الدبلوماسية السعودية تفقد اتزانها

الدبلوماسية السعودية تفقد اتزانها
الأحد ١٩ يناير ٢٠١٤ - ٠٢:٣٩ بتوقيت غرينتش

بأكثر من حجر اصطادت فرنسا المملكة السعودية المصابة بالجفاء الأميركي والباحثة عن ود جديد نكاية بالحبيب الأميركي الذي على مــا يبدو هجر هجراً غير جميل، وسبب إرباكا افقد السعودية اتزانها الدبلوماسي وعلاقاتها الدولية،

 فبعد فوبيا الربيع العربي الذي قادته  قطر والذي يأمل له ان يحط في الرياض، بدأت السعودية تحرق كل ما يحيط بها إقليميا ودوليا، فبعد ان كسبت الجولة في القاهرة وانهزم (الإخوان) المنافس والعدو التقليدي على الزعامة الدينية، اتجهت إلى تحقيق نصر آخر في سوريا وكان صراعها مع قطر وتركيا شرسا واستطاعت المجاميع المسلحة التي تجد في معتقدات السعودية مرجعا لها ان تزيح القوى المعارضة التي تتبع تركيا وقطر، وبالفعل انحسر الدور القطري والتركي، ولولا الموقف القوي للجيش العربي السوري والدعم الروسي والإيراني وتدخل حزب الله لتحقق للسعودية ما أرادت.

لقد خرجت الدبلوماسية السعودية عن مسار متزن الى حد ما،  بحيث لايمكن اغفال التناقض الواضح في سياستها ،فهي من جانب ساعدت في سقوط حكم الاخوان في مصر، ومن جانب آخر نراها تدعم الإخوان المسلمين في سوريا، بل خسرت علاقتها التقليدية مع الولايات المتحدة وفرطت بتحالفها مع تركيا ،وأظهرت ضغطاً غير مسبوق وعلني على الأردن لتكون مسار الدعم السعودي للمجاميع المسلحة، وفي العراق ساعدت بشكل كبير الولايات المتحدة الأميركية على إسقاط نظام صدام لكنها لم تبد أي تعاون مع النظام الديمقراطي الجديد بل راحت تدعم الحركات التكفيرية وتلهب النفس الطائفي ،وتنحاز بشكل واضح إلى خلط النسيج العراقي وإذكاء الفتن الطائفية ،وهو الأمر الذي نجحت فيه في سوريا إلى حد كبير، الأمر الذي ابعد الحراك السوري المطالب بالإصلاح والتغيير نحو دائرة العنف والحرب وساعدت على ان تكون سوريا مكانا لـ(الجهاد!) من جميع أنحاء العالم، ولعب الدور الدعوي والفتوائي عبر علماء الدين فيها إلى المسار بذات الاتجاه، حتى رأينا مواقع للدراسات الستراتيجية ترى بان السعودية هي بؤرة التطرف ومموله وداعمه ورأت ان من الضروري القضاء عليها ليحل الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

لقد اظهر الجيل الثاني من امراء السعودية جناحا خطرا استطاع لفترة ليست بالقليلة من تشكيل لوبي يحاول فرض هيمنته عبر طرق عنفية بدعم المجاميع المسلحة ومالية عن طريق شراء المواقف السياسية ،وكانت رؤية هذا الجيل تتمحور بثنائيات متعددة المسارات فهي الراعي للهيمنة الملكية على بلدان الخليج ،لذلك لا تألو جهدا في الترويج بعد تشكيل مجلس التعاون لمشروع تشكيل اتحاد خليجي شبيه بالاتحاد الاوروبي وكان هدف السعودية الستراتيجي هو العمل على تحصين الممالك ودعم فكرة ارتباط هذه الدول فيما بينها ،وبعد فشلها المستمر في تحقيق ذلك ،تحاول التمهيد لهذا الاتحاد عبر الاتحاد الاقتصادي، لكن تجربة البحرين أثارت قلق شقيقاتها من ذات التدخل، وهو ما لمسته المملكة خلال قمة الكويت الأخيرة، وعبثا حاولت جر شقيقاتها الخليجيات للوقوع في مناخات الفوبيا الإيرانية، لذلك كانت لعبة الثنائية القومية والدينية المذهبية سلاحها في الصراع الواضح مع إيران، وزادت المخاوف بعد التوصل الى الاتفاق النووي مع الدول الكبرى، وخسارة العلاقة الحميمة مع الولايات المتحدة الأميركية التي يبدو إنها حسمت امرها في بناء علاقات جديدة مع إيران.

لقد حاول الأمير بندر بن سلطان الذي اختطف القرار السعودي بمعية سعود الفيصل  بكل ما لديه أن يرسم صورة جديدة للشرق الأوسط تكون السعودية فيها اللاعب القوي والحليف الستراتيجي للغرب لكن الأمور لم تأت كما تشتهي سفن بندر، فخذله كاميرون الذي اضطره مجلس العموم للتراجع عن توجيه ضربة عسكرية الى سوريا وكذلك كان موقف هولاند في فرنسا وتوج ذلك التوجه اوباما حين اكتفى بتجريد سوريا من سلاحها الكيمياوي، الأمر الذي احرق أوراق اللعبة، فالسعودية القت بكل أوراقها في المستنقع السوري ولا تريد الاعتراف بالهزيمة التي أعلنتها ضمنا تركيا وقطر، فسدرت بغيها، حتى أن الامير بندر اعترف بان له القرار على كل المجاميع الإرهابية وانه يتعهد للرئيس بوتين بعدم حصول أي عمل ارهابي خلال دورة الألعاب الاولمبية، لكنه صدم بالموقف الروسي الذي اعتبر سوريا جزءا من امن روسيا وخسارتها تضر بمصالح روسيا.

وفي لبنان لم يكن الحال بأفضل فالاحتقان الطائفي على أشده وهو الانعكاس للصراع في سوريا، فضلا عن انقسام لبنان بين مؤيد للنظام ومؤيد للمعارضة، وهاهو جنيف 2 يطل برأسه على متغيرات جديدة ضمن مخطط المناخ الجديد الأميركي الروسي، فهل تعيد السعودية حساباتها ضمن الرؤى الجديدة ام انها اعلنت الخراب اعتقادا منها انها ستكون بمنأى عن ذلك؟.. 

*ناصر عمران الموسوي - صحيفة الصباح العراقية