الحرب الطويلة في سوريا

الحرب الطويلة في سوريا
الثلاثاء ٢٣ يوليو ٢٠١٣ - ٠٦:٣٧ بتوقيت غرينتش

قبل سنتين من الآن, أعلن باراك أوباما أن على الرئيس السوري بشار الأسد أن "يتنحى". فقد أعلن في 18 آب/أغسطس 2011 : "آن الأوان للرئيس الأسد أن يتنحى".

لا داع للقول إن الأسد تجاهله. إذ ربما لم يفاجَأ لطلب أوباما, بسبب العداء الأمريكي المتأصل لنظامه, ونظام والده حافظ الأسد, على مدى عدة عقود. ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى علاقة سوريا الوثيقة بإيران ودعمها لحزب الله في لبنان والمنظمات الفلسطينية بما فيها "حماس", ونشر القوات السورية في لبنان في سنة 2005. ويعكس العداء الأمريكي لسوريا (المصنفة على لائحة الدول الداعمة للإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية) عداءَ إسرائيل, التي تحتل "مرتفعات الجولان" السورية بشكل غير قانوني.
كان السبب المزعوم وراء مطالبة أوباما أن الأسد أطلق النار على شعبه. وعلى المرء أن يشكك بسلطة أوباما في إطلاق مثل هذا الحكم الأخلاقي إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الشرطة في الولايات المتحدة تطلق النار على أشخاص عُزَل, وخاصة الشبان السود, وبشكل دائم (وخاصة في شيكاغو ولوس آنجيليس وفيلادلفيا)؛ وأن الولايات المتحدة تقوم بتسليح قوات الأمن في بلدان مثل مصر والبحرين التي تطلق النار على شعبها أيضاً.
كان أوباما, في الوقت نفسه, يتهم الرئيس الليبي معمر القذافي (منذ شهر آذار/مارس 2011) بأنه "يهاجم شعبه" ويخطط لارتكاب مجازر جماعية (وهي تهمة شكك فيها العديد من المحللين, بسبب غياب أي دليل عليها). كانت مجرد "كذبة كبيرة" أخرى, ممائلة ﻠ "الكذبة الكبيرة" القائلة إن طالبان متحالفة مع بن لادن ومتورطة في هجمات 9/11, أو للكذبة القائلة إن صدام حسين كان متحالفاً مع القاعدة ويعمل على إنتاج أسلحة الدمار الشامل.
لكن هذه الكذبة خدمت كذريعة لتدخل الولايات المتحدة – الناتو نيابة عن المتمردين المسلحين وقادتهم المدربين في الغرب, الذين أغرقوا ليبيا في الفوضى وحولوها إلى أرض خصبة للمجموعات المرتبطة بالقاعدة منذ سقوط وقتل القذافي في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2011.
ومن جهة أخرى, لم تطلب إدارة أوباما من الرئيس المصري حسني مبارك أن يتنحى حتى بعد أن أطلقت قواته النارَ على الشعب وقتلت 850 شخصاً في سنة 2011. فقد أجلت أوامرها لمبارك بالرحيل إلى شهر شباط/فبراير, عندما أصبحت الاضطرابات الجماهيرية عارمة وتنامى الاحتقار للولايات المتحدة لتواطئها في القمع القائم بحيث بات من المستحيل الاستمرار في دعم الدكتاتور المصري. كما أنها لم تطالب الملك البحريني بالتنحي, مع أنه هاجم شعبه. بمقدور أي شخص يتابع الأحداث أن يرى النفاق الموجود هنا.
إذا كان أوباما قد اعتقد أن الأسد سيسقط, أو يتنحى عن السلطة تلبية لأوامره المتغطرسة, فقد كان مخطئاً جداً. يقول ديفيد ر. شيد – المدير المساعد ﻠ "وكالة استخبارات الدفاع" – الآن من المحتمل أن يمتد النزاع في سوريا إلى "أشهر طويلة, أو سنوات". (لا أعتقد أنه أشار, في حديث له في "منتدى آسبن الأمني", إن كان المزيد من المساعدات الأمريكية سيعمل على تقصير أمد النزاع. تخيلوا حرباً بالوكالة تمتد إلى عقد من الزمن, على شاكلة الحرب الأمريكية بالوكالة في أفغانستان في الثمانينيات من القرن الماضي).
هناك أسباب عديدة لاستمرار الحرب على مدى طويل. فقوات الأسد أقوى مما كان أوباما يظن, وقد أحرزت بعض الانتصارات الكبيرة مؤخراً ضد المتمردين. كما أن المعارضة مقسمة إلى حوالي 1200 مجموعة. القوة العسكرية المتمردة الأقوى هي فصيل القاعدة, "جبهة النصرة". فإذا أرادت الولايات المتحدة وحلفاؤها تعزيز واستخدام القوات غير الجهادية (التي يقدمون لها الأسلحة, والتي يمكن أن ترغب أو لا ترغب في إقامة "ديمقراطية" غير إسلامية موالية للغرب), فإن أمامهم عملاً كثيراً بما أن "المعتدلين" أنفسهم معجبون بالمهارات القتالية للمقاتلين الإسلامويين. وروسيا والصين تقفان خلف الأسد, وتعدان باستخدام "الڤيتو" ضد أي قرار يصدر عن الأمم المتحدة شبيه بذلك الذي تم استغلاله لتشريع الهجوم على ليبيا, تحت ذريعة "حماية" الشعب الليبي.
قال نيكولاس بيرنز – مساعد وزير الخارجية في عهد بوش – في مقالة في آذار/مارس 2011 حول الدعم الأمريكي للقوات المناوئة للقذافي في ليبيا: "هذه هي المرة الأولى في التاريخ الأمريكي التي نستخدم فيها قوتنا العسكرية لدعم مجموعة من الأشخاص الذين لا نعرفهم وإيصالهم إلى السلطة."
(لكن العالم بات يعرفهم الآن, عبر أحداث مثل الهجوم على المنشآت الدبلوماسية الأمريكية في بنغازي؛ والاستقالات المتكررة للوزراء في الحكومة العاجزة في طرابلس؛ واضطهاد السود والطوارق؛ والمواجهات القبلية, إلخ.)
لكن يبدو أن أوباما ووزير خارجيته جون كيري يرغبان في القيام بذلك مرة ثانية – أي المجازفة في إيصال أشخاص لا يعرفانهم إلى السلطة. ويتساءل المرء عن أهدافهما الحقيقية. من المؤكد أن لإسرائيلَ تأثيراً قوياً على الطريقة التي يفكران بها, لكن موقف إسرائيل من تسليح الولايات المتحدة للمتمردين الذين يمكن أن يناصبوها العداء كما يناصبون الأسد العداء يبقى غامضاً ومتقلباً. وفي الحقيقة كان الأسد قد وافق على الاعتراف بإسرائيل بعد إعادة الجولان. وتقدر إسرائيل حقيقة أنه حافظ على السلام على الحدود, حتى أنه يستورد التفاح من الجولان. كما أن نظامه البعثي العلماني المتسامح يبقى أفضلَ من أي نظام إسلاموي بديل.
من المؤكد أن أحد أهداف الولايات المتحدة الرئيسة هو إضعاف إيران, وتحالف سوريا- إيران- حزب الله. ولكن إذا كان تحقيق هذا الهدف يمر عبر تسليم دولة عربية مركزية للقاعدة, هل يستحق الأمر كل ذلك؟
كانت القاعدة تبدو مبعثرة ومفككة ومهزومة فيما مضى. ثم غزت الولايات المتحدة العراق, ونتيجة لذلك أخذت القاعدة – التي لم تتواجد هناك أبداً من قبل – بالتكاثر بسرعة هائلة في محافظة الأنبار, مسببة مشاكلَ كبيرة للاحتلال. تدفق الجهاديون الليبيون إلى العراق, ولدى عودتهم أسسوا فرعاً جديداً للقاعدة في المغرب العربي سرعان ما تفرع عنه فرع "الساحل" النشط في مالي الآن. ويبدو أن معظم مقاتلي جبهة النصرة في سوريا يتدفقون من العراق.
إضافة إلى ذلك, تولد الضربات الصاروخية الأمريكية على اليمن تعاطفاً مع القاعدة في شبه الجزيرة العربية, وهي نتيجة سلبية بامتياز.
الدرس الذي يجب علينا أن نتعلمه هو أن الإمبريالية الأمريكية (التي كانت تعمل فيما مضى مع بن لادن في أفغانستان؛ والتي أبعدت بن لادن عبر دعمها غير المحدود لإسرائيل, ودعمها للأنظمة العربية المكروهة, وعقوباتها على العراق التي قتلت نصف مليون طفل, إلخ) تعمل على تغذية القاعدة وفروعها. حتى في الوقت الذي تبرر فيه الحرب على الإرهاب التوسعَ الكبير للدولة الأمنية, والاضطهاد غير المسبوق لكل من يحذر من الأخطار المحدقة بالديمقراطية الأمريكية, وممارسات التعذيب المستمرة.
كلما تورطت الولايات المتحدة وحلفاؤها أكثر في سوريا, سوف يزداد عدد الجهاديين هناك. وقد أثبتت القاعدة أنها تقتات على التدخلات الأمريكية. وهذا سبب واحد فقط لمطالبة الولايات المتحدة برفع يدها عن سوريا.
http://www.counterpunch.org/2013/07/22/the-long-war-in-syria-and-why-the...

* غاري لوب (بروفسورفي التاريخ/جامعة تفتس) ترجمة: د. مالك سلمان