خيار التدخل الخارجي في مصر

خيار التدخل الخارجي في مصر
الإثنين ٠٥ أغسطس ٢٠١٣ - ٠٦:٢٦ بتوقيت غرينتش

أسئلة كثيرة حائرة مازالت تبحث عن إجابة تدور في مجملها عن الأسرار الخفية التي تربط بين تنظيم الإخوان المسلمين، على وجه الخصوص، وتنظيمهم الدولي على وجه العموم بالغرب الأمريكي - الأوروبي يسأل المصريون عن دوافع وأسباب كل هذا الاستنفار الأمريكي - الأوروبي للدفاع عن حكم الإخوان المسلمين والمطالبة بضرورة عودة الرئيس المعزول محمد مرسي، ولماذا كل هذه الضغوط الهائلة والتهديدات للقيادة العسكرية المصرية وشخص القائد العام للقوات المسلحة المصرية الفريق أول عبدالفتاح السيسي؟

هذه الأسئلة فجرت حالة غير مسبوقة من الغضب الشعبي في مصر ضد الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بعد توافد زيارات مسؤولين أمريكيين وأوروبيين كبار خاصة ويليام بيرنز نائب وزير الخارجية الأمريكي وكاثرين أشتون مفوضة السياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي . هذه الزيارات اعتبرها المصريون وصاية مجددة على الإرادة الوطنية للشعب المصري، وتدخلاً مرفوضاً ومداناً في الشؤون الداخلية المصرية، وكان السؤال المهم الذي يردده أغلبية المصريين هو: كيف سمح المسؤولون المصريون لهؤلاء الأجانب بالمجيء إلى مصر وإملاء شروطهم وإطلاق تهديداتهم، ولماذا كل هذا التردد في اتخاذ موقف حاسم لوضع نهاية للإرهاب والابتذال الذي يمارسه الإخوان وأعوانهم بعد أن حصلت القيادة على التفويض الشعبي الذي أرادته للتصدي للإرهاب وعلى نحو غير مسبوق يوم 26 يوليو/تموز الماضي .

 الإجابة كانت: الضغوط والتهديدات هي التي أدت إلى التريث في تنفيذ قرار “فض اعتصامات الإخوان في ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر”، فالحد الأدنى الذي جرى تسريبه للرأي العام من تلك الضغوط، وعلى الأخص الأدوار التي قامت وتقوم بها السفيرة الأمريكية في القاهرة، واتصالاتها ولقاءاتها المستمرة بقادة الإخوان والسلفيين لتأجيج الخلافات وتصعيد المواجهات، خلق حالة غير مسبوقة من تحول مواقف الرأي العام ضد الولايات المتحدة والغرب في عمومه في ظل قناعة ويقين بأن التحالف المريب بين الغرب والإخوان ليس دافعه الخوف على الإسلام، فهو أبعد ما يكون عن التعاطف مع الإسلام والمسلمين، وليس دافعه الانحياز إلى الديمقراطية واحترام إرادة الشعوب، لأن الأمريكيين هم آخر من لهم الحق في إدعاء أي غيرة على الديمقراطية والحرية وإرادة الشعوب، كما أن الأوروبيين غير مبرئين من هذا أو ذاك، فهم من شنوا الغزوات الصليبية ضد العرب والمسلمين، وهم من استعمروا شعوب العالم ونهبوا ثرواتهم، وهم من استجلبوا أبناء إفريقيا عبيداً لخدمة حضارتهم المزعومة . أما الولايات المتحدة فهي من ارتكبت أبشع جرائم العدوان على الشعوب بالانحياز المطلق إلى الكيان الصهيوني، وشنت الحرب ضد أفغانستان والعراق تحت زعم الحرب ضد الإرهاب لا لشيء إلا لتعرض برجي التجارة العالميين في نيويورك للتدمير من جانب من اتهموهم هم (الأمريكيون) بأنهم “إرهابيون إسلاميون” .

 الأمريكيون والغربيون بتحالفهم مع الإخوان يدافعون عن مصالح، وهذا هو بيت القصيد: ما هي تلك المصالح التي تحالف الإخوان مع الأمريكيين لتحقيقها في مصر وخارج مصر؟ هل يمكن اعتبار تأسيس نظم حكم إخوانية موالية لواشنطن، في ما أخذ يعرف الآن ب”الهلال” الممتد من شمال إفريقيا في المغرب العربي إلى مصر ومنها إلى الشام والمشرق العربي وصولاً إلى تركيا شرط أن يكون هذا “الهلال” هو الحليف الاستراتيجي للكيان الصهيوني ومنه يؤسس “الشرق الأوسط الجديد” القادر على حماية المصالح الأمريكية في الوطن العربي خاصة وإقليم الشرق الأوسط عامة كي تتفرغ واشنطن للصراع الأهم في إقليم الشرق الأقصى وتحالف القوى الكبرى هناك ضدها: الصين وروسيا وربما الهند هو الدافع لهذا التحالف؟

 لم يأت هذا السؤال من فراغ فقبل تصريح جون كيري الأخير حول حماية الديمقراطية في مصر، كان الإصرار الأمريكي والغربي على اعتبار أن ما حدث في مصر منذ 30 يونيو/حزيران انقلاباً على الشرعية وتدخلاً مرفوضاً من القوات المسلحة المصرية ضد الديمقراطية، رغم أن ما قام به الجيش لدعم المطالب الشعبية بإسقاط حكم الإخوان يوم 3 يوليو/تموز الماضي لا يقارن بما سبق أن قام به الجيش من دور أساسي في إسقاط حكم حسني مبارك، فعقب اسقاط مبارك تولى الجيش السلطة كاملة لمدة عام ونصف العام، أما هذه المرة فالجيش لم يتول السلطة دقيقة واحدة، واستمرار الضغوط الأمريكية لعودة مرسي إلى الحكم، أو ضمان الخروج الآمن له ولجماعته من دون مساءلة وتأمين مشاركتهم الكاملة في الحكم عبر مصالحة يكونون على رأس أطرافها، كل هذا يؤكد أن الأمريكيين طرف مباشر في كل ما يحدث وعلى الأخص ما يتعلق بدعم إصرار الإخوان على إسقاط الحكم الحالي وعودة مرسي إلى السلطة، وهنا تبرز مجدداً الأدوار التي تقوم بها السفيرة الأمريكية آن باترسون .

 فالواضح الآن أن جماعة الإخوان تنفذ وصايا السفيرة باترسون من أجل إسقاط النظام وعودة الجماعة إلى الحكم، فالسفيرة لم تتوقف عن عقد اجتماعات سرية بقيادات الجماعة وجندت نفسها لخدمة التنظيم داخل مصر وحارجها، وبعلم من الإدارة الأمريكية أوصت باترسون باتباع تعليمات واضحة قد ينجح بعضها في تغيير قواعد اللعبة في المشهد السياسي المصري الراهن . وجاء في طليعة هذه التوصيات التي نشرت تفاصيلها إحدى الصحف المصرية: انتقال قيادات التنظيم من مصر إلى الخارج، ومن الأفضل الذهاب إلى تركيا من أجل تشكيل حكومة أو نظام إخواني معارض في الخارج، مع خلق مركز قيادة أساسي إخواني في غزة يتولى قيادة العمليات داخل سيناء ضد الجيش المصري بالتنسيق مع الجهاديين الإسلاميين . أما على الصعيد المصري الداخلي فتشمل هذه الوصايا تصعيد العنف الإخواني من داخل اعتصامي رابعة العدوية والنهضة لإرباك المشهد السياسي كله حتى لو وصل الأمر إلى تفجير ميدان رابعة العدوية واستغلال الضحايا إعلامياً على المستوى الدولي للدفع بخيار التدخل الخارجي .

 تصريحات قادة الاعتصامات الإخوانية خاصة في ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر تكشف مدى قناعة هؤلاء بوصايا السفيرة الأمريكية ومدى قناعتهم بحتمية عودة محمد مرسي . فهؤلاء يرفضون أي تفاوض ويصرون على التصعيد ووضع قوات الأمن أمام خيار وحيد هو: استخدام القوة لفض الاعتصامات من أجل التطلع إلى وقوع عدد أكبر من الضحايا للمتاجرة بدمائهم من أجل فرض خيار التدخل الخارجي، على نحو ما جاء على لسان البرلماني الإخواني جمال حشمت الذي قال في معرض حديثه عن الحل الممكن: إن الحل الوحيد يكمن في عودة مرسي والدستور والبرلمان وبعدها يمكننا الجلوس للتفاوض “مؤكداً أن كل الخونة لازم يتطهروا”، وبسؤاله عمن هم الخونة قال: “كل من انقلب على الديمقراطية”، لكن معالم هذا الخيار (أي خيار التدخل الدولي) تكشفت على لسان جهاد الحداد المتحدث باسم الإخوان بقوله: “إن فض الاعتصام يستلزم” ألف قتيل، وهي فاتورة لا يستطيع الجيش تحملها، وأضاف متحدياً “فليقوموا بذلك، نحن مستعدون لأن نقدم 100 ألف شهيد” .

 وعندما يأتي رئيس الحكومة التركية ليقول في إصراره على عودة محمد مرسي: “الناس لن تغادر الشارع وتعود إلى بيوتها” وعندما تؤكد وزارة الخارجية الأمريكية على لسان المتحدثة باسمها جنيفر ساكي أنه “لا بد من وجود مسار للإفراج عن مرسي” تكون الخطة قد بدت واضحة جلية، إما عودة مرسي أو التدخل الخارجي وكلمة السر هي 100 ألف قتيل بريء يدفع بهم الإخوان إلى التهلكة .

*محمد السعيد ادريس - الخليج الإماراتية