"سي آي إيه" وتهريب الأسلحة الى سوريا

الإثنين ١٩ أغسطس ٢٠١٣ - ٠٤:٥٧ بتوقيت غرينتش

وضع تقرير جيك تابر (سي إن إن) "بنغازي- غيت" مرة أخرى تحت أضواء الإعلام الأمريكي. يزعم التقرير أن "العشرات" من عملاء "سي آس إيه" كانوا متواجدين في بنغازي ليلة الهجوم, وأن "سي آي إيه" تبذل قصارى جهدها لإخفاء أية تفاصيل يمكن تسريبها عن هؤلاء العملاء وأماكن تواجدهم.

 ويقول التقرير إن "سي آي إيه" متورطة في محاولات "غير مسبوقة" لمنع أية تسريبات من قبل موظفيها, بالإضافة إلى "تهديدات" تهدف إلى إخفاء أسرار بنغازي إلى درجة تغيير أسماء عملاء "سي آي إيه" و "تفريقهم" في كافة أنحاء البلاد.
لا يسع المرء سوى الاعتقاد أن ذلك يهدف إلى تحقيق غرض واحد: إخفاء تورط "سي آي إيه" في تزويد متطرفين معروفين في ليبيا وسوريا بالأسلحة. وفوق ذلك, يشير تقرير "سي إن إن" إلى تقديم "سي آي إيه" "صواريخ أرض- جو" من بنغازي للمتمردين السوريين, لكن يمكن لهذا أن يكون بمثابة رأس جبل الجليد فقط. إذ يمضي التقرير ليقول:
"تكشف المصادر الآن لقناة ‘سي إن إن’ أن العشرات من عملاء ‘سي آي إيه’ كانوا متواجدين على الأرض في تلك الليلة, وأن الوكالة تبذل كل ما في وسعها لتضمن سرية ما كانت تقوم بها. وقد علمت ‘سي إن إن’ أن ‘سي آي إيه’ متورطة فيما وصفه أحد المصادر محاولة غير مسبوقة لمنع أسرار وكالة التجسس في بنغازي من التسرب.
منذ كانون الثاني/يناير تم إخضاع بعض عملاء ‘سي آي إيه’ المتورطين في مهمات الوكالة في ليبيا لاختبارات كذب شهرية, تبعاً لمصدر مطلع على آليات عمل الوكالة. والهدف من عمليات الاستجواب, تبعاً للمصادر, هو معرفة إن كان أحد من العملاء يتحدث إلى وسائل الإعلام أو الكونغرس. وقد تم وصف هذه العملية بالاستفزازية والتخويفية, مع التهديد بإمكان تسريح أي موظف/موظفة في ‘سي آي إيه’ في حال تسريب أية معلومات غير مصرَح بها.
هناك توقعات في ‘كابيتول هيل’ بإمكانية قيام الوكالات الأمريكية العاملة في بنغازي بتقديم المساعدة السرية لنقل صواريخ أرض- جو إلى خارج ليبيا, عبر تركيا, وإلى المتمردين السوريين."
على الرغم من التفضل بتسليم السعودية "البطاقة السورية" من قبل الولايات المتحدة – حيث أصبح الأمير بندر "أمير الجهاد" مرة أخرى؛ فقد بات معلوماً للجميع أنه منذ بدء الأزمة السورية, كانت قطر هي المزود الرئيس للسلاح والأموال للعناصر السياسية والمقاتلة لما يسمى "المعارضة". ومما لا شك فيه أن ذلك قد شمل الدعم السري للعناصر المتطرفة المهيمنة على مجموعة الكتائب المقاتلة على الأرض السورية؛ حيث أن "جبهة النصرة" هي المستفيد الأكبر من المساعدات القطرية. وقد نُقلَ في بداية هذا العام أن "سي آي إيه" كانت "تتشاور" بشكل مباشر مع شبكة مهربي الأسلحة التابعة للمشيخة القطرية, التي تتم إدارتها بشكل رئيس من قصر الأمير في الدوحة. وتبعاً لذلك, يبدو من المؤكد أن "سي آي إيه" والاستخبارات القطرية متورطتان في عملية شحن كميات كبيرة من الأسلحة من ‘الثوار’ في ليبيا إلى ‘الثوار’ في سوريا؛ وكلا المجموعتان مرتبطتان بشكل وثيق بمجموعات قاعدية والجهاديين/السلفيين المتطرفين.
يكشف تقرير نشرته "نيويرك تايمز" في 30 آذار/مارس أن "سي آي إيه" كانت نشطة في ليبيا "طيلة عدة أسابيع" بهدف "جمع المعلومات من أجل ضربات [الناتو], والتواصل مع و ‘دعم’ الثوار الذين يقاتلون ‘قوات القذافي’." كما يقول تقرير "نيويورك تايمز" إن أوباما وقع قراراً رئاسياً في الأسابيع السابقة يفوض "سي آي إيه" بتسليح المتمردين وتمويلهم. وأكثر من ذلك, كشفت صحيفة "الإندبندنت" في آذار/مارس 2011 أن أوباما طلب من السعودية تزويد المقاتلين الليبيين بالأسلحة. كما منحَ أوباما مباركته لقطر والإمارات لشحن الأسلحة إلى بنغازي, كما شجعهما لتقديم أسلحة غير مصنعة في الولايات المتحدة لإبعاد الشكوك – وذلك خرقاً لمنطقة حظر الطيران وحظر الأسلحة الذي ساعد على فرضه, وكل ذلك في خرق كامل للدستور الأمريكي والقانون الدولي.
لم تحاول السلطات الليبية الحالية فعلَ أي شيء للنأي بنفسها عن تقاريرَ تشير إلى شحن كميات كبيرة من الأسلحة إلى سوريا عن طريق ميناء بنغازي. وكما جاء في تقرير وضعه "مجلس الأمن"/الأمم المتحدة, فإن حجم هذه الشحنات والمتطلبات المالية واللوجستية اللازمة لتنظيمها ونقلها تستدعي معرفة الحكومة الليبية ومساعدتها على الأقل, كما اعترف أحد أعضاء البرلمان الليبيين علناً. وفوق ذلك, وفي تقرير نشرته "التلغراف" في تشرين الثاني/نوفمبر 2011, هناك إشارة إلى أن القائد العسكري الليبي في مرحلة ما بعد القذافي عبد الحكيم بلحاج – القائد السابق للتنظيم القاعدي "المجموعة المقاتلة الإسلاموية الليبية" وأحد قادة الانتفاضة العسكرية ضد القذافي – قد زار أعضاءَ في "الجيش السوري الحر" المعارض في تركيا لمناقشة إرسال "الأموال والأسلحة", بالإضافة إلى مناقشة "تدريب المقاتلين الليبيين لعناصر المعارضة".
في تقرير "فوكس نيوز" في كانون الأول/ديسمبر 2012, كشف "قبطان سفينة شحن دولية" أن شحنات الأسلحة من ليبيا إلى سوريا بدأت "فور سقوط معمر القذافي" (تشرين أول/أكتوبر 2011) واستمرت بشكل أسبوعي من عدة موانىء منها مصراتة وبنغازي. وقد بلغت بعض الشحنات الآتية من المصدر أكثر من 600 طناً. ويمضي التقرير ليقتبسَ مصادرَ "مجهولة" على الأرض في بنغازي زعمت أن "الأسلحة والمقاتلين كانوا متوجهين بالتأكيد إلى سوريا, وأن الولايات المتحدة كانت بالتأكيد على علم بذلك – لكن معظم الشحنات توقفت منذ الهجوم على القنصلية الأمريكية".
وفوق ذلك, فإن تقريراً أخرَ موسعاً صادراً عن مجلس الأمن/الأمم المتحدة في نيسان/إبريل أعدته مجموعة من الخبراء يشير إلى انتشار الأسلحة الكثيف في كافة أنحاء ليبيا وتسربها عبر الحدود. وقد جاء في التقرير أن الأسلحة تساهم في إذكاء النزاعات من سوريا إلى مالي, وأن الأسلحة تنتشر من ليبيا "بسرعة تبعث على القلق". وقد أشار التقرير إلى قطر والإمارات بخصوص الخرق الفاضح لحظر توريد السلاح أثناء "الانتفاضة" ضد القذافي في 2011؛ حيث كشف التقرير أن شحنات عديدة من الأسلحة القطرية قد دخلت إلى ليبيا بمعرفة وموافقة الناتو – بنفس الطريقة التي تم السماح للأسلحة بالتدفق إلى تركيا من قطر, حيث توجهت بعد ذلك إلى سوريا.
من المؤكد أن بعض عناصر القيادة "العسكرية" الليبية مرتبطون بقوة بالتنظيمات القاعدية السابقة, وقد تم إيصالهم إلى السلطة بمساعدة قطر وقواتها الخاصة, وبتنيسق مع "سي آي إيه" وقوى الناتو الجوية. وإذا أخذنا هذا بعين الاعتبار, ليس من الصعب أن نتخيلَ أن "يشيحَ نفس اللاعبين النظرَ" عما أصبح لاحقاً طريقاً لتهريب الأسلحة الليبية إلى سوريا, كما يتضح مرة أخرى من هذا التقرير (18 تموز/يوليو 2013) الذي نشرته "رويترز" بعنوان "مغامرات تاجر أسلحة ليبي في سوريا":
"يقول عبد الباسط هارون (القائد السابق ﻠ ‘كتيبة 17 فبراير’) إنه وراء بعض أضخم شحنات الأسلحة المنقولة من ليبيا إلى سوريا, والتي يقوم بتسليمها عبر رحلات طيران خاصة إلى بلدان مجاورة ليقوم بعد ذلك بتهريبها عبر الحدود. ... تم اصطحاب أحد مراسلي رويترز إلى موقع لم تتم تسميته في بنغازي لرؤية شحنة من الأسلحة يتم تحضيرها لإرسالها إلى سوريا. كانت مكرسة مع صناديق الذخيرة, ومنصات الصواريخ, وأنواع مختلفة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
يقول هارون إن بمقدوره جمع الأسلحة من كافة مناطق البلاد والترتيب لتسليمها إلى المتمردين السوريين بسبب علاقاته في ليبيا وفي الخارج. ‘هم يعرفون أننا نرسل الأسلحة إلى سوريا’, قال هارون. ‘الكل يعرف ذلك’. يبدو أن تجارته بالأسلحة معروفة جيداً, على الأقل في شرق ليبيا. وقد قال مسؤولون رفيعو المستوى في الجيش الليبي والحكومة الليبية لرويترز إنهم يدعمون تزويد المعارضة السورية بالأسلحة, بينما قال عضو في البرلمان الليبي إن هارون يقوم بعمل عظيم بمساعدته للمتمردين السوريين."
وتبعاً لتقرير حديث نشرته "نيويورك تايمز" في 29 حزيران/يونيو, تقوم قطر بنقل شحنات الأسلحة إلى "الثوار" في سوريا من ليبيا, منذ "تصعيد جهودهم" لإسقاط العقيد القذافي, على الأقل. وبالتالي, يمكننا أن نفهمَ أن قطر بدأت بإرسال الأسلحة إلى سوريا – من بنغازي – قبلَ  قتل القذافي, أي قبل تشرين الأول/أكتوبر 2011.
من المحتمل أن بنغازي كانت فعلاً برنامجاً لتهريب السلاح بإدارة "سي آي إيه", مع النية "المحتملة" لتوجيه الأسلحة إلى سوريا. فكما أكدت وزارة الخارجية الأمريكية, فقد خصصت 40 مليون دولاراً لشراء و "تجميع" الأسلحة المستخدمة في النزاع في ليبيا, بما في ذلك مخزون "مفقود" من حوالي 20,000 منصة إطلاق صواريخ – لم يعرف مصير 15,000 منها. ويزعم تقرير كتبه عملاء سابقون في القوات الخاصة الأمريكية خدموا في ليبيا بعنوان "بنغازي: التقرير الموثق" أن "القنصلية" وبرنامج مخزون الأسلحة كانا تحت الإدارة الكاملة لجون برينان – "مستشار الأمن القومي" في إدارة أوباما في ذلك الوقت ومدير "سي آي إيه" الآن – وخارج سلسلة قيادة "سي آي إيه" بهدف "نقل الأسلحة المخزنة إلى نزاع آخر – من المحتمل أن يكون سوريا." وفوق ذلك, تجب الإشارة إلى أن العديد من الشخصيات الحكومية الأمريكية البارزة (كلينتون, برينان, بترايوس, ...)كانوا يضغطون من أجل هذه السياسة بالذات؛ مما يضيف إمكانية أن بعض اللاعبين داخل الحكومة أو من الفصائل العديدة التي تشكل "المجمَع الصناعي العسكري" كانوا يتصرفون دون موافقة إدارة أوباما – أو أنهم يبنونَ الأسس اللوجستية لتحقيق مثل هذه السياسة في المستقبل. وهكذا يتشكل لدينا تفسير محتمل للهجوم على "القنصلية" – التي يمكننا أن نفترض الآن أنها كانت مخبأً للأسلحة تديره "سي آي إيه" – يقوم على تردد إدارة أوباما العلني في تقديم المنصات الصاروخية أو أية أسلحة ثقيلة أخرى للمتمردين الذين يقاتلون في سوريا. وفوق ذلك, فإن مؤلفي "بنغازي: التقرير الموثق" يزعمون أن جون برينان كان يستهدف الميليشيا الإسلاموية في ليبيا عبر ضربات الطائرات الآلية ("درونز") والعمليات الخاصة, مما يقدم ذريعة أخرى للهجوم. من الممكن أن بعض فصائل المتمردين, أو مموليهم الإقليميين, أو الأطراف الليبية المرتبطة بها, قد شعروا بالغبن وقرروا العمل ضد "سي آي إيه" في محاولة للسيطرة على الأسلحة التي تشرف عليها.
من المحتمل أن خط تهريب الأسلحة الليبية إلى سوريا كان موجوداً منذ أن سيطرت القوات الخاصة الليبية (والغربية) ووكلاؤها الليبيون المرتبطون بالقاعدة على بنغازي. وبالمقابل فإن الشحنات المتوجهة إلى سوريا قد تزايدت مع السيطرة على مخازن الأسلحة التابعة للقذافي وتوسع الفوضى داخل ليبيا. ويمكن لهذه التطورات أن تفسرَ النسبة الكبيرة للمقاتلين الليبيين بين المقاتلين الأجانب المتواجدين في صفوف المعارضة؛ حيث كشفت دراسة حديثة أن المقاتلين الليبيين يشكلون أكثر من 20% من القتلى الأجانب. فإذا كانت قطر تقوم فعلاً بتنسيق شحنات الأسلحة من ليبيا إلى سوريا خلال المراحل الأولى للأزمة السورية في 2011, وإذا كانت "سي آي إيه" تشرف على الشحنات القطرية ونقاط انتقالها عبر تركيا؛ عندها يجب التشكيك في السرد الرسمي التبسيطي والتطور الزمني للنزاع في سوريا الذي قيلَ إنه نشأ نتيجة قمع التظاهرات السلمية و تحولَ بعد ذلك إلى حرب أهلية شاملة.
إن الكشفَ عن سلسلة الأحداث التي قادت إلى الهجوم على "القنصلية" الأمريكية, ومجموعة الميليشيات التي كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يسلحونها في ليبيا, يمكن أن يكشف – بدوره – عن المدى الكامل لدعم إدارة أوباما لقوى الوكالة المتطرفة في سوريا. ومن شأن ذلك أن يفسرَ المحاولات المضنية التي تبذلها الإدارة الأمريكية لقمع أية نقاشات جدية حول الأحداث المحيطة ببنغازي.

*غلوبل ريسيرتش-فيل غريڤز- ترجمة: د. مالك سلمان