التعطيش والتغريق.. سلاح داعش الجديد في العراق

التعطيش والتغريق.. سلاح داعش الجديد في العراق
الإثنين ٠٧ أبريل ٢٠١٤ - ٠٥:٣٩ بتوقيت غرينتش

أقدم تنظيم داعش الإرهابي على ارتكاب جريمة كبرى لم يسبق أن شهد لها التاريخ المعاصر للعراق والمنطقة مثيلاً، عندما قام بقطع مياه نهر الفرات في سدة الثرثار الواقعة شمال الفلوجة، عن وسط وجنوب العراق، وهو ما ينذر بوقوع كارثة إنسانية وبيئیة رهيبة خلال الأيام القليلة القادمة.

الأبعاد الكارثية لهذه الجريمة الكبرى أخذت تتوضح مع انخفاض منسوب المياه في نهر الفرات، الذي يعتبر عصب الحياة لتسع محافظات في وسط وجنوب العراق بينها محافظات الحلة وكربلاء والنجف والديوانية والسماوة، حيث أعلنت وزارة الكهرباء، عن توقف محطة سدة الهندية بالكامل بعد انخفاض منسوب المياه في نهر الفرات، مؤكدة أن استمرار الانخفاض في منسوب المياه سيؤدي إلى توقف محطة المسيب بالكامل أيضاً، وهو ما يعنى توقف العمل في المستشفيات والمراكز الصحية والمعامل والجامعات والدوائر ومحطات تعبأة الوقود.
أما توقف محطات توزيع مياه الشفة عن ضخ المياه إلى منازل المواطنين وباقي المرافق الأخرى، يعتبر الجانب الأكثر خطورة لهذه الجريمة، لأنه يتصل مباشرة مع حياة الملايين من العراقيين الذين يعيشون على جانبي الفرات في وسط وجنوب العراق.
الأمر الذي يزيد من وقع هذه الجريمة هو أن الجریمة تأتي في موسم زراعي بالغ الحساسية، حيث تحتاج الزراعة حالياً لعملية الري الأخيرة قبل فترة الحصاد، الأمر الذي سيؤدي إلى تلف المحاصيل الزراعية وبالتالي توجيه ضربة قاسية للقطاع الزراعي العراقي والاقتصاد العراقي بشكل عام، وتهديد حياة الملايين من المزارعين الذين يعيشون على عوائد بيع محاصيلهم الزراعية.
أما في الجانب البيئي، فإن المناطق الوسطى والجنوبية من العراق مهددة بكارثة بيئية خطيرة، ففي حال تدنى منسوب مياه الفرات أكثر مما هو عليه الآن، فإن كثافة السموم الموجودة في مياه النهر ستزداد، وهي سموم من بقايا الأسمدة الكيمائية التي تستخدم في الزراعة والتي تجرفها المياه عادة إلى النهر، وهو ما يهدد الحياة المائية والثروة السمكية، كما ستكون مياه الشرب ملوثة أيضاً وتهدد حياة الملايين من العراقيين.
اللافت أن تنظيم داعش الإرهابي، الذي يدعي الدفاع عن أهل السنة في العراق، حكم بالموت مسبقاً على أهالي مدينة الفلوجة ومدن محافظة الأنبار، فالمعروف أن سدة الثرثار هي سدة لتنظيم المياه، وفي حال سد بواباتها فإن منسوب المياه سيرتفع خلف السدة، وهو ما سيؤدي إلى غرق الأراضي المحيطة بها، حيث تحدثت بعض التقارير عن غرق قرية زوبع القريبة من السدة ونزوح العوائل منها، هذا بالإضافة إلى احتمال انهيار السد نفسه، بسبب المياه المتجمعه في خزانه والتي تجاوزت نسبتها حتى نسبة المياه التي تجمعت خلف السدة خلال فيضانات عام 1988.
ما ذكرناه هو جانب يسير من أبعاد جريمة داعش ضد العراق والعراقيين، ولكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه بقوه هو: ما الذي مكن تنظيم إرهابي أن يتحكم بهذا الشكل المرعب بحياة الملايين من العراقيين؟ وأين كان قادة العراق عندما كانت داعش تخطط لهذه الجريمة الكبرى؟ ولماذا انتظرت الحكومة العراقية ومنذ أكثر من أربعة أشهر دون أن تقدم على شيء، وهي ترى داعش تعزز تواجدها في الفلوجة والأنبار وتشتري الذمم هناك تارة بالمال وتارة بالإرعاب، وتفجر في بغداد وتزهق أرواح العراقيين بمعدل ألف شهيد في كل شهر؟
إذا كانت بعض الجهات السياسية ولأغراض معروفة، وقفت في وجه الحكومة ومنعتها من اتخاذ تدابير أمنية تطهر الأنبار من القاعدة وداعش والصداميين، تحت ذريعة أن ما يحدث بالأنبار احتجاجات سلمية، وألصقت لاصق القمع والتنكيل وتكميم الأفواه والطائفية والتحريض ضد عشائر وأهالي الأنبار، بكل إجراء أمني يمكن أن تقوم به الحكومة العراقية لإعادة الأمن والهدوء إلى غرب العراق.. ترى بعد جريمة داعش الأخيرة التي تهدد العراق كوجود وتحكم على العراقيين بالفناء، يمكن أن تستمع الحكومة مرة أخرى لمثل تلك الأصوات؟ ألم يتضح أن ما حدث في الأنبار والفلوجة قبل اليوم، ليس من فعل عشائر الأنبار الأصلاء ولا من فعل أهلها النجباء، بل هي من أفعال زمر إرهابية تسللت إلى العراق بدعم من دول يعرفها العراقيون جيداً، تريد الخراب والدمار للعراق وإعادته إلى عصور الدكتاتورية والظلام؟ هل من فعل عشائر الأنبار أن تقطع الماء على إخوتها في الوسط والجنوب؟ هل من فعل عشائر الأنبار أن يتم إغراق مدن الأنبار ذاتها وتهجير أهالیها؟!
لقد آن الأوان للحكومة العراقية أن تضرب بيد من حديد دون أن تصغي لأي صوت كان مهما كان مرتفعا، فمثل هذه الأصوات هي أصوات بوم تنعب لخراب العراق، فلايهمها إن عطشت كربلاء أو غرقت الفلوجة، فهذه الأصوات ستبقى تنعب وتنعق مهما كان فعل الحكومة العراقية، المهم هو ضرب العراق والعراقيين، شيعة وسنة، والعملية السياسية، وإدخال العراق في نفق مظلم لايخرج منه إلا وهو مشتت مفتت.
إن على الحكومة العراقية، أن تعرف، وهي تعرف بالتأكيد، أن جيوشاً جرارة تتصارع، ودولاً كبرى تتنازع، وأحكاماً عرفية تعلن، وحالات طوارىء تفرض، ومحاكم تقام، وأحكام تنفذ، في دول العالم المختلفة، ولا استثناء في ذلك بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، بسبب تهديدات تتعرض لها، وهي تهديدات لا تقاس بالمرة بالتهديد الذي تشكله جريمة داعش على العراق والعراقيين.
على الحكومة العراقية أن تعرف، وهي بالتأكيد تعرف، أن من أهم صفات القائد أن يكون قوياً مقداماً، فهذه الصفة هي من أهم الصفات التي يجب أن تتوفر في أي قائد، فلو اتصف قائد ما بكل صفات النزاهة والحكمة والأمانة، دون القوة، لن تنفعه هذه الصفات بشيء، ترى ماذا ستنفع قوة قادة العراق إذا لم تتجسد اليوم على الأرض لدفع الموت عن ملايين العراقيين؟
رغم كل ما قيل عن أهداف داعش من وراء تعطيش وتغريق العراقيين، مثل رفع الحصار عن الفلوجة وفشل داعش من التعرض لبغداد، وضرب الانتخابات وتعطيلها بعد أن أخذت تتكثف أهمية فكرة تشكيل حكومة الأغلبية السياسية بعد الانتخابات، إلا أن هناك من يؤكد على هدف في غاية الأهمية تسعى داعش لتحقيقه من وراء هذه الجريمة، وهو إظهار العراق للعالم أجمع كدولة فاشلة لاتستطيع حماية الملايين من شعبها من موت مؤكد، وهو هدف على الحكومة العراقية أن تتوقف أمامه كثيرا.
إن على العراقيين جميعاً، شيعة وسنة ومسيحيين، أن يقولوا للأدعياء من داعش وبصوت واحد: إرحلوا عنا، لن نكون لكم عبيدا، ولن تشتتوا جمعنا، ولن تفتتوا أرضنا، حتى لو استخدمتم أقذر الأسلحة كسلاح التعطيش والتغريق، فنحن أبناء حفيد المصطفى (ص) الذي وقف وحيداً عطشاناً على ضفاف الفرات، الذي تريدون تجفيفه اليوم، وهو يخاطب جيش الجهل والعبودية: "ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك، ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام، على مصارع الكرام".
ماجد حاتمي - شفقنا