افتتاح أعمال المحكمة الدولية الخاصة بقضية الحريري والعودة للاحتقان السياسي

الإثنين ٠٢ مارس ٢٠٠٩ - ٠٧:٢٠ بتوقيت غرينتش

ما أن أعلن في مطلع مارس عن افتتاح أعمال المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري ، إلا وتجددت المخاوف من عودة أجواء الاحتقان السياسي التي شهدها لبنان قبل توقيع اتفاق الدوحة ، خاصة وأنه لم يحدث أي تراجع في موقف الأغلبية والمعارضة من القضية ، فالقوى المؤيدة لتدويلها تصر على أن المحكمة قد تضع حدا للاغتيالات الغامضة في البلاد، بينما يرى المعارضون أنها قد تخضع لبنان لتأثير السياسات الدولية.

ولعل التصريحات التي أطلقها نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم قبل ساعات من انطلاق المحكمة ، ترجح أن لبنان مقبل على مرحلة جديدة من التجاذبات السياسية ، حيث ركز على إثارة مسألة الضباط الأربعة الموقوفين على ذمة القضية والذين كانوا يقودون الأجهزة الأمنية إبان اغتيال الحريري في 14 فبراير 2005 .

والضباط المحتجزون هم: المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد، والمدير العام السابق لجهاز الاستخبارات في الجيش اللبناني ريمون عازار، والمدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء علي الحاج، وقائد لواء الحرس الجمهوري العميد مصطفى حمدان.

قاسم طالب بإطلاق سراح هؤلاء الضباط على الفور ، قائلا :" إذا أراد القضاء اللبناني أن يبرز أن لديه نقاء وعدالة، من المفروض أن يفرج عن الضباط الأربعة قبل أن يوسم بأنه لا يحمل هذه العدالة، عندما يتبين أن الملف فارغ ولا شيء فيه ، لا نريد منة من أحد، نحن نريد براءة قضائية أو إدانة قضائية، وغير ذلك لن يكون إلا الخزي والعار، حيث أن نقل الضباط إلى لاهاي من دون اتهام يعتبر خطفاً ".

ويبدو أن السجالات في هذا الصدد ستتصاعد خلال الأيام، خاصة بعد تصريحات مقرر المحكمة الدولية روبرت فنسنت التي أكد خلالها أن أمام المحكمة فترة 60 يوماً لطلب نقل الضباط الأربعة أو أي شخص يطلبه المدعي العام من لبنان ، ولدى سؤاله عن إمكانية استدعاء رؤساء دول إلى المحكمة شهوداً كانوا أم متهمين، قال فنسنت إنه ليس هناك ما يمنع إمكانية حصول ذلك، وأعاد التذكير بسابقة الرئيس الليبيري، تشارلز تايلور في محكمة جرائم حرب سيراليون، مشيرا إلى أن مهلة المحاكمة قد تمتد إلى ثلاث سنوات قابلة للتجديد.

اقتراب موعد الانتخابات النيابية سيزيد هو الآخر من حدة التوتر بشأن المحكمة بين الموالاة "14 آذار" التي تضم بشكل رئيسي أحزاب المستقبل والتقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية والكتائب ، والمعارضة "8 آذار" التي تضم بشكل أساسي حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر .

وكان التحقيق الدولي باغتيال الحريري قد بدأ بعد أشهر من اغتياله، وبطلب من الحكومة اللبنانية، حيث شكلت الأمم المتحدة أولا لجنة تقصي حقائق برئاسة بيتر فيتزغيرلد، تبعها تم تكليف القاضي الألماني ديتليف ميليس بالتحقيق في الجريمة إلا أن تقاريره أثارت الكثير من الجدل واعتبرت أنها مسيسة وتهدف لإحراج دمشق ، وبعد ذلك تسلم التحقيق القاضي البلجيكي سيرج براميرتز، وأخيرا تسلمه الكندي بلمار والذي حرص على غرار سلفه براميرتز على إعداد تقارير عامة حول تقدم التحقيق دون الإشارة إلى هوية المتهمين.

وفي 30 مايو 2006 ، وافق مجلس الأمن الدولي وبضغط اميركي على إنشاء محكمة ذات طابع دولي بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لمحاكمة المتورطين باغتيال الحريري في 14 فبراير2005 وسط بيروت بعبوة ناسفة تقدر زنتها بأكثر من 1800 كليوجرام، يعتقد أنها كانت داخل سيارة مفخخة.

وصدر قرار مجلس الأمن رقم 1757 حول إنشاء المحكمة بأغلبية 10 أصوات وامتناع 5 دول عن التصويت هى كل من الصين وروسيا واندونيسيا وجنوب افريقيا وقطر، حيث اعتبرت هذه الدول أنه يجب ألا يفرض مجلس الأمن المحكمة على لبنان في ظل الانقسامات السائدة هناك.

وإلى جانب قضية اغتيال الحريري، تنظر المحكمة أيضا القضايا التي تثبت صلتها بها، وخاصة الاغتيالات التي تبعت مقتله، وتركزت ضد عدد من الوزراء والنواب والإعلاميين المعارضين لدمشق.

وأعلن حزب الله أن قرار إنشاء المحكمة يشكل تجاوزا للدولة اللبنانية واعتداء على شئونها الداخلية ، كما أنه مخالف للأصول القانونية ومواثيق ومبادئ الأمم المتحدة والأهداف التي قامت من اجلها .

ووفقا لبيان أصدره الحزب فإن السعي الحثيث لمعرفة قتلة الحريري وتقديمهم إلى المحاكمة لمعاقبتهم على ما اقترفوه من جريمة بشعة تشكل إجماعا وطنيا كان يستدعي إنشاء محكمة قضائية جزائية نابعة من توافق داخلي يحفظ دور المؤسسات ويحترم الأصول والمبادئ الدستورية اللبنانية , إلا أن ما جرى من خطوات بمجلس الأمن جعل لبنان في مهب المصالح الدولية ، وشرع الأبواب واسعة أمام تدخلاتها ، بحيث بدا لبنان تحت الوصاية الدولية ملغاة قراراته في سابقة غير مألوفة في تاريخ الدول ذات السيادة .

وأضاف أن فريق السلطة بلبنان قدم خدمة جليلة للإدارة الاميركية ، حيث وضع بين يديها ورقة سياسية يمكن أن تستعملها للضغط السياسي ، فيما أصبح هذا الفريق بعد اتمام مهماته