فرنسا تعيد المفاوضات النووية إلى «الطريق المسدود»

فرنسا تعيد المفاوضات النووية إلى «الطريق المسدود»
الأربعاء ١٣ نوفمبر ٢٠١٣ - ٠٣:٢٨ بتوقيت غرينتش

فرنسا تعيد المفاوضات النووية إلى «الطريق المسدود»خرج أحد مساعدي وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس للقاء الصحافيين في إحدى قاعات «فندق إنتركونتيننتال» في مدينة جنيف السويسرية. الديبلوماسي الفرنسي زف الخبر إلى مجموعة من الصحافيين الفرنسيين مهللاً «لقد أعدنا المفاوضات بين الستة (5+1) وبين إيران إلى الطريق المسدود».

الاستنتاج، بعد ذلك، أن فرنسا أفشلت اجتماع جنيف ومنعت انجاز تسوية تاريخية بين الغربيين وإيران حول ملف يكبل الإيرانيين بالعقوبات منذ أعوام جائز وليس اتهاما من دون سند.

إنها بداهة تفرض نفسها في استنتاجات ومواقف الأميركيين والأوروبيين الآخرين. كما تفرض نفسها في مراقبة تحركات الديبلوماسية الفرنسية في كواليس المؤتمر، الذي كان يتجه إلى الخروج باتفاق تاريخي، قبل أن يصل فابيوس إلى قاعة الاجتماعات، ويخرج منها قبل الجميع ليعلن بنفسه فشل المؤتمر.

كان ينبغي الاستماع إلى ديبلوماسي أميركي ليتبين اتساع الإجماع حول مسؤولية الديبلوماسية الفرنسية في إحباط تسوية كانت في متناول اليد والشعور بالمرارة. وقال «لقد عملنا معاً، أميركيون وأوروبيون وإيرانيون طيلة أشهر لإنجاح هذه العملية، وبالنسبة إلى فابيوس لم يكن الأمر إلا محاولة للظهور وإحاطة نفسه بالأهمية».

عمل فابيوس على إحباط أي محاولة للتقدم. فبعد اجتماع مطول بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاترين آشتون سارت فيه المباحثات على ما يرام، طلب الوزير الفرنسي الانضمام إلى الاجتماع، وبينما كان المتحدث باسم آشتون مايكل مان يعد لمؤتمر صحافي عند السادسة مساء، خرج وزير الخارجية الفرنسي من الاجتماع الثلاثي ليعلن فشل المحادثات دون أن يكون مكلفا بذلك، قائلا إن «الطريق لا تزال طويلة للتوصل إلى اتفاق».

واضطرت آشتون وكيري إلى عقد مؤتمر صحافي، غير مقرر، في ساعة متأخرة من الليل لتصحيح الانطباع الذي خلفه الموقف الفرنسي مع تجنب الانتقادات العلنية.

ولم يكن كيري مقنعاً في دفاعه عن موقف زميله الفرنسي، حيث قال «نعمل سوية مع الفرنسيين ونحن نتفق معهم على ضرورة العمل حول بعض القضايا» مع التأكيد أن الاتفاق لا يزال ممكناً.

قبل بدء المؤتمر، طوّر الفرنسيون إستراتيجية إعلامية وتفاوضية بهدف عرقلة الاتفاق. لم يتوقف وزير الخارجية حتى قبل الوصول إلى قاعة المفاوضات في جنيف عن إبداء التشاؤم في احتمالات التوصل إلى اتفاق والقول إن «الطريق إليه لا تزال طويلة»، فيما كان وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ ونظيره الألماني غيدو فيسترفيله يتحدثان عن اتفاق وشيك.

قدّم الغربيون، قبل وصول الفرنسيين، تصوراً يعتمد على تقسيم المفاوضات مع إيران إلى مرحلتين، أو ما أسماه وزير الخارجية الأميركي جون كيري بالسلسلة التوفيقية: يرفع الغربيون العقوبات عن الذهب والمعادن الثمينة وعن 50 مليار دولار من الأرصدة الإيرانية المجمدة، في مقابل تقديم إيران خلال ستة أشهر ضمانات حول سلمية برنامجها النووي.

وتم تداول أفكار كتجميد تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة، أو وقف العمل بجزء كبير من 19 ألف جهاز لتخصيب اليورانيوم تملكها إيران قبل الانتقال إلى البحث في مرحلة ثانية من التسوية بأجزاء أخرى من البرنامج النووي الإيراني.

في المقابل، طالب الإيرانيون بأن تتضمن المرحلة الأولى فكاً فوريا للحصار عن صادراتهم النفطية ورفع العقوبات عن القطاع المصرفي.

أعاد الفرنسيون البحث في جنيف إلى النقطة الصفر. هم اعتمدوا إستراتيجية المطالبة بصفقة متكاملة تنفذ دفعة واحدة، فيما يعرفون مسبقا أنه يصعب تنفيذها إيرانياً.

رفع الفرنسيون سقف مطالبهم للموافقة على المفاوضات ونص الاتفاق الذي قطع المفاوضون شوطاً كبيرا في تحريره، بحسب وزير الخارجية البريطاني، الذي قال إن «هناك اتفاقاً جاهزاً على الطاولة، لقد خضنا نقاشات جدية، وأقمنا علاقات رسمية وشخصية مع الوزير محمد جواد ظريف، وهو مفاوض صعب، ولكن بناء».

وطرح فابيوس ثلاثة مطالب لتكبيل البرنامج النووي الإيراني دفعة واحدة:

1 ـ إغلاق مفاعل «آراك» الذي يعمل بالماء الثقيل، والذي يمكن لإيران من خلاله إنتاج البلوتونيوم الضروري لتصنيع القنبلة.

2 ـ البحث بمخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة. تملك إيران منه 186 كليوغراما. وكانت هذه المسألة محور مفاوضات ماضية لم تصل إلى نهايتها لسحب المخزون الإيراني إلى دولة ثالثة وتحييده.

3 ـ البحث بالقضايا الجوهرية المتصلة بمعاهدة منع الانتشار النووي وفي حق إيران أو عدمه بالتخصيب. وهي قضية في صلب التسوية التي ستعرضها أميركا على إيران بقبول حد منخفض من التخصيب يضمن مدنية البرنامج الإيراني تحت رقابة وكالة الطاقة النووية، والخروج بتسوية مشرفة للطرفين. ومن الواضح إن إعادة طرح هذه المسألة في هذه المرحلة تستهدف ابتزاز الأميركيين والإيرانيين معا ومنع أي تسوية.

لماذا يعرقل الفرنسيون التسوية الأميركية الإيرانية حول الملف الإيراني؟

لا يبدو التوقيت لإنجاز أي مرحلة من التسوية في الملف النووي الإيراني مطابقا لأولويات الديبلوماسية الفرنسية. فالإعلان عن تسوية تشارك فيها فرنسا في هذا الوقت لن يساعد الرئيس فرنسوا هولاند، الذي سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل، على مصافحة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالحرارة نفسها لو قام بتسهيل الاتفاق.

وابعد من تزامن المفاوضات مع زيارة هولاند إلى إسرائيل واستعراض القوة الناجح للتيار المؤيد لإسرائيل في «الحزب الاشتراكي» الحاكم، فهناك الرغبة التي تعتمل لدى الخارجية الفرنسية للانتقام من الأميركيين الذين أهانوا الديبلوماسية الفرنسية في أكثر من ملف مشترك: من التخلي عن الضربة ضد سوريا من دون إعلام فرنسا التي تطوعت للمشاركة فيها والاتفاق الروسي الأميركي، الذي استبعد فرنسا من أي دور في التسوية حول سوريا، إذ غاب لوران فابيوس عن كل الاجتماعات التحضيرية التي أدارها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وكيري.

وهناك أيضاً الرغبة بإرضاء الحليف السعودي. فالمنعطف الجديد للديبلوماسية الفرنسية ادخلها محوراً يشمل إسرائيل والسعودية معاً. وقال فابيوس إن التسوية «ينبغي أن تضمن أمن إسرائيل والمنطقة».

فبعدما كانت قطر تشكل محور الديبلوماسية الفرنسية ونقطة ارتكازها في مقاربة سياستها العربية خلال حكم الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، من دارفور فالساحل الإفريقي فليبيا وصولاً إلى لبنان وسوريا وإيران طبعاً، استبدلت ديبلوماسية فرنسوا هولاند القطريين بالسعوديين.

وتعمل الديبلوماسية الفرنسية في سياسة عربية وإيرانية فضيلتها الكبرى أنها لم تعد تتعارض مع علاقاتها مع إسرائيل ولا مع مصالحها التي أصبحت مشتركة، وذلك بفضل التقارب حول سوريا والخوف من النووي الإيراني في الرياض وتل أبيب.

ومن الواضح أن محور باريس ــ الرياض ــ تل أبيب يعمل ربما من غير تنسيق لكنه يسير في الاتجاه نفسه: ضد سوريا وإيران و«حزب الله».

فبالتنسيق مع مدير الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان ووزير الخارجية سعود الفيصل وبطلب إسرائيلي، قادت باريس مع لندن حملة في الإتحاد الأوروبي ضد الجناح العسكري لـ«حزب الله» انتهت بوضعه على لائحة «الإرهاب» وسمحت للرياض بطلب مماثل في مجلس التعاون .

ويقوم تنسيق فرنسي ــ سعودي واسع في مقاربة الملف السوري وفي دعم المعارضة المسلحة ورعاية «الائتلاف السوري» وفرض دفتر شروط سعودي بالفرنسية على أي مفاوضات في جنيف.

لماذا يتجه الفرنسيون نحو الرياض؟

يعتقد الفرنسيون أنهم سيملأون الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأميركي من الخليج ويطمحون إلى المزيد من التقارب مع الرياض التي تظهر ضيقا من التقارب الأميركي ــ الإيراني وتتقاسم هواجسها. والأهم يبرز في المرونة البريطانية والأميركية والألمانية، التي تطمح إلى التعجيل بالتسوية مع إيران، إذ بعد ثلاثة عقود من الانسحاب الأميركي من إيران والعقوبات، تتأهب الشركات الأميركية والألمانية والبريطانية لاستعادة سوق تعد بأكثر من ستين مليار دولار لتأهيل البنى التحتية والمنشآت النفطية وصناعة الغاز والنقل، فيما ليس مؤكدا أن يكون الفرنسيون في عداد العائدين بعد خروجهم تدريجيا منذ العام 2008 من إيران.

ويطمع الفرنسيون، كعادتهم، في تحالفهم مع الرياض بعقد المزيد من الصفقات في الدفاع والبنى التحتية والنقل ومفاعل نووي تقدر كلها بثلاثين مليار دولار.

وتزامن التفاوض حول إيران مع دخول الرياض وباريس مرحلة حرجة في المفاوضات حول بعض الصفقات، التي حاول هولاند إنهاءها وإنما أخرتها حالة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز. ففي شهر تشرين الأول الماضي وقع السعوديون بعد طول انتظار عقدا مع الفرنسيين لتأهيل أربع فرقاطات بقيمة مليار ومئة مليون يورو. وينتظر الفرنسيون توقيعاً سعودياً على عقد بقيمة مليارين ونصف مليار دولار يشمل صواريخ من الجيل الجديد من طراز «كروتال»، تستحق كلها إرضاء الرياض وتأخير التسوية مع إيران.

السفير-محمد بلوط