سنودن يتحول الى قضية كبرى لاتزال اميركا تتوقع منها شرّا

سنودن يتحول الى قضية كبرى لاتزال اميركا تتوقع منها شرّا
الأحد ١١ أغسطس ٢٠١٣ - ١٠:١٨ بتوقيت غرينتش

لم يكن يتصور الخبير المعلوماتي الاميركي ادوارد سنودن ان تكون المعلومات التي كشف عنها حول برنامج التجسس الاميركي كل هذا الصدى في العالم والتفاعلات والمديات التي اتخذتها ، حتى باتت تلقي بظلالها على علاقات واشنطن – موسكو وتعيدها الى ما أشبه بأجواء ما كانت عليه في سنوات الحرب الباردة ، كما أجبرت هذه الفضائح إدارة اوباما الى إجراء اصلاحات لتعزيز الشفافية في عمل أجهزة الاستخبارات الاميركية.

إن أميركا بدت في قضية سنودن رغم كل مدعياتها وجبروتها كم هي ضعيفة عندما يجعلها مواطن اميركي مثل سنودن في موقف حرج عالميا في داخل اميركا وخارجها، وكم مخيفة هذه القوة المتغطرسة عندما تحاول استغلال منظومة علاقاتها الدولية للتضييق على انسان والضغط على مختلف الارجاء من أجل إغلاق أبواب العالم في وجه سنودن وإعادته بمختلف الاساليب الى اميركا واحتمال مواجهته عقوبة الاعدام لما شكله من خطورة على مصالح بلاده عبر تصريحاته وكشفه لمعلومات في غاية الاهمية اتخذت جميعها على محمل الجد ولم تستطع حتى اميركا على نفيها وتكذيبها، او حسب تعبير سنودن في لقائه الاول في موسكو 12 – 7 عندما قال: ان "حجم التهديدات غير مسبوق: لم تتآمر الولايات المتحدة ابدا في تاريخها لإرغام طائرة رئيس على الهبوط لتفتيشها بحثا عن لاجىء سياسي".
وكان يشير الى إرغام طائرة الرئيس البوليفي ايفو موراليس على التوقف في فيينا لدى عودته من موسكو الاسبوع الماضي لان دولا أوروبية عدة منها فرنسا اغلقت مجالها الجوي امام طائرته استنادا الى معلومات مفادها ان سنودن على متنها. لكن السبب الذي حال دون صعود سنودن الى الطائرة المتجهة الى هافانا ما زال مجهولا. 

أهمية سنودن وخطورته

ان المعلومات التي كشف سنودن النقاب عنها زعزعت مصداقية الحكومة الاميركية امام الشعب الاميركي نفسه الذي بات اقل ثقة بالحكومة وجعلت شعبية الرئيس اوباما في ادنى مستوياتها ، وفي الخارج جعلت اقرب حليفات اميركا الاوروبيات في حالة حرج رغم انها غير بعيدة عن ممارسة ذات الفعل الاميركي ، الا انها شعرت بالإحراج على تجسس اميركا على حليفاتها المقربات منها، الامر الذي دفع دول الاتحاد الاوروبي الى توحيد موقفها بهذا الشأن وطلب توضيحات من الادارة الاميركية، كما وجعلت الصين تصف اميركا بالنذالة لتجسسها عليها في الوقت الذي تدعي ان الصين تمارس القرصنة ضدها ، فيما طالبت دول اميركا الجنوبية بضمان الامن المعلوماتي منتقدة برنامج التجسس الاميركي وداعية الى وضع حدود للتعاون مع الولايات المتحدة .

سنودن عنصر تهديد للأمن القومي الأميركي !!

اهمية سنودن وخطورته دفعت الرئيس الاميركي اوباما الى الاتصال بالرئيس الروسي لحمله على عدم  منح سنودن اللجوء السياسي للضغط عليه وإرغامه على العودة الى اميركا ومواجهته بتهم قد توصله في اغلب الظن الى الاعدام وأبرز هذه التهم  تهديده للأمن القومي الاميركي من جراء تصريحاته، واهمية وخطورة المعلومات التي كشف عنها، وهو مما دفع روسيا ان تبادر الى إعطاء لجوء مؤقت لسنودن الى حين تمر الازمة بسلام ويصل سنودن الى البلد الذي يكفل له اللجوء الدائم، وكان نتيجة الموقف الروسي هذا ان اتخذت واشنطن عدة مواقف إزاء روسيا منها إلغاء لقائه الذي كان مزمعا عقده قريبا مع الرئيس الروسي بوتين ، وتباعد المواقف اكثر بين الجانبين ، والتأكيد على ان العلاقات الاميركية – الروسية تشهد مزيدا من الانكماش منذ عودة بوتين الى كرسي الزعامة في بلاده.
وبناء على ما سبق يتوقع ان تبقى قضية سنودن تتفاعل على اكثر من صعيد، ويمكن ان تتطور لتكون لها نتائج وخيمة على صعيد الموقف الاميركي المحرج والذي لم تسعفه كل ألوان التبرير من الفعل الإجرامي في مراقبة حتى حلفاء أميركا المقربين.
ومع كل ذلك يبقى سنودن يقول وبكل صراحة وثقة بالنفس كلمته الاخيرة: ( ان هذا القرار الأخلاقي بالكشف أمام العامة عن التجسس الذي يعنينا جميعا كان ضارا، لكنه كان ما ينبغي فعله، ولا أشعر بأي ندم).


عبد الجبار كريم