الامام عليّ(ع) ..ربيب النبوة وصرح العدالة الانسانية

الامام عليّ(ع) ..ربيب النبوة وصرح العدالة الانسانية
الإثنين ١٢ مايو ٢٠١٤ - ٠٢:١٣ بتوقيت غرينتش

الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام هو أول ائمة أهل البيت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو المعصوم الثاني من أعلام الهداية والذي جسّد الإسلام في كل مجالات حياته الشريفة، فكان نبراسا ومتراسا ومثلا أعلى للبشرية بعد رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وهو امير المؤمنين وسيّد الوصيّين وأول خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المهديين –بامر من الله ونصّ من رسوله الكريم- وقد صرّح القرآن المجيد بعصمته وتطهيره من كلّ رجس، وباهل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، نصارى نجران به وبزوجته وولديه، واعتبره من القربى الذين وجبت مودتهم مصرّحا غير مرة بانها عِدل الكتاب الكريم الموجبين للتمسك بهما النجاة والتخلف عنهما الردى.
قال الامام عليّ عليه السلام: (فأني ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان الهجرة) نهج البلاغة.  
ولِد الإمام عليّ عليه السلام بمكّة المشرفة داخل البيت الحرام وفي جوف الكعبة في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب سنة ثلاثين من عام الفيل قبل الهجرة النبوية بثلاث وعشرين سنة، ولم يولد في بيت الله الحرام قبله أحد سواه، وهي فضيلة خصّه الله تعالى بها اجلالا وعلاء لمرتبته وإظهارا لتكرمته.  
نشأ الإمام في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منذ نعومة أظفاره، وتغذى من معين هديه، فكان المتعلّم الوفيّ والأخ الزكي، وأوّل من آمن وصلّى وأصدق من تفانى في سبيل ربّه وضحّى في سبيل إنجاح رسالته في أحرج لحظات صراعها مع الجاهلية العاتيه في كلّ صورها في العهدين المكّي والمدني وفي حياة الرسول وبعد رحيله ذائبا في مبدئه ورسالته وجميع قيمه مجسّدا للحق بكل شعبه من دون ان يتخطاها قيد أنملة او ينحرف عنها قيد شعرة.
لقد اجتمع للامام عليّ بن أبي طالب عليه السلام من صفات الكمال ومحمود الشمائل والخِلال وسناء الحسب وعظيم الشرف مع الفطرة النقية والنفس المرضية مالم يتهيّا لغيره من افذاذ الرجال. تحدر من أكرم المناسب وأنتمى إلى أطيب الاعراق فأبوه أبو طالب عظيم المشيخة من قريش وجدّه عبد المطلب أمير مكه وسيّد البطحاء، ثم هو قبل ذلك من هامات بني هاشم وأعيانهم.     
واختص بقرابته القريبة من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فكان ابن عمّه وزوج ابنته وأحب عترته اليه كما كان كاتب وحيه وأقرب الناس إلى فصاحته وبلاغته واحفظهم لقوله وجوامع كلمه. أسلم على يديه قبل ان تمس قلبه عقيدة سابقة وان يخالط عقله شوب من شرك، ولازمه فتى يافعا في غدوّه ورواحه وسلمه وحربه حتى تخلّق بأخلاقه واتسم بصفاته، وفقه عنه الدين وتفقه مانزل به الروح الامين، فكان من افقه اصحابه واقضاهم واحفظهم وادعاهم وأدقهم في الفتيا وأقربهم الى الصواب حتى قال فيه الخليفة الثاني عمر: لابقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن.(مناقب آل طالب).
فكان العالم المجرب الحكيم والناقد الخبير وكان لطيف الحس، نقي الجوهر، وضاء النفس، سليم الذوق، مستقيم الرأي حسن الطريقة سريع البديهية حاضر الخواطر، عارفا بمهمات الامور. عّرف واشتهر عليّ بن ابي طالب عليه السلام بتقواه وزهده وعبادته وشهامته ومروءته وصدقه وإخلاصه وشجاعته وعدله وتواضعه وكرمه وعلمه ومعارفه.    
لقد آزر الإمام عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منذ بداية الدعوة وجاهد معه جهادا لامثيل له في تاريخ الدعوة المباركة حتى تفرّى اليل عن صبحه وأسفر الحقّ عن محضه ونطق زعيم الدين وخرست شقاشق الشياطين بعد ان مّني بذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب. (من خطبة الزهراء عليها السلام المعروفة بعد رحيل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد تقمص خلافة علي عليه السلام).  
وبعد ان خطى الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم لتغيير المجتمع الجاهلي خطواته المدهشة في تلك الفترة القصيرة كان الطريق أمام الإسلام لبلوغ اهدافه الكبرى شاقا وطويلا يتطلب التخطيط الكامل والقيادة الواعية التي لاتقلّ عن شخصية الرسول القائد ايمانا وكمالا وإخلاصا ودراية وحنكة وكان من الطبيعي للرساله الخاتمة ان تخطط لمستقبل هذه الدعوة التي تعتبر عصارة دعوات الانبياء جميعا وريثة جهودهم وجهادهم المتواصل عبر التاريخ..وهكذا كان إذ اختار النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم بأمر من الله سبحانه وتعالى شخصا رشحه عمق وجوده في كيان الدعوة حتى تفانى في اهدافها وخلص من جميع شوائب الجاهلية ورواسبها وتحلى بأعلى درجات الكفاءة وعيا وايمانا واخلاصا وتضحية في سبيل الله.          
لقد كان عليّ بن أبي طالب هو ذلك البديل الذي اعدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اعدادا رساليا خاصا ليحمّله المرجعية الفكرية والسياسية من بعده، كي يواصل عملية التغيير الطويلة الرائدة بمساندة القاعدة الواعية التي اعدّها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم له من المهاجرين والأنصار.   
ولكن الجاهلية المتجدرة في اعماق ذلك المجتمع ماكانت لتندحر في بدر وحنين وخلال عقد واحد من الصراع والجهاد، وكان من الطبيعي أن تظهر من جديد متسترة بشعار إسلامي كي تستطيع ان تظهر الى المسرح الاجتماعي من جديد ولو بعد عقود من الزمن، وكان من الطبيعي ايضا ان تتسلل الى المواقع القيادية بشكل مباشر او غير مباشر..ومن هنا كانت الردة الى المفاهيم والعادات الجاهلية امرا محتملا بل متوقعا لكل قيادي يمتلك أدنى وعي سياسي واجتماعي، فكيف برسول الله وخاتم انبيائه صلى الله عليه وآله وسلم؟. 
لقد اصطدم التخطيط الرائد بواقع كان متوقعا للنبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وبتيار جارف يعود الى نقصان الوعي عند الامة التي تشكّل القاعدة الامنية لحماية القيادة الرشيدة بحيث لم يكن يدرك عامة المسلمين بعمق ان الجاهلية تتآمر وراء الستار عليهم وعلى الثورة الاسلامية الفتية وان القضية ليست قضية تغيير شخص القائد بقائد آخر، وإنما القضية قضية تغيير خط الاسلام المحمدي الاصيل الثوري بخط جاهلي متستر بالاسلام.
وهكذا اجهضت مؤامرة السقيفة التخطيط الرائد للرسول القائد صلى الله عليه وآله وسلم حينما وجدت أن الساحة قد خلت منه. وحاول الامام علي عليه السلام إرجاع الامور الى مجاريها بإدانه السقيفة ونتائجها وبالامتناع من البيعة والتصدي للمؤامرة ولكن دون جدوى، بل كان الامر قد دار بين انهيار الدولة سياسيا ودوليا وبين حفظها مع الاوضاع الراهنة.  
ثم تلخصت مواقف هذا الامام العظيم خلال خمسة وعشرين عاما من المحنة وهو يلعق الصبر والامرّ من العلقم-على حد تعبيره عليه السلام- في الحفاظ على وحدة الامة الاسلامية وعدم تصدع الدولة النبوية الفتية ولو بالتنازل عن حقة الشرعي مؤقتا وتقديم المشورة للخلفاء واسداء النصح لهم، مع التوجه الى جمع القرآن الكريم وتفسيره وتثقيف الامة على مفاهيمه وتوعيتها على حقائقه، وكشف النقاب عن حقيقة المؤامرة التي دانت لها طوائف من المسلمين والتصدي لاخطاء الحكام في الفهم والتطبيق لاحكام الشريعة الاسلامية وايجاد كتلة صالحة تؤمن بالتخطيط النبوي الرائد للقيادة الاسلامية وتسهر على نشره وتبليغه وتضحّي من أجل تطبقية وتنفيذه.
واستطاع الإمام بعد عقدين ونصف من الصبر والكدح ان يقطف ثمار سعيه وبعد ان تكشفت حقائق كانت وراء الستار وتجلى للامة تجيليها الطليعي والتابع ان عليا عليه السلام هو الجدير بالخلافة دون غيره وانه هو الذي يستطيع إصلاح مافسد بالرغم من تعقد الظروف وتبلبل القلوب واشتداد زاوية الانحراف عن نهج الحق القويم، حتى قال عليه السلام (والله ماكانت لي في الخلافة رغبة ولا في الولاية إربة، ولكنكم دعوتموني اليه وحملتوني عليها). بحار الانوار(باب بيعة أمير المؤمنين).
واجهد الإمام عليه السلام نفسه على ان يحقق بين الناس العدل الاجتماعي والسياسي وفي طريق لا التواء فيه، وان يسود الامن والحرية والرخاء والاستقرار مع الحتفاظ بوحدة الامة مع السعي في تربيتها وتعليمها وإعطائها كامل حقوقها، وعزل الجهاز الاداري الفاسد واستبداله بالولاة والعمّال الصالحين أو المعروفين بالصلاح ومراقبتهم أشد المراقبة، حيث اقصى عن دائرة المسؤولية كل الانتهازيين والطامعين، والتزم الصراحة والحق والصدق في كل مجال، فلم يخادع ولم يوارب، فسار عليه السلام على منهاج أخيه وابن عمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وبدأت تتحرك كل القوى الطامعة والانتهازية التي خسرت مواقعها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ضدّ الإمام عليه السلام، وأخذت تتكاتف كل العناصر التي شاركت بنحو وآخر في مقاتلة الخليفة عثمان والتحريض علي يوم أمس، رافعة شعار المطالبة بدم عثمان مندّدة بسياسة الإمام الحكيمة والنزيهة، فنكثت طائفة وقسطت اُخرى ومرقت ثالثة، وإذا الإمام عليه السلام بعد كفاح مرير يقع شهيدا مخضبا بدمائه الطاهرة في محراب عبادته وفي مسجد الكوفة وفي ليلة القدر من عام 40 من الهجرة النبوية الشريفة، وانه الفوز بالشهادة والفوز بالثبات على القيم الرسالية الفريدة الثبات على الحق والجهاد في سبيل إرساء قواعد الدين، إنها ثورة القيم الالهية على القيم الجاهلية بكل شُعبها وفروعها.
ولقد وصفه ضرار بن ضمرة الکناني لمعاوية بن أبي سفيان حتی أبکاه وأبکی القوم وجعله يترحم عليه بقوله: (کان والله بعيد المدی شديد القوی يقول فصلا ويحکم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحکمة من نواحيه، ويستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وکان طويل الفکرة يقلب کفه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ماقصر ومن الطعام ما جشب، وکان فينا کأحدنا، يدنينا إذا أتيناه ويجيبنا اذا سألناه ويأتينا إذا دعوناه وينبئنا اذا استنبأناه، ونحن والله مع تقريبه ايانا وقره منا لانکاد نکلمه هيبة له، فإن ابتسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم اهل الدين ويقرَب المساکين لايطع القوي في باطله ولاييأس الضعيف في عدله). 
فسلام عليك ياأمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين يوم ولدت ويوم رُبيت في حجر الرسالة، ويوم جاهدت من أجل ان تعلو راية الاسلام خفاقة، ويوم صبرت ونصحت ويوم بويعت وحكمت، ويوم کشفت النقاب عن براثن الجاهلية المتسترة بشعار الاسلام ويوم اقمت حدود الله واستشهدت صابرا محتسبا وانت تروّي بدمك الطاهر شجرة الاسلام الباسقة، ويوم تبعث حيا، وان تحمل وسام الفوز في أعلى علّيين.


      

 

تصنيف :