ثورة الحسين (ع): دروس وعبر (1)

ثورة الحسين (ع): دروس وعبر (1)
الثلاثاء ١٢ نوفمبر ٢٠١٣ - ٠٦:٥٨ بتوقيت غرينتش

ثورة الحسين بن علي على يزيد بن معاوية ، لها دلالات وعبر كثيرة ، لا يمكن للمسلم أن يمر عليها ، دون اخذ الدروس منها ، لأن الحسين أراد بامتناعه عن بيعة يزيد بن معاوية وخروجه من المدينة الى مكة ، ان يظهر للمسلمين بان حكم يزيد هو حكم غير مشروع وان معاوية اراد ان يأخذ البيعة لابنه ، وان يجعل الخلافة وراثية في اولاده ، وانه نكث وعده الذي قطعه للحسن بن علي .

فلما مات معاوية ، كتب يزيد الى واليه في المدينة الوليد بن عتبة بأن يأخذ البيعة من الحسين بن علي وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن ابي بكروعبد الله بن الزبير أخذا عنيفا ليست فيه رخصة ، وقال في رسالته : فمن أبى عليك منهم فاضرب عنقه وابعث برأسه .
فبعث الوليد بن عتبة رسولا الى الحسين  بن علي وعبد الرحمن بن ابي بكر وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير فلم يصبهم في منازلهم ، فمضى نحو المسجد فإذا هم عند قبر الرسول فسلم عليهم ثم قال : الامير يدعوكم فصيروا اليه.
فقال الحسين : نفعل ذلك ونحن إذا فرغنا من مجلسنا إن شاء الله. فانصرف الرسول الى الوليد فأخبره بذلك . فأقبل عبد الله بن الزبير على الحسين فقال : يا أبا عبد الله إن هذه ساعة لم يكن الوليد بن عتبة يجلس فيها للناس ، واني انكرت بعثه الينا ودعاءه إيانا في مثل هذا الوقت ، أفترى لماذا بعث إلينا؟
فقال له الحسين : أنا أخبرك :أظن أن معاوية قد مات ، وذلك إني رأيت البارحة في منامي كأن معاوية منكوس ، ورأيت النار تشتعل في داره ، فتأولت ذلك في نفسي أن قد مات معاوية .فقال ابن الزبير : فأعلم ان ذلك كذلك ، فما ترى نصنع يا أبا عبد الله ! إن دعينا الى بيعة يزيد؟ .
فقال الحسين : أما أنا فلا أبايع أبدا ، لان الامر كان لي بعد أخي الحسن ، فصنع معاوية ما صنع ، وكان حلف لاخي الحسن : أن لا يجعل الخلافة لاحد من ولده ، وأن يردها عليّ ان كنتُ حيا ، فإن كان معاوية خرج من دنياه ولم يف لي ، ولا لاخي بما ضمن ، فقد جاءنا ما لا قرار لنا به ، أتظن أبا بكر ! اني ابابع ليزيد ، ويزيد رجل فاسق ، معلن بالفسق ، يشرب الخمر ، ويلعب بالكلاب والفهود ، ونحن بقية آل الرسول ، لا ، والله ، لا يكون ذلك أبدا.
فقال له ابن الزبير :جعلت فداك ! إني خائف عليك أن يحبسوك عندهم ،  فلا يفارقونك أبدا ، دون أن تبايع أو تقتل .
فقال الحسين : اني لست ادخل عليه وحدي ، ولكني أجمع إلي اصحابي وخدمي وأنصاري وأهل الحق من شيعتي ، ثم آمرهم أن يأخذ كل واحد منهم سيفه ، مسلولا تحت ثيابه  ، ثم يصيروا بإزائي ، فإذا أنا أومأت اليهم ، وقلت : يا آل الرسول ! ادخلوا ،فعلوا ما أمرتهم به فأكون على الامتناع دون المقادة والمذلة في نفسي .
خرج الحسين من منزله وهو في ثلاثين رجلا من أهل بيته ومواليه وشيعته ، فوقفهم على باب الوليد ، ثم قال انظروا ما أوصيتكم به ، فلا تعدوه ، وأنا ارجو أن اخرج اليكم سالما إن شاء الله .ثم دخل على الوليد فسلم عليه بالإمرة  ، فأخبره الوليد بموت معاوية ، فسأله الحسين : لماذا دعوتني ؟ فقال دعوتك للبيعة التي قد اجتمع الناس عليها ، فقال الحسين : أيها الامير ! إن مثلي لا يعطي البيعة سرا ، وإنما يجب أن تكون البيعة علانية بحضرة الجماعة ، فإذا دعوت الناس غدا الى البيعة دعوتنا معهم ، فيكون الأمر واحدا .
فخرج الحسين فأمر اصحابه بالانصراف الى منازلهم وذهب الى منزله ، ويقول الراوي ان الحسين خرج من منزله وأتى قبر جده فقال: السلام عليك يا رسول الله ! انا الحسين بن فاطمة ، فرخك وابن فرخك ، وسبطك والثقل الذي خلفته في أمتك ، فاشهد عليهم ، يا نبي الله ! إنهم قد خذلوني ، وضيعوني ، ولم يحفظوني ، وهذه شكواي إليك حتى ألقاك – صلى الله عليك .
ثم عزم الحسين التوجه الى مكة ، وكتب وصية الى أخيه محمد بن الحنفية قال فيها : " هذا ما أوصى به – الحسين بن علي بن أبي طالب – الى أخيه – محمد بن علي – المعروف بإبن الحنفية – إن الحسين بن علي يشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له ن وأن محمدا عبده ورسوله ، جاء بالحق من عند الحق ، وأن الجنة حق والنار حق ، وأن الساعة آتیة لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور . 
إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت أطلب الاصلاح في أمة جدي محمد (ص) ، أريد أن أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي محمد ، وسيرة على بن أبي طالب ، وسيرة الخلفاء الراشدين.
فمن قبلني بقبول الحق ، فالله أولى بالحق ، ومن رد علي هذا ، صبرت حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ، ويحكم بيني وبينهم ، وهو خير الحاكمين .هذه وصيتي اليك ، يأخي ! وما توفيقي الا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ، والسلام عليك ، وعلى من إتبع الهدى ، ولا قوة الا بالله العلي العظيم".
ثم طوى الحسين كتابه هذا ، وختمه بخاتمه ، ودفعه الى اخيه محمد ، ثم ودعه وخرج في جوف الليل يريد مكة في جميع أهل بيته ، وذلك لثلاث مضين من شهر شعبان سنة ستين ، فلزم الطريق فجعل يسير وهو يتلو هذه الآية : ( فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين ) القصص - 21).
وسار حتى وافى مكة فلما نظر إلى جبالها من بعيد ، جعل يتلو هذه الآية : (ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ) القصص -22.
شاكر كسرائي

كلمات دليلية :