضايا الساخنة اليوم في منطقتنا مرتبطة ببعضها البعض ، فلا حل للصراع في سوريا وللصراع في فلسطين إلا بحل المشكلة الكبرى بين سوريا وإسرائيل ، والتي كل منهما يحارب الآخر من أجله بنفس الأسلوب ، فسوريا تحارب عن طريق وبمساعدة حلفائها من حركات المقاومة ، وإسرائيل تحارب سوريا بواسطة قطعان الإرهابيين التابعين لها بشكل مباشر أو غير مباشر ، وما يجري اليوم في تركيا وفي قطر وفي مصر ليس إلا إرهاصات هذه الاتفاقية التي لربما قد تكون الأساس الذي سيبنى عليه العالم المتعدد الأقطاب وتترافق مع تغيرات جذرية في المشهد الإقليمي والدولي العام.

وحتى نستطيع فهم هذه الإرهاصات بشكل أدق يجب أن نصغر الصورة اكثر لتغدوا إقليمية ، و يجب أيضاً علينا أن نتذكر ما قد أشرت إليه في مقالات سابقة أن فشل الإخوان الإسلامويين بقيادة قطر وتركيا في سوريا جعل الولايات المتحدة تسلم الملف السوري ومعه قيادة الاجندات الأمريكية في العالم العربي والإسلامي إلى السعودية وحلفائها في الخليج (الإمارات + الكويت + البحرين) المنضويين تحت العباءة السعودية بعد أن كانت بيد الإسلام السياسي في تركيا وقطر ، ولربما أجندات تميم آل ثاني أمير قطر الجديد تهدف إلى إنهاء المشكلة بين قطر والسعودية وانضواء قطر أيضاً تحت العباءة السعودية ، كل هذا لا يتم إلا بضوء أخضر أمريكي بالطبع ، فأمريكا هي الحامية والراعية والداعمة لعروش الخليج، ومنه فإن استلام السعودية لقيادة مركب الأجندات الأمريكية سيجعل الإخوان الإسلامويين الخاسر الأكبر نظراً لتوجس العائلة الحاكمة في السعودية من الإخوان الإسلامويين ونهم الأخيرين للاستلام السلطة في دول النفط والغاز ، وهذا ما يجعل أول المباركين ولربما الداعمين لإسقاط مرسي هم دول الخليج وكل ذلك كما ذكرنا لا يتم أبداً لولا الضوء الأخضر الامريكي التي حازت عليه السعودية لقيادة أجنداتها ، ولا يجب أن ننخدع أبداً بالتصريحات الامريكية من حيث التلويح بقطع المساعدات عن مصر او التهديد والوعيد ، فسياسة الإرهاب هذه هي السياسة المتبعة دائماً من قبل الإدارة الامريكية امام أي تغيير يحمل معه ولو نسبة ضئيلة من احتماليات الضرر بمصالحها ، فلن تتوقف هذه التهديدات حتى لو خرج مبارك من السجن وأعيد انتخابه واستلم الحكم ستبقى التهديدات على العلن ومن خلف الستار كي تُخرِجَ المنبهرين بهذا التغيير من انبهارهم وتعيدهم لواقعهم المسيطر عليه من قبل الإدارة الامريكية ، وذلك حتى لا يجرهم انبهارهم إلى اتخاذ خطوات باتجاه استقلالية مصر كتلك التي فعلها عبد الناصر في تأميم قناة السويس والتي نعتبرها نحن في المقاومة شجاعة ويعتبروها هم في محور الغرب حماقة !

سيتم العمل من جديد على انتاج نظام حكم لمصر بإرادة أمريكية ، ولكن هذه المرة ليست برعاية قطرية كما حدث مع الإخوان وإنما برعاية سعودية ، وطبعاً هذا كله (نبقى ونقول) خاضع للاحتمال ، فيمكن ان تتحقق معجزة إن أراد الشعب المصري ذلك كأيام عبد الناصر ويخرج في مصر قائد حر حقيقي يقود الجماهير مصوباً بوصلته نحو القدس وليرتد كيد الكائدين لمصر وللامة العربية والإسلامية عليهم.

قد يخالفني كثيرين من المنبهرين اليوم بأضواء الثورة البراقة كانبهار الطفل في مدينة الملاهي بأضوائها البراقة ، إلا أننا يجب أن نتعلم من تجاربنا ونتوقف عن التعاطي بردود الأفعال والانفعالات المتسرعة ، فعدونا ماكر وخبيث ، وكم من تجارب عشناها وأفخاخ سقطنا فيها في السابق وخدعنا بها ولم نعتبر ، فيجب أن نعلم أن ثقافة المقاومة تنمو بشكل رئيسي ومصقول في بلاد الشام أكثر من كل المجتمعات الأخرى ، والمجتمع المصري اليوم لم تربى اجياله على ثقافة المقاومة كما ربي أجيال في بلاد الشام ، بل الواقع في مصر بعد كامب ديفيد مختلف تماماً ، فمعظم من يخرج إلى الشارع اليوم و في السابق يحركهم اهدافهم الوطنية كاولوية قبل أي اهداف قومية وغيرها ، فما يهم المتظاهرين اليوم هم ضمان الحريات وتأمين المعيشة وهو الهدف رقم (1) لتحرك السواد الاعظم للشعب المصري ضد الإخوان الذين كذبوا كثيراً حتى وصولوا إلى الحكم و أخلفوا عشرات الوعود ، فلا يجب أن نبالغ بالابتعاد عن الواقع الفعلي للمنطقة ونتجاهل واقع مصر الحالي المكبل بالقيود الاقتصادية ، والأهم أن الاستعماريين وأدواتهم يتحكمون بمياه النيل في إثيوبيا كأكبر ورقة ضغط على مصر التي لن تستطيع مواجهة كل هؤلاء الأعداء إن قررت الحرب على إثيوبيا وعدم الرضوخ للإرادة الامريكية في وضعها الحالي ، كل هذا حقائق على الأرض لا تمحى بالأحلام الطفولية بأننا انتصرنا أو ان هناك في مثل هذا الواقع ثورة شعبية في مصر ستصب في مصلحة الصراع العربي الإسرائيلي لصالح المقاومة

وبغض النظر عما سيحمله مستقبل مصر الجديد يجب في نهاية المقالة أن نشير إلى أمر هام وهو في وصف ما حصل في مصر بالانقلاب عسكري ، فما حصل في مصر لا يمكن أبداً اعتباره انقلاب عسكري إن صغرنا المشهد الإقليمي ليغدوا على مصر فقط فإنه سيمكننا ملاحظة بسهولة أن من عزل مرسي ليس الجيش وحسب بل الأزهر أيضاً ممثلاً بشيخه و الأقباط أيضاً ممثلين بالبابا تواضروس وشرائح شعبية واسعة جداً يشكلون المعارضة وممثلين في البرادعي ، فإن جمعنا هذه الأركان نراها تمثل حقيقة الشعب المصري ، وأيضاً بالإضافة إلى ذلك أن بيان الجيش لم يعين رئيساً ودعى إلى تقبله وإنما دعى إلى انتخابات مبكرة وليس حتى إلى استفتاء ، والانتخابات تعني الديمقراطية فوصف ما حدث في مصر انقلاب عسكري هو أمر غير دقيق ولا صحيح بغض النظر عن خلفيات هذه الثورة الجديدة إلا انه لا يمكن اختزالها في العسكر فقط .


* محمد السوري - بانوراما الشرق الاوسط