الأهداف الحقيقية للحرب على سوريا

الأهداف الحقيقية للحرب على سوريا
الثلاثاء ٢٤ سبتمبر ٢٠١٣ - ٠٤:٠٦ بتوقيت غرينتش

لكل خبير تقييمه الخاص لمناورات واشنطن حول سوريا وفهمه الخاص لأهداف هذه المناورات. ولذلك هناك تصورات عن الحرب القائمة على سوريا بقدر عدد الخبراء الذين يكتبون عن موضوع الأزمة السورية. فعلى سبيل المثال:

1) تزويد الولايات المتحدة بموارد الطاقة؛
2) خلق فوضى منظمة بهدف الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط؛
3) حماية مصالح الحليف الأمريكي الأول, إسرائيل؛
4) استخدام سوريا بمثابة "الصاعق" لإشعال حرب إقليمية تتوسع فيما بعد إلى حرب عالمية؛
5) تعزيز الدعم المتراجع للرئيس الأمريكي؛
6) تمكين واشنطن من السيطرة بشكل أكثر فعالية على الصين والبلدان الأوروبية, والتي تعتمد على موارد الطاقة القادمة من الشرق الأوسط؛
7) احتلال سوريا بهدف التحرك نحو تدمير عدو الولايات المتحدة الأكبر, إيران؛
8) تأمين العقود للصناعة الدفاعية الأمريكية وإثراء "أمراء السلاح"؛
9) تحريك الاقتصاد الأمريكي الراكد من خلال الإنفاق العسكري؛
10) تحويل انتباه الأمريكيين عن البطالة, والفقر, وفشل السياسة الخارجية الأمريكية, وتبرير أفعال الوكالات الاستخبارية في مراقبة الشعب الأمريكي, ... إلخ.
في محاولة توضيح الأهداف الحقيقية التي تدفع واشنطن لتصعيد التوتر حول سوريا مع وجود العديد من الآراء المطلعة والخبيرة, على المرء ألا يأخذ كلام باراك أوباما على محمل الجد. لذلك سوف نفترض هنا أن الرئيس لا يمتلك أي فهم عن الخطة الشاملة بخصوص سوريا. وكذلك الأمر بالنسبة إلى البنتاغون والجنرالات الميدانيين الأمريكيين. في جلسات الاستماع الأخيرة في الكونغرس الأمريكي, أجابَ الجنرال (ذو النجوم الأربع) مارتن ديمبسي – رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة – على سؤال السناتور بوب كوركر حول الأهداف التي يسعى إليها في حملته السورية بصراحة عسكرية مباشرة: "لا يمكنني أن أجيب على هذا السؤال, بخصوص الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها".
"السلام والأمن" عبر الحرب
أعتقد أنه بمقدورنا تحديد ثلاثة أهداف رئيسة مترابطة من بين أهداف واشنطن التراتبية في "المشروع السوري":
1) تمهيد طريق العدوان وصولاً إلى حدود روسيا؛
2) خلق الشروط الكفيلة بإشعال "الحرب العالمية الثالثة"؛
3) الحفاظ على نظام عملة البترودولار.
قيلَ الكثير عن سوريا بصفتها رابط وسيط في مخططات واشنطن العدوانية. وبعد سوريا, ستكون إيران هدفَ العدوان التالي. وبعد إيران, سوف يصل المعتدي إلى حدود روسيا الجنوبية.
ننتقل الآن إلى الهدف الاستراتيجي الثاني. لاحظوا أنني لم أقل إطلاق شرارة الحرب العالمية الثالثة, بل خلق الشروط الكفيلة بإشعالها. المعضلة هي أن الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى حرب عالمية ثالثة في الوقت الحاضر. ولكن يمكن أن تنشأ الحاجة إليها في المستقبل القريب. لماذا؟ مهما بدت هذه الإجابة غريبة وغير متوقعة, إلا أنها تكمن في العالم الغيبي؛ إذ ليس هناك إجابة منطقية صرفة. فلبُ المسألة هي أن أسيادَ نظام "الاحتياطي الفدرالي", الذين يملونَ إرادتهم على أمريكا, يتمتعون بحسٍ ديني ملتهب: فهم يعتقدون أنهم المبشرون بقدوم "الماشياك" (المسيح المنتظر), ويتوقعون أنه عندما يأتي إلى هذا العالم سوف يعتلي العرش في معبد أورشليم, والذي لم يتم بناؤه بعد. إن أسياد "الاحتياطي الفدرالي" بحاجة إلى حرب إقليمية في الشرق الأوسط لأنها, حسب اعتقادهم, ستجعل من الممكن إعادة بناء "المعبد الثالث" في أورشليم. حيث إن إشعال حرب في واحدة من أكثر مناطق العالم تفجراً يمكن أن تتطورَ بسهولة إلى حرب عالمية تنشر الفوضى في كافة أرجاء العالم. وسيكون هذا النوع من الفوضى كفيلاً بإرغام كافة الأمم, التي تشهدها بأم عينها, على الصلاة من أجل إحلال "السلام والأمن" في العالم. عندها ستأتي "الأيام الأخيرة", ويهلل معظم الناس مرحبينَ بقدوم "الماشياك" (في الرؤية المسيحية, الأعور الدجال), الذي سيكشف عن نفسه بصفته حارسَ "السلام والأمن".
الحرب كوسيلة لإلغاء الديون
هناك تفسير مبسَط لحاجة الولايات المتحدة للحرب العالمية الثالثة. وهذه هي النظرية "المالية" المفصلة على قياس الوعي الإلحادي للنخب الحاكمة في الغرب. فمن شأن هذه الحرب أن تلغي الديون الفلكية للولايات المتحدة والغرب, إضافة إلى بنوك "وول ستريت" و "لندن سيتي", المدينة للإنسانية أجمع. فقد تجاوز الدين السيادي للولايات المتحدة 100% من "الناتج المحلي الإجمالي", كما أن الدينَ الخارجي للبلاد قد تجاوز 100% من "الناتج المحلي الإجمالي". وتعاني أوروبا من أزمة ديون خانقة منذ عدة سنوات, دون وجود أي حل في الأفق. إذ يقترب الدين السيادي لبلدان "منطقة اليورو" من 100% من "الناتج المحلي الإجمالي". كما أن وضعَ الدين الخارجي أكثر خطورة. ففي بريطانيا العظمى, على سبيل المثال, اقترب الدين الخارجي من مستوى 500% من "الناتج المحلي الإجمالي". إن هذه المديونية تفرض على أوروبا تحالفاً قسرياً مع واشنطن في مغامراتها العسكرية. ومن شأن الحرب, كما يوضح المصرفيون المرابون للسياسيين, أن "تشطبَ" جميع هذه الديون. وإلا فستكون نهاية ليس البنوك فقط, بل العديد من الدول في "المليار الذهبي".
إن آليات "شطب" الديون متنوعة. يمكن لبعض الدائنين أن يختفوا عن الخارطة نتيجة الحرب. وهناك قول شائع بين المرابين: "إن لم يكن هناك دائن, فليس هناك دَين". ويمكن أن يشرحوا للآخرين أن ديونهم على أمريكا قد ألغيت لتغطية نفقات واشنطن في "الدفاع عن الديمقراطية" على مستوى كوني. كما يمكن تحويل دائنينَ آخرين إلى مَدينين من خلال فرض تعويضات عن الأضرار بصفتهم أعداءً أو حلفاء لأعداء "الديمقراطية العالمية". باختصار, على "العم سام" أن يخرجَ من الحرب بلا أية ديون. وهذا ما يراهن عليه حلفاؤه أيضاً, وخاصة بريطانيا العظمى. ومن ثم تحلم واشنطن في دخول "نهر التاريخ" مرة أخرى بصفتها المنتصر في الحرب العالمية الأخيرة, مع كافة الامتيازات التي تنطوي عليها هذه النتيجة. ولكن سيتم إطلاق سيناريو الحرب العالمية فقط في حالة العجز عن تحمُل هرَم الدين في أمريكا. ففي الوقت الحالي يحاول النظام العسكري والمصرفي الأمريكي بكل ما أوتي من قوة تحمل هذا الدين وتوسيعه.
واشنطن بحاجة إلى البترودولار, وليس البترول
والآن ننتقل إلى الهدف الاستراتيجي الثالث: الحفاظ على نظام البترودولار. من المعروف أنه تم قبل أربعين عاماً استبدال معيار الذهب بمعيار النفط. ففي سنة 1971, أعلنت الولايات المتحدة انتهاءَ تحويل الدولار إلى ذهب. وبعد ذلك بسنتين, ومن أجل دعم الطلب العالمي على الدولار الأمريكي الذي لم يكن مدعوماً بأي شيء آنذاك, تم خلق نظام جديد: البترودولار. ففي سنة 1973 تم التوصل إلى اتفاقية بين السعودية والولايات المتحدة تنص على تسعير كل برميل نفط يتم شراؤه من السعودية بالدولار الأمريكي. وتبعاً لهذه الاتفاقية الجديدة, يتوجب على كل بلد يرغب في شراء النفط من السعودية أن يقومَ أولاً بتبديل عملته الوطنية إلى الدولار الأمريكي. ومقابل موافقة السعودية على عقد الصفقات النفطية بالدولارات الأمريكية حصراً, قدمت أمريكا الأسلحة والحماية لحقول النفط ضد تجاوزات البلدان المجاورة, بما في ذلك إسرائيل. وفي سنة 1975, وافقت جميع بلدان "الأوبك" على تسعير جميع مواردها النفطية بالدولار الأمريكي حصراً وتلقي الدولارات مقابل النفط. ومقابل ذلك, تلقوا الوعود بشحنات الأسلحة والحماية العسكرية.
إن نظام البترودولار الذي تشكلَ منذ أربعين عاماً مفيد لواشنطن بشكل مزدوج. أولاً, تتلقى بنوك "الاحتياطي الفدرالي" مدخولاً من كل دولار يتم إصداره (وهي, في نهاية المطاف, أموال ائتمان تولد الديون). وهكذا أخذت البنوك تجني أرباحاً ضخمة؛ كما أن بعض الفتات كان يذهب إلى "الرعاع" الأمريكيين أيضاً. ثانياً, تتم كافة التحويلات بالدولار عبر المصارف الأمريكية؛ ونتيجة لذلك تملك واشنطن آلية فعالة للسيطرة على تابعيها الذين يشكلون جزأ من نظام البترودولار العالمي.
يقول الناس أحياناً إن أمريكا في الشرق الأوسط تحارب من أجل مصادر النفط المستمرة من أجل اقتصادها. ولكن فيما يتعلق بأحداث 2013 المحيطة بسوريا, فإن هذه النظرية غير صحيحة, مع أنها كانت لا تزال مبرَرة أثناء الغزو الأمريكي للعراق. ففي مذكراته المنشورة في سنة 2007, يكتب رئيس "الاحتياطي الفدرالي" السابق آلان غرينسبان: "يحزنني (!) أنه من غير المناسب سياسياً الاعتراف بما يعرفه الجميع: إن حرب العراق هي حرب على النفط بالدرجة الأولى". وفي العام نفسه اعترف وزير الدفاع الأمريكي الحالي تشك هيغل, الذي كان سيناتوراً آنذاك: "الناس يقولون إننا لا نحارب من أجل النفط. طبعاً نحارب من أجل النفط".
في السنوات القليلة الأخيرة, كانت أمريكا تحلُ مشاكل الطاقة بشكل فعال عبر ما يسمى "الثورة الطَفلية". فاعتمادها على المصادر الخارجية ينخفض في كل عام. لم تعد أمريكا تحاول تنصيبَ أنظمة خاضعة لسيطرتها في العالم العربي تتمثل مهمتها في تأمين النفط والغاز بشكل متواصل إلى الولايات المتحدة. فاليوم, تشكل واردات النفط من شمال أفريقيا والشرق الأوسط 10% فقط من إجمالي استهلاك النفط في الولايات المتحدة, ويمكن لهذا الرقم أن ينخفضَ في السنوات القليلة القادمة إلى الصفر. إن واشنطن تحارب لكي تتم المتاجرة بهذه الموارد بالدولار الأمريكي. إذ إن لأسياد "الاحتياطي الفدرالي" مصلحة مباشرة في ذلك. الآن, على سبيل المثال, تؤسس الصين بشكل متسارع علاقات قوية مع إيران, على الرغم من العقوبات. وما يوتر واشنطن (أو بالأحرى, أسياد "الاحتياطي الفدرالي") أكثر من أي شيء آخر هو أن التجارة بين هذين البلدين لا تتم بالدولار الأمريكي, وإنما على أساس المقايضة, والمقاصَة, ووحدات النقد الوطنية. لم يعد يرغب أحد, بملء إرادته, في الاتجار بموارد الطاقة بالدولارات. ولا يمكن فرض ذلك الآن إلا بالقوة التي يتم استخدامها ضد المنتجين والمصدرين بشكل رئيسي.
احتدام الصراع على البترودولار
العراق, ليبيا, سوريا, إيران – هذه هي الروابط في صراع واشنطن للمحافظة على البترودولار. دعونا نستذكر بعض الحقائق شبه المنسية. في مطلع عام 2011, أعلن الرئيس السوري بشار الأسد بدءَ التعاون مع روسيا والصين, حيث تتم كافة التبادلات النفطية بالروبل والإيوان [العملة الصينية]. وفي آذار/مارس 2011, بدأت الاضطرابات المناوئة للحكومة والهادفة إلى إسقاط النظام القائم, وفي 15 تشرين الثاني/نوفمبر تم فرض حظر على تصدير النفط السوري. وفي 1 حزيران/يونيو 2012 تم فرض حظر على تصدير النفط الإيراني التي كانت طهران قد بدأت ببيعه باليورو والريال, مركزة على التبادل الداخلي.
أخذ الوضع يزداد سوأ بالنسبة إلى أسياد "الاحتياطي الفدرالي". ففي مطلع 2013 هبط سهم الدولار في التبادلات العالمية إلى ما تحت النسبة الهامة سيكولوجياً 50%. وقد شكل ذلك علامة خطيرة لأسياد "الاحتياطي الفدرالي". ويمكن لبلدان أخرى أن تنضم إلى "لائحة الإعدام" الأمريكية. وهذه بلدان تتاجر عبر: 1) المقايضة؛ 2) المقاصَة؛ 3) الذهب؛ 4) وحدات العملة الوطنية. فعلى سبيل المثال, تشتري الهند والصين النفط من إيران بالذهب. ولا تملك واشنطن القدرة على إرغام الهند والصين للتخلي عن هذا النوع من التجارة, لكنها تأمل في إخضاع إيران. ومن المزعج لواشنطن أيضاً أن موسكو تكتسب ثقة متزايدة في استخدامها للروبل في التجارة مع البلدان المجاورة. إذ إن روسيا توقع عقوداً متزايدة مع الصين بالروبل والإيوان. كما أن بكين تمهد للتبادلات التجارية بالإيوان حتى مع البلدان الأوروبية الغربية. أليس هذا سببا كافيا لكي تعتبرَ واشنطن روسيا والصين أعداءً لها؟ ولذلك فإن "العم سام" يحاول شقَ طريقه إلى حدود روسيا عبر سوريا وإيران ليس لأسباب جيوسياسية فقط, بل لأسباب مالية صرفة أيضاً. على كل من يقوض نظام البترودولار أن يتعرض للعقاب!
وعندما تفشل محاولات واشنطن في الحفاظ على نظام البترودولار, سوف تتحول إلى تطبيق "الخطة باء", وتسمى أيضاً "الحرب العالمية الثالثة". ويوجد صاعق هذه الحرب في منطقة الشرق الأوسط, وبشكل أكثر دقة في سوريا وإيران.

*ستراتيجيك كلتشر فاونديشن - ڤالنتين كاتاسونوڤ- ترجمة: د. مالك سلمان