طارق الهاشمي وسوق النخاسة الخليجي

طارق الهاشمي وسوق النخاسة الخليجي
الأربعاء ٠٨ يناير ٢٠١٤ - ١٠:٣٩ بتوقيت غرينتش

"قدّمت إلى دول الخليج [ الفارسي] معلومات عن خطط لضرب أمنها واستقرارها" هكذا بدأ طارق الهاشمي يسرد الحكاية، لـ "محمد المكي احمد " مراسل الحياة في الدوحة الأربعاء 1 يناير 2014، يبدأ عرض سجل خدماته السابقة، بأنه كان حذّر دول الخليجية أن أمنها في خطر.

ثم يستطرد الهاشمي كثيراً في كلامه، ويعترف بأنه كان جاسوساً لعدد من الدول في المنطقة بانه " قّدم إلى دول في المنطقة وليس الخليجية فقط معلومات عن خطط أعدت لضرب أمنها واستقرارها في الوقت الذي كانت تشهد بغداد، ومحافظات العراق، انفجار عشرات السيارات المفخخة، والعبوات الناسفة، والأجساد النتنة يومياً، كان همه منصباً بالكامل بتحصين امن دول المنطقة والتي يشعر بأنها امتداد عشائري وعائلي له، كما جاء في كلامه في هذه المقابلة، بل المتتبع لكلامه يشعر باستغراب كبير، ويستنتج بأنه كان هناك جهاز أو تشكيل معين، يعمل لصالحه سراً، أو هناك أشخاص زُرِعوا في أماكن حساسة لإيصال المعلومات إليه، ثم يفبركها ويضيف عليها وترفع إلى جهات خارجية لإشعار الآخرين إن البلد الذي يشغل فيه طارق الهاشمي منصب نائب رئيس الجمهورية يمثل خطراً حقيقياً على امنهم القومي والاجتماعي، حيث يقول في كلامه مؤكداً انه نبه :
 

«منذ سنوات.. قدمت معلومات كاملة إلى دول، وعلى وجه الخصوص إلى السعودية والبحرين ودول خليجية أخرى مفادها أن حكومة نوري المالكي والأجهزة المخابراتية بالتنسيق مع إيران تعمل اليوم على استقطاب شباب من الشيعة في هذه الدول، من أجل تدريبهم وتأهيلهم ليكونوا عناصر للتخريب وزعزعة الأمن والاستقرار في هذه الدول (الخليجية)، أنا لم أتوانَ، بل كشفت كل هذه المعلومات، وقدمت بالأسماء وتواريخ جوازات السفر وأرقامها (معلومات) عن تلك المسائل، لكن يؤسفني أن ردة الفعل كانت محزنة وبائسة ولا ترقى إلى التهديد الذي ثبت الآن، وهو أن نوري المالكي يعمل فعلاً بشكل جاد (ضد أمن دول الخليج [ الفارسي])، وهو يستثمر الغفلة الخليجية والعربية التي لم تتعامل مع المشهد العراقي كما يستحق... ما كان ذلك سيحصل لو أخذت الدول العربية الخليجية بمبادرتنا واستمعت إلى نصيحتنا في وقت سابق واتخذت تدابير وإجراءات كفيلة بالحد من تحول هذا البلد (العراق) اليوم إلى عبء على الأمن العربي بعد أن كان ظهيراً للأمن القومي العربي"!!

 

في كلامه شيء من العتب الجميل على الدول التي كان يعمل جاسوساً لها، وهي إني نبهتكم منذ زمن بأن "بلدي" العراق عبئاً وخطراً على الأمن القومي العربي.!!! وأرسلت لكم، الأسماء، وأرقام الجوازات، وكل ما ينفعكم لتحصين أمنكم، لكن لم ينتبه أحد وقتها وذهبت جهودي سدى!

 

الذي يقرأ هذه الاعترافات – والإقرار سيد الأدلة – لايتصور ان هذا الرجل يتحدث عن بلد كان يمثل فيه الجناح الثالث لرئاسة الجمهورية، بل يتحدث عن دولة معادية، عن دولة تكيد للآخرين، دولة تريد تحطيم مجتمعات أخرى، بحقائق متوهمة لاتوجد إلا في مخيلته المريضة، لكنه لايكتفي بهذا القدر ويضيف أيضا بعض مخاوفه على السعودية، ويبين حرصه على أمنها، كما انه ينبهها للدور الذي يمكن إن تلعبه في العراق، لإعادة ترتيب أوراق اللعبة كما جاء في كلامه، إذا قدمت له الدعم اللازم، ويضيف الهاشمي مستطرداً بان هذا الدعم الذي ستقدمه السعودية ودول الخليج [ الفارسي]، ليس لأجل سعادة الشعب العراقي واستقراره وسيادته، لا بل لأجل أمن دول مجلس التعاون الخليجي وسيادتها، السيادة المعرضة للخطر في كل لحظة من تهديد المالكي لها فيقول :"


أوجهها- رسالته- إلى الدول التي تعاني أمنياً من حكومة نوري المالكي، ومن هذا النفوذ غير المسبوق لإيران، خطابي (أوجّهه) إلى دول مجلس التعاون الخليجي وعلى وجه الخصوص السعودية، وهي بإمكانها في حقيقة الأمر، حفاظاً على أمنها الداخلي وحفاظاً على سيادتها ولمنع التدخل في شؤونها الداخلية، أن تعيد النظر في علاقتها (مع حكومة المالكي)، وتعيد النظر إلى نظرتها للمشهد العراقي، وبالتالي لا بد من مقاربة جديدة تعمل على إعادة ترتيب الأوراق في الداخل العراقي، ليس من أجل إسعاد الشعب واستقراره وسيادته، وانما من أجل الحفاظ على أمن دول مجلس التعاون الخليجي وسيادتها"!!

 

وكأن السيارات المفخخة تنفجر في شوارع الرياض وجدة والمنامة والدوحة، وليست تنفجر في شوارع بغداد والنجف وبابل ونينوى، وكان السعوديون هم من يقتلهم الانتحاريون، وليس الأبرياء في بغداد وكربلاء، لكنه الحقد الأعمى، والعنصرية، أنها عقدة ترسخت منذ قرون ولازالت تعشش في العقول المريضة، أنها حب "الاوليغاركية " والحنين الى الاستفراد، إلى الاستعباد، إلى سحق الأغلبية، الى ممارسة الاستعلاء المناطقي والطائفي والقبلي، كل هذه العقد وغيرها، لم تكف الهاشمي بالتوقف عند حد معين، باقراره الكبير هذا، لكنه رحل الى مناطق اكثربعداً في العمالة، وتقديم الخدمات للدول التي يخاف على أمنها، ويقدم خدماته بلا حياء معلناً انه كامل الجهوزية لتنفيذ كل ما يطلب منه، فيقول ": "أنا جاهز وأعتبر نفسي، جزءاً من امتداداتي لأهلي في الخليج [ الفارسي]) وشعب العراق جزء من المنظومة الخليجية، وبالتالي نحن، عشائرياً وعائلياً، امتداداتنا إلى الخليج [ الفارسي]، وأنا جاهز لأي نوع من المشورة وتبادل الرأي"!

 

ثم تبدأ رسالته العالمية، الرسالة التي تتجاوز الأشقاء، نصائحه التي لابد ان يسمعها "اوباما وبوتين " الرئيس الأمريكي المطالب، حسب وجهة الهاشمي بتصحيح أخطاء سلفه "بوش" بتسليم العراق إلى إيران، وجعله عبء على الأمن القومي العربي، بعد أن كان ظهيراً له، وحامي البوابة الشرقية، وممارسة الضغوط على العراق، كما انه ينبه السيد أوباما إلى خطورة "تسليح الجيش العراقي" لان هذه الأسلحة تستخدم "ضد أهله " لفك اعتصاماتهم السلمية..!!
وبما إن رئيس الحكومة العراقية، إيراني الهوى، حسب وجهة نظر الهاشمي، فعلى أمريكا إن تأخذ تحذيراته بجدية، خصوصاً بعد إن كشف الهاشمي السر الخطير بان المالكي بمعونة أجهزة مخابرات عديدة، يهيئون لأشياء كبيرة في المنطقة، تستهدف أمن الخليج [ الفارسي]!!.ولم يتوقف هراءه عند هذا الحد، حتى توجه للسيد بوتين، شاكياً تزويد العراق بالاسلحة.


طارق الهاشمي، والذي ظهر للساحة السياسية، كعضو في جبهة التوافق وأحد قيادييها، ثم ليختطف "زعامة الحزب الإسلامي العراقي" من " محسن عبد الحميد" بمعونة التيارات البعثية والتكفيرية في سامراء والانبار، عندما كان الرواج في تلك الايام للخطاب الإسلامي، او كمحاولة ترميم لوجه الهاشمي وجعله مواز للقيادات الشيعية الإسلامية وقتها.


والعجيب إن الضابط السابق ذو التوجه القومي الشوفيني، يصبح أمينا عاماً لحزب يعد الفرع العراقي لتنظيم الإخوان المسلمين. ثم يكلل مواقفه المتشددة وصراخه العالي، أن يصبح نائباً لرئيس الجمهورية، وبعدها ليتفرغ تماماً للإعمال التي تكلم عنها في هذه المقابلة، مع انشغاله بقيادة وتوجيه، فرق موت عديدة في بغداد والانبار ونينوى، إلى إن تم كشفه وفضحه بإلقاء القبض على المجاميع الإرهابية التي تعمل بتوجيه منه مباشرة او بتوجيهات من مدير مكتبه.

 

وهرب من بعدها إلى إقليم كردستان واتخذ من السليمانية مقراً له، وفتح مكتب هناك، لكن لما كشفت تحقيقات اللجنة التي شكلت للتحقيق في الجرائم المنسوبة إليه والى أعضاء حمايته، ان من بين ضحاياهم  " قاضي كردي" من عشيرة الطالباني، استنكرت عشيرة الطالباني أعطاء الهاشمي أذن في الإقامة وهو قاتل لأحد أبناؤها، ومنها هرب إلى اربيل على جناح السرعة، لكنه بعد أن ابلغ القاضيين الكرد الأعضاء في اللجنة المرشحين من قبل السيد "مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان، انهما لوحدهما أثبتا 60 جريمة جنائية على طارق الهاشمي وحمايته ومدير مكتبه!


بعدها ضاقت أرض الإقليم به، ولم تعد تتحمل الإحراج الذي يسببه بقاء هذا السفاح ليتم أخباره بأن عليه المغادرة، ولم يكن إلا اردوغان حضناً دافئاً آنذاك متاح له، لكن طارق الهاشمي لم يكن فأل خير أينما حل وارتحل، وطلبت منه السلطات التركية انه لم يعد مرحباً به. فما كان منه الا أن يمم وجهه صوب العاصمة القطرية (الدوحة) ليقود من هناك بدايات التغيير، ويحاول أقناع مشايخ النفط على انه قادر عليه!!

 

لم يكن يصدق احد حينها أن طارق الهاشمي، كان عنصر مخرب وجاسوس دولي في الدولة العراقية، حتى بعض الذين يشتركون بنفس الهم، لكن الان طارق الهاشمي هو يقر بلسانه للآخرين، عن الأدوار التي كان يلعبها داخل العراق، وكم كان يهدد مصالح البلد، بتخريب العلاقات مع الدول التي يحتفظ العراق بصداقات جيدة معها.


فالعراق لديه علاقات جيدة مع الإمارات العربية المتحدة والكويت، وليس له اي موقف سلبي مثلاً من سلطنة عمان، والتقارير التي كان يرفعها طارق الهاشمي، تقول بالضد من ذلك ولعمري ان الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي، يحاكم اليوم في قضية "التخابر مع حماس"، فيا ترى لو كان الهاشمي يقف ألان بمعية اعترافاته العلنية هذه إمام القضاء المصري، ماذا يكون الحكم ياترى؟!
 

بقلم: حسام خيرالله ناصر