تفجير السفارة الإيرانية: لبنان ساحة جهاد لـ القاعدة ؟

تفجير السفارة الإيرانية: لبنان ساحة جهاد لـ القاعدة ؟
الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠١٣ - ٠٤:٢٦ بتوقيت غرينتش

سبق أن زوّد جهاز أمني غربي الأجهزة الأمنية اللبنانية بمعلومة عن عمل انتحاري يتم تحضيره في بيروت.

أكدت مصادر أمنية مطّلعة لـ«السفير» أن ما يتردد في شأن استخدام دراجة نارية في التفجير الأول الذي استهدف السفارة الإيرانية «ليس دقيقاً»، مشيراً إلى أن الانتحاريين كانا في سيارة واحدة رباعية الدفع، فترجل منها الانتحاري الأول وتوجه إلى مدخل السفارة سيراً على القدمين ثم فجر نفسه، بينما كان الانتحاري الثاني يقود السيارة منتظراً سماع صوت التفجير.

وبعد مرور نحو 4 دقائق على الانفجار الأول (العاشرة إلا ثلثاً صباحاً) أمام بوابة السفارة، وصل سائق السيارة، أي الانتحاري الثاني، إلى الشارع الأساس، لكنه فوجئ بأمرين اثنين: أولاً، وجود شاحنة صغيرة كانت محملة ببراميل مياه توقف سائقها فجأة في وسط الطريق عند الانفجار الأول، بعيداً أمتاراً قليلة عن المدخل الذي كانت تقضي الخطة بأن يقتحمه الانتحاري الثاني ليفجّر السيارة في باحة السفارة.

أما الأمر الثاني والأساسي الذي حال دون تقدّم السائق الانتحاري، وفق مصادر «السفير»، فتجلّى بهجوم مسلّح نفذه المسؤول الأمني في السفارة رضوان فارس (لبناني)، المعروف بـ«الحاج رضا»، إذ خرج وخمسة من أفراد أمن السفارة بعد الانفجار الأول للاطلاع على ما حدث، ثم انتبه «الحاج رضا» إلى أن السيارة تحاول الهجوم فشهر سلاحه وأطلق الرصاص على السائق. تضيف المعلومات أن هجوم فارس أرغم الانتحاري على تفجير نفسه داخل السيارة، حيث كان مزنراً بعبوة زنتها تفوق الخمسين كيلوغراماً، بالقرب من مبنى يقطنه إيرانيون ومن بينهم المستشار الثقافي في السفارة إبراهيم الأنصاري.

وعلمت «السفير» أن فارس قام بتنفيذ إجراءات أمنية مشددة في الآونة الأخيرة، أبرزها تصفيح البوابة الأساسية التي لم تُخلع على الرغم من الانفجار الأول، بالإضافة إلى إقدامه على تحصين السور المحيط بمبنى السفارة، علماً أن الرجل «ليس مسؤولاً عن الحرس كما تردد فقط، بل هو من رجال الأمن المخضرمين، ومن بين مهماته هي أمن السفارة» يقول عارفوه.

ويقول مصدر أمني رسمي إن الأجهزة المعنية عثرت على هوية شخص سوري في مكان الانفجار، تبين أنها مزورة ويقطن صاحبها في صبرا، مشيراً إلى أن السيارة التي انفجرت يرجّح أنها كانت بحوزة شخص لبناني استأجرها ثم باعها إلى أحد تجار السيارات المسروقة في بريتال.

يضيف أن «ما حدث يشبه الوقائع التي رافقت تاريخ ومصير السيارة التي استخدمت في تفجير الرويس، إذ تبين لنا أن ح.ط.، أحد تجار السيارات المسروقة المتحصّن في بريتال، هو آخر من اشتراها في لبنان ثم قام ببيعها إلى أشخاص معارضين للنظام في سوريا، قاموا بتفخيخها هناك ثم أرسلوها إلى لبنان من عرسال».

وفي حين تبنّت «كتائب عبد الله عزام» التابعة لتنظيم «القاعدة» مسؤوليتها عن التفجيرين ، عبر تصريح الكتروني موقع باسم الشيخ سراج الدين زريقات، إلا أن مصادر أمنية انقسمت في شأن ذلك: ثمة من قال إن التصريح لا يؤكد بالضرورة مسؤولية الكتائب عن التفجيرين ولا ينفيه أيضاً، فيما قال آخرون إن هذا التنظيم بالتحديد «جدّي جداً» وتاريخه يشهد بأنه لا يتبنى عمليات لا يكون هو منفذها.

وكشف مصدر أمني لـ«السفير» عن ورود معلومات شبه موثّقة للأجهزة الأمنية الرسمية، سبقت تفجيري الأمس في محيط السفارة الإيرانية بأيام قليلة، مفادها أن السعودي المنضوي في «كتائب عبدالله عزام» أحمد السويدي «يحضّر لعمل إرهابي يستهدف مقراً ديبلوماسياً موالياً للنظام السوري في لبنان.

وأكد المصدر أن المعلومة تقاطعت مع معلومات من مخبرين وأجهزة أمنية أجنبية، تحذر من خطة يشرف عليها القيادي البارز في «كتائب عبدالله عزام» السعودي ماجد الماجد، بالتنسيق مع السويدي، تهدف إلى الضغط على «حزب الله» لسحب مقاتليه من سوريا.

لكن التقارير الأمنية تضاربت حينها في شأن طريقة التفجير، إذ أشارت بعضها إلى أن الأسلوب سيكون شبيهاً بالتفجيرات السابقة، أي عبر سيارات مفخخة، فيما زوّد جهاز أمني غربي الأجهزة الأمنية المحلية بمعلومة مقتضبة: «انتبهوا من مخيم عين الحلوة. ثمة عمل انتحاري يتم تحضيره في بيروت، ومعلوماتنا مستقاة من خلال التنصت وليس المخبرين».

مع ذلك، ومثل عادتها، لم تتمكن الأجهزة الأمنية اللبنانية من رصد ومتابعة المتهمين أو حتى إعاقة تحركاتهم، مستفيدة من ذريعة سيسمعها اللبنانيون في الأيام المقبلة كثيراً: «ماذا نستطيع أن نفعل تجاه مخيم ممنوع علينا الاقتراب منه؟ لدى كتائب عبد الله عزام في المخيم صواريخ وقياديون خطرون، لكننا لا نستطيع أن نفعل شيئاً».

في مكان الانفجارين
على بعد أمتار قليلة من المدخل الأساسي للسفارة الإيرانية، حيث دوّى الانفجاران، ثمة مبنى لـ«حركة أمل» يضم المركز الأساس لـ«الهيئة التنفيذية». وفي الشارع البرجوازي ذاته، مقابل مقرّ السفارة، يقطن مسؤول أمني في الحركة.

تعلو أصوات أبواق الإسعافات. الدماء تنتشر على الرصيف. خمسة مبانٍ حطّم الانفجاران شققها. رتل من السيارات الفخمة المهشمة. صراخ. مسلّحون يمنعون الناس من المرور. سكان الحي يرافقون الضحايا إلى المستشفيات بذهول. رجال أمن وصحافيون، وقليل من الفضوليين، يقفون في حلقات دائرية متفرقة.

تصرخ سيدة ترتدي حجاباً أسود اللون قائلة: «هؤلاء آل سعود! الله يهدّك يا بندر»، فيتدافع المصوّرون ويركضون نحوها مسرعين وهم ينادونها «لحظة، لحظة». تتوقف السيدة عن السير.

تلوّح بيديها يميناً: «أنا أسكن هناك، في الطابق الثاني. جثة الانتحاري موجودة على شرفتي الآن! لقد رأيتها بعيني! الله يهدّك يا بندر!». تتحوّل السيدة إلى «سبق صحافي» بما أنها شاهدت جثة أحد الانتحاريين، فيحاول كل مصوّر أن ينفرد بها، لكنها تغادر مسرعة.

الشاب لبناني مغترب، وصل قبل أيام إلى لبنان. يقف مدهوشاً عند مدخل أحد المباني المتضررة. يتحدث بلكنة لبنانية تائهة: «كنت واقفاً على الشرفة لما دوّى الانفجار الأول. شاهدت شاباً يمشي على قدميه متوجهاً نحو السفارة. فجّر نفسه ثم انفجرت سيارة بعد ذلك».

يشرد قليلاً محاولاً تذكّر ما حدث بعد انفجار السيارة. «سواد. أذكر أنني أصبحت محاطاً بلون أسود، ثم هرعت إلى هنا». ويقول إن المبنى الملاصق للسفارة، يقطنه إيرانيون. «نحن نسمّيها بناية الإيرانيين»، يردف مشيراً إليها بإحدى يديه.

لا يقل ثمن الشقة، هنا، عن نصف مليون دولار. «تعوّدنا أن التفجيرات تستهدف المناطق الشعبية فقط، لذلك كنا نشعر أننا من السكان الذين لن يتم استهدافهم يوماً ما، خصوصاً أن السفارة مقر ديبلوماسي يصعب تخيّل استهدافه»، تشرح فتاة عشرينية كانت جالسة على درج المبنى المواجه للسفارة، موضحة بنبرة يغمرها ارتياح واضح: «أهلي توجهوا إلى القرية أمس، أما أنا فكنت أمشي على الرملة البيضاء لحظة وقوع الانفجارين».

تمرّ سيارة تابعة لـ«الهيئة الصحية» مسرعة. يتفرّق المتجمهرون قليلاً. يقول أحدهم مخاطباً صديقه: «أين سكان المنطقة؟ هل الأغنياء لا ينزلون إلى الطريق بعد وقوع الانفجارات، بينما نحن الفقراء نهرع إلى الشوارع بسرعة؟». يضحك الفتى ثم يخفي ابتسامته قائلاً: «يبدو أن التفجيرات الآتية لن تفرق بين فقير وغنيّ».

في جوار المبنى الذي يقطنه مسؤول أمني تابع لـ«حركة أمل»، ثمة بناية عارية الطلاء، تبدو كما لو أنها مهجورة وقديمة، ويكسر مظهر فقرها مشهد الحيّ الراقي الذي تترامى على طرفيه أشجار النخيل الباسقة. المباني الفخمة أصيبت بأضرار كبيرة، بينما المبنى الفقير ظل كما هو، يطل من شرفاته فقراء ينظرون إلى الدمار الذي نجوا منه. «نسميّها بناية المهجّرين»، يقول أحد سكان المنطقة.

أمام البناية يقف رجل خمسيني اسمه حسن حرب. «ثوانٍ قليلة كانت تفصلني عن الموت»، يقول لاهثاً. «كنت أقلّ شقيقي إلى منزله، عندما دوّى التفجير الأول فسقطنا عن الدراجة النارية. وبينما كنا نحاول النهوض، وقع الانفجار الثاني. نهضنا وبدأنا نساعد الجرحى. كان المشهد مرعباً: الدماء تغطي كل الوجوه».

أمس، شهد لبنان الانتقال الأخطر في تاريخ العمليات الإرهابية: الانتحاريون دخلوا على خط التفجيرات، بينما الأجهزة الأمنية لم تنجح، حتى الساعة، في استباق أي عملية إرهابية، سوى إصدارها بعض البيانات التي تحوّل تجار الأسلحة إلى إرهابيين يريدون تفجير الضاحية.

واليوم، يتعيّن على الأجهزة الأمنية أن تتواضع قليلاً، وتتنازل عن همّها الأساس الذي يكمن، وفق المعطيات المتتالية، في خانة التنافس والسباق على نفخ عضلات وهمية..

قياديان لـ«الكتائب»
بدأت «كتائب عبد الله عزام» تنفيذ باكورة عملياتها العسكرية في العام 2004، من خلال ثلاثة تفجيرات في مصر. ويعود اسم الكتائب المرتبطة بـ«القاعدة» إلى القيادي الفلسطيني الشهير عبد الله عزام، الذي تم اغتياله في العام 1989.

وسبق أن تبنّت الكتائب قصف بارجتين أميركيتين في ميناء العقبة في العام 2005، وقصف مدينة إيلات في العام 2010، وتفجير انتحاري نفذه أيوب الطيشان ضد ناقلة نفط يابانية أمام السواحل الإماراتية. وصنّفت الولايات المتحدة الأميركية «كتائب عبد الله عزام» على لائحة المنظمات الإرهابية في 24 أيار 2012، وجمدت جميع أرصدتها وممتلكاتها على الأراضي الأميركية.
أما في لبنان، فقد تمركزت الكتائب في مخيم عين الحلوة، وعملت على استقطاب شباب كانوا في تنظيمات إسلامية منحلة. وشيئاً فشيئاً راكمت خبرات في تصنيع العبوات التفجيرية، عبر الاستفادة من مقاتلين شاركوا في معارك أفغانستان والعراق وسوريا أخيراً.

وتقول معلومات «السفير» إن الأمير «الواجهة» لـ«سرايا زياد الجراح» التابعة للكتائب في لبنان، هو توفيق طه، بينما القائد الفعلي هو السعودي ماجد الماجد الذي يُعتبر من قياديي «القاعدة». أما زريقات، الذي تردد اسمه أمس بسبب «تغريدته» التي تبنّت التفجيرين، فإنه يُعتبر من الوجوه الأساسية في الكتائب.

وقال زريقات إن الانتحاريين ينتميان إلى «سرايا الحسين» التابعة لـ«كتائب عبد الله عزام»، مضيفاً: «غزوة السفارة الإيرانية في بيروت تهدف إلى سحب عناصر حزب إيران من سورية، وإطلاق سراح أسرانا من سجون الظلم في لبنان».

يذكر أن مخابرات الجيش سبق وأوقفت زريقات العام الماضي بتهمة القيام بأعمال إرهابية، ثم أخلي سبيله بعد ساعات نتيجة تدخلات سياسية - دينية.

*جعفر العطار - السفير