مصر يا بهية لا غربية ولا مكفراتية!

مصر يا بهية لا غربية ولا مكفراتية!
الإثنين ٠٨ يوليو ٢٠١٣ - ٠٦:١٨ بتوقيت غرينتش

ليس صحيحا ان ما حصل في مصرخلال الايام القليلة الماضية انقلاب عسكري صرف وقد لا يكون صحيحا ايضا وصفه بالثورة الشعبية الصافية!

بامكان البعض ان يصفه انقلابا على ديمقراطية صناديق الاقتراع ولكن من قال ان الديمقراطية اصلا هي الطريق الوحيد لتصحيح اعوجاج الحاكم !
لو كان الامر كذلك دوما فلماذا يؤيد غالبيتنا جموع الشعب الهادرة عند نزولها الى الساحات مسقطة حاكما ورافعة لاخر تحت شرعية ثورية ؟!

مثل هذا الكلام قد يكون محل اعجاب البعض، لكنه محل غضب آخرين محتجين بالقول بان الزمن الذي نعيشه فرض علينا ما بات يعرف بمعايير صناديق الاقتراع، وان من يخرج عليها اما متحايل على الديمقراطية اومن لا يريدها الا عندما تأتي متطابقة مع رغباته !
هذا كلام قد يطول النقاش فيه الى ما لا نهاية و قد لا يستطيع احدنا اقناع الاخر فيه ولكن وكما يقول ابن سينا: فان الدليل او البرهان على حدوث الشيء هو وقوعه !

نعم ثمة ديمقراطية او صندوق اقتراع اوصلت هتلر الى سدة الحكم و من ثم افرزت حربا عالمية مدمرة على يد هتلر نفسه !
وثمة ديمقراطية او صندوق اقتراع افرزت نلسون مانديلا ومن ثم افضت الى تحرر جنوب افريقيا من نير العنصرية والبغضاء والكراهية !
لكن ذلك لم يكن المسار الوحيد الذي طبع حركة التاريخ ورسم معالم الحياة السياسية في العالم !

ثمة مسارات اضطرت فيها الشعوب و تحديدا من خلال الالتحام بالجيش الوطني وهو جزء اساسي من الشعب ان تتحرك خارج صناديق الاقتراع عندما شعرت ان الوطن برمته وكل ما فيه من آليات التحول والتغيير بما فيها صناديق الاقتراع بات في عين العاصفة فلجأت الى الشارع بالاكراه من اجل خلاص الوطن وتصحيح المسار !

واللجوء هذا قد يتم من خلال تحرك جزء صغير من الشعب متمثلا بالجيش او وحدات منه فتلتحق به الاكثرية كما حصل في زمن عبد الناصر !
وقد يكون من خلال تحرك اجزاء كبيرة منه ثم يلتحق جزؤه الصغير المتمثل بالجيش كما يحصل الان في مصر ما بعد 25 يناير !
القدر المتيقن الجامع بين الحالتين هو استشعار جزء يعتد به من الشعب بما يمثل من ثقل ‘ديمقراطي’ بان الوطن واستقلاله وسيادته وعقله الجمعي والجماعة الوطنية فيه قد باتت في خطر داهم لا يمكن السكوت عليه اوتحمل انتظار الخلاص بالطرق التقليدية !

نعم قد تدخل في هذه الاثناء عوامل خارجية في السياق او على الحراك فتغذي التخالف على حساب التآلف او الحرب الاهلية لا سمح الله على حساب الالفة الشعبية والاجماع الوطني لكن ذلك لا يبطل أحقية التحرك نفسه ما دام يلتزم قواعد الاحتجاج والتصحيح السلمي والمستقل للمسار !
صحيح ان الرئيس مرسي وجماعة الحرية والعدالة وتبعا لذلك الاخوان المسلمون وصلوا الى السلطة من خلال صناديق الاقتراع بالاكثرية العددية المعروفة لكن الصحيح ايضا ان الغالبية الساحقة للشعب المصري انما ثار على الرئيس الاسبق حسني مبارك لان الاخير فضل قاعدة التعايش والتسالم والتواؤم مع الخارج على حساب التنافر و التنازع والتصادم مع الداخل اليس كذلك ؟!

لا يختلف اثنان اليوم من المتابعين بدقة لما حصل للرئيس السابق محمد مرسي وحزبه على انهم استخدموا نفس القاعدة والمعادلة ‘المباركية’ وهذه خطيئة استراتيجية !
كان دائما من السهل عليهم التفاهم والوصول الى حلول وسط مع البنك الدولي ومع امريكا ومع قطر ومع السعودية و مع ومع الا مع من اختلفوا معهم من شركائهم في ثورة 25 يناير !

ماذا حصل ؟ صار من السهل ان تعلن الحرب على سوريا وتغلق سفارتها ويلح في الطلب ارضاء لذلك الخارج ‘وكذلك من السهل ان قتل المواطنين ويتم سحلهم في الشارع ويفتخر ويحتفل بالجريمة تلك وكل ذلك ارضاء لشهوة البقاء في السلطة باي ثمن لاعتبارات خارجية اليس كذلك ؟!
ليس هناك اجماع في العالم اليوم ولا في مصر نفسها على ان جبهة الانقاذ او حركة تمرد تمثلان كل الشعب المصري او حتى الغالبية الساحقة له !

لكن القدر المتيقن الذي جعل غالبية الداخل المصري مع غالبية الخارج المتابع والمهتم بمصر ‘ يقبل بنتائج ‘ما تسمونه الانقلاب’ على مرسي وجماعته ‘ هو ان الاخير فقد اجماع الجماعة الوطنية المصرية عليه اولا كما فقد ‘ مقبولية’ الخارج لاستمرار حكمه ثانيا !
هذه سنة كونية لا يفيد نكران جماعة الاخوان المسلمين المصرية لها والا كيف نفسر نزول عشرات الملايين تلك في الثلاثين من يوليو ؟!

ولا فائدة هنا للدخول في محاججات العددية المليونية في الشارع المستقطب بين الاخوان ومعارضيهم !
لان دليل حدوث الشيء وقوعه كما قال ابن سينا !
انتم من سمح لهذه الواقعة ان تحدث وانتم المسؤولون عما آلت اليه الامور في مصر ولا تلومن الجيش او تتهمونه بالانقلاب على الشرعية ولا الخارج الذي ينفذ مآربه ويبحث عن مصالحه وقد يكون بث ادواته وعيونه ووزعها بالتساوي على الشارعين !

لم يعد الان ثمة فائدة من المحاججة التي كان يفترض ان تلجآوا اليها عندما كنتم في سدة الحكم !
وقتها وللاسف الشديد ركبكم الغرور وشعرتم بفائض القوة ولم تكونوا ترون احدا كما لم تكونوا مستعدين لسماع النصيحة لا من اهلكم في الداخل ولا من اصدقائكم في الخارج رغم اختلاف طبيعتهم وسعة دوائر انتماءاتهم !

دخلتم مزاد ‘الدولة المدنية ‘ ليس اعتقادا او حبا بها بل تحايلا على اصدقائكم الغربيين فخسرتم حلفائكم الداخليين !
ثم دخلتم مزاد ‘المكفراتيه’ في محاولة لاعادة وصل ما انقطع مع حلفائكم الداخليين فخسرتم غالبية الشعب المصري صاحب الطبيعة السمحاء !
وهكذا تكونون قد وصلتم الى نهاية اللعبة بالمنهج كما بالسياسة كما بالاقتصاد كما في العلاقات العامة فحان يوم الحساب !
كان عليكم ان تعرفوا يا ‘اخوان’ ان الاعمال بنتائجها في عالم السياسة وليس بالنيات!

ومع ذلك كله اللهم لا شماتة فقلوب الجميع اليوم على مستقبل مصر التي يحيط بها الاعداء من كل جانب لكن ايماننا بالشعب المصري العظيم والمعطاء وجيش مصر الوطني بعقيدته القتالية التي لا تعرف عدوا الا الكيان الصهيوني ان يخرجا مصر الكنانة من دائرة القلق والخطر ومن ثم من التهميش والاقصاء والاحادية الى الدائرة التي تستحقها والدور الرائد الذي يليق بها لتعود مصر بهية في طلعتها ام الدنيا كماعودتنا واعتدنا عليها لا غربية ولا مكفراتية!

* محمد صادق الحسيني/القدس العربي