اتفاق جنيف ، في الميزان

اتفاق جنيف ، في الميزان
الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠١٣ - ٠٦:٠٥ بتوقيت غرينتش

رحب عدد كبير من دول العالم بالاتفاق الذي وقع في جنيف بين ايران ومجموعة 5+1 يوم الاحد الماضي، بعد محادثات شاقة ومضنية استغرقت عدة ايام انتهت بالاتفاق بين الجانبين على خطوات كانت في صالح الطرفين كما صرح بذلك المسؤولون فيها .

وكانت “اسرائيل” الوحيدة التي عارضت التوقيع على هذا الاتفاق منذ اليوم الاول من المفاوضات وقد وصف رئیس الوزراء الإسرائیلی بنیامین نتنیاهو الاتفاق بأنه 'خطأ تاریخي. مؤكدا ان "ما تحقق في جنیف لیس اتفاقاً تاریخیاً وانما هو خطأ تاریخي...."

وعلى الرغم من اعتراض الصهاينة ورئيس وزرائهم على الاتفاق، فإن الغرب عامة رحب بالاتفاق، معلنا عن ترحيبه بالخطوات التي ستتحقق مستقبلا خاصة وان العلاقات بين ايران وعدد من البلدان الاوروبية مثل بريطانيا ستعود تدريجيا الى طبيعتها خاصة وان خطوات اتخذت بين ايران وبريطانيا لاعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
ومن هنا نرى ان الاوروبيين كانوا اكثر اشتياقا من غيرهم لعودة العلاقات الطبيعية بين بلدانهم وايران خاصة ان التعامل التجاري بين ايران وهذه البلدان لم ينقطع الا في اوقات قصيرة ونرى ان السلع الاوروبية وحتى الامريكية متوفرة في الاسواق الايرانية وحتى السلع البريطانية متوفرة رغم قطع العلاقات بين البلدين. ومن هنا ، فان عودة العلاقات الطبيعية بين البلدان الاوروبية وايران ستكون احدى ثمار الاتفاقية الموقعة بين الجانبين.

اتفاقية جنيف هي في صالح الجميع ، ولا تهدف ايا من بلدان العالم ، لان مضمون الاتفاق الذي نشر في وسائل الاعلام يتضمن خطوات ستتخذ بين ايران ومجموعة 5+1 منها ما يتعلق بالبرنامج النووي الايراني ومنها ما يتعلق برفع العقوبات الاقتصادية عن ايران والغاء كل اشكال الحظر الاقتصادي والتجاري والمصرفي بين ايران والبلدان العضو في مجموعة 5+1.

ورغم الترحيب العالمي الكبير بالاتفاق، فان عددا من الدول العربية في منطقة الخليج الفارسي ولا سيما السعودية لم يرحب باتفاق جنيف، ورأت السعودية بان هذا الاتفاق وخاصة بدء الحوار بين الولايات المتحدة وايران سيكون على حسابها، واعربت السعودية قبل بدء المفاوضات بين ايران ومجموعة 5+1 عن قلقها من هذه المفاوضات وخاصة بدء حوار جاد بين ايران والولايات المتحدة.

ويرى المراقبون بأن السعودية تخشى تعزيز دور ونفوذ ايران في المنطقة بعد هذا الاتفاق وخاصة بدء حوار بينها وبين الولايات المتحدة ، ولكن ايران وعلى لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف اعلن بان ايران سوف تتواصل العلاقات مع الدول العربية في الخليج الفارسي التي لم ترحب بالاتفاق واعربت عن خشيتها منه وستشرح لهم فحوى هذا الاتفاق.

وقد اعلن المسؤولون الامريكيون خلال زياراتهم للسعودية قبل المفاوضات، بأن الحوار مع ايران لن يكون على حساب السعودية، ولكن يبدو ان المسؤولين السعوديين لم يصدقوا كلام الامريكيين ولا يزالون على شكوكهم وغضبهم من المفاوضات التي جرت بين ايران والمجموعة.

الخوف الخليجي من ايران ومن دورها المتعاظم في منطقة الشرق الاوسط، مبالغ فيه كثيرا، لان ايران اعلنت مرارا على لسان مسؤوليها انها ترغب في اقامة علاقات طبيعية مع كافة الدول العربية في الخليج الفارسي وانها لا تتدخل في شؤونهم وترغب ان لا تتدخل هي في شؤونها، كما أنها تريد ان تكون منطقة الخليج الفارسي منطقة آمنة بعيدة عن تدخل القوى الكبرى.

ولكن ايران التي لا تريد ان تتوتر علاقاتها مع دول الجوار العربية، وتعمل جاهدة على كسب ود جيرانها العرب، تواجه اليوم عنادا وتكبرا من جانب السعوديين الذين يبدو انهم غير مرتاحين من ايران التي يحاول الكثير من الدول وخاصة الولايات المتحدة والاوروبيين كسب ودها واقامة علاقات طبيعية معها وطلب مساعدتها في حل الكثير من ازمات المنطقة التي ان حاولت ايران مد يد المساعدة، فبامكانها تقديم الحلول لها.

ويبدو ان السعوديين يرفضون اليد الايرانية التي تمتد اليهم، لانهم لا زالوا يفكرون بان لهم دورا رئيسيا في حل الازمات في المنطقة، بينما يشير الواقع انهم لم يتمكنوا من الاقدام على حل اي ازمة من ازمات المنطقة، بل انهم يصبون الزيت على النار في أية ازمة يتدخلون فيها ومنها الازمة السورية التي حاولوا خلال عامين ونصف عن طريق تقديم السلاح ومليارات الدولارات للمعارضة المسلحة اسقاط النظام ولم يتمكنوا، وقد وصلوا الى طريق مسدود، وكذلك الحال في تدخلهم في العراق ولبنان واليمن والبحرين.

يبدو ان السعوديين لا يريدون ان يسمحوا لايران ان تقوم بدور بناء لاخماد الحرائق المشتعلة في المنطقة، بل انهم ينوون إشعال الحرائق في دول المنطقة بدلا من العمل على إخمادها حتى يثبتوا ان لهم دورا رئيسيا في كل ما يجري في المنطقة ولا يمكن تجاهل دورهم من جانب اصدقائهم الامريكان.
والدليل على ذلك ما كتبه رئيس تحرير صحيفتهم (الحياة) التي تصدر في لندن الذي قال بالحرف الواحد: "يظل الطقس العربي عموماً غير مواتٍ لهرولة أميركية نحو طهران، إذا لم يراع مواقع وأدوار ومصالح أهل الإقليم. سيظل مستحيلاً أن تركن الدول العربية إلى حضور إيران المتقدم في العالم العربي. وإذا كان أهل هذا العالم بعيدين عن جنيف وملحقاتها، فإنهم قريبون من ساحات العراق وسورية ولبنان. وإذا كانت الجمهورية الإسلامية مارست طويلاً دور «الممانع» والمعترض، ومثلها فعلت سورية طويلاً قبل أزمتها، وشكلتا عائقاً أمام كثير من التسويات والحلول، فليس أسهل من أن يواصل المعترضون على حكومة نوري المالكي مسيرة اعتراضهم.
والمعترضون على سطوة «حزب الله» رفع الصوت عالياً ضد سلاحه وحرمانه من «شرعية» داخلية يعتقدون بحاجته إليها. والمعترضون على «جنيف 2» استعجال توحيد القوى العسكرية على الأرض، كما حصل أخيراً، بعد الحكومة الموقتة للمعارضة... لتشكيل جدار يستحيل القفز فوقه لتسوية في سورية تريح الأميركي وتعطي الإيراني والروسي ما يطمحان إليه. الطرق ليست معبدة كما يتصورون، لا إلى طهران ولا إلى واشنطن وبغداد ودمشق وبيروت و»جنيف 2»... وجه الشرق سيصاب بمزيد من الحروق والندوب.

شاكر كسرائي