لماذا هددت أميركا المالكي بعدم اثارة القلاقل ؟!

لماذا هددت أميركا المالكي بعدم اثارة القلاقل ؟!
الأربعاء ١٣ أغسطس ٢٠١٤ - ٠٥:٣٣ بتوقيت غرينتش

قرار رئيس الجمهورية العراقي فؤاد معصوم بتكليف السيد حيدر العبادي تشكيل الحكومة الجديدة بأعتباره مرشحاً عن التحالف الوطني بمجموع 127 مقعد في مجلس النواب (البرلمان) شكل حدثاً جديداً، قد لا یتخلص العراق من تبعاته قريباً مع اصرار السيد نوري المالكي رئيس الحكومة المنتهية ولايته وزعيم ائتلاف دولة القانون على حقه الدستوري بالتكليف، حسب ما يرى هو.

وهذا السجال القانوني السياسي، يمكن ان تحسمه المحكمة الاتحادية العليا التي يقال انها قريبة من السيد المالكي والتي من المستبعد ان تعيق التكليف الجديد مع وجود هذا الحجم من الضغوطات الامريكية والاقليمية لصالح غرماء المالكي والاصطفاف الذي امامه.

وفي مثل هذه الحالة لن يكون هناك اي سبيل امام السيد المالكي سوى التسليم امام اللعبة السياسية التي تدعمها قوى عالمية واقليمية وداخلية لايمكن الاستهانة بها... بل وصل الدعم لهذه الصيغة المناوئة للمالكي الى داخل البيت الدعوتي وكتلة الدعوة المشاركة في دولة القانون نفسها ، الامر الذي ضعف موقف المالكي امام الكيانات الاخرى داخل التحالف بشكل كبير.

ولعل هذا الموقف المنقسم على نفسه داخل ائتلاف دولة القانون وبين قيادات حزب الدعوة الاسلامية يعود الى الاخطاء الكبيرة التي ارتكبها المالكي في علاقته مع قيادات الحزب (كما حصل في موقف اصهاره خلال الانتخابات النيابية الاخيرة تجاه القيادي في حزب الدعوة الوزير على الاديب في محافظة كربلاء) وفي علاقة الحزب بالمكونات الاخرى في داخل التحالف الوطني العراقي، فضلاً عن الاخطاء الكبيرة على صعيد الوضع الحكومي والقرارات الامنية الخاطئة ... فمن الصعب ان تتحمل قيادة الحزب تبعات امساك الضباط البعثيين بمفاصل العملية الامنية واقصاء الكوادر الملتزمة التي جمعت في مكتب رئاسة الوزراء سابقاً من الدعوة بكل اتجاهاتها وفيلق بدر ... ثم ما حدثت من خيانات (حسب تصريحات السيد المالكي نفسه من اولئك النفر الذين جاء بهم هو) انتهت الى انهيار الموصل.

رغم انني لا ابرئ الكيانات الحزبية الاخرى في خلق اجواء العداء وعدم التزامها بأخلاق واصول التنافس والمعارضة ، ومحاولاتها الحثيثة الى افشال كل عمل جيد وخطوة باتجاه الاعمار مخافة ان يسجل بأسم المالكي! ويكفي في هذا الصدد القاء نظرة على خطاب التيار الصدري والمجلس الاعلى خلال الانتخابات الماضية او ماحصل تجاه قانون البنى التحتية وقانون الموازنة...

ايرانيا يبدو هناك اختلاف تجاه قراءة الواقع العراقي بين القراءة الحكومية التي تمثلها الخارجية والمجلس الاعلى للأمن القومي والتي ظهرت في دعم الحكومة لتكليف السيد العبادي وبين قراءة الحرس، ومع التزام الاخيرة بقرارات المجلس الاعلى للأمن القومي فقد رجح هذا الالتزام كفة القراءة الحكومية، علما ان الجمهورية تركت الامر للعراقيين كي يقرروا بانفسهم وحراكها الدبلوماسي تركز على تقريب وجهات النظر.

لكن السؤال الاساسي الذي يجب ان نطرحه في هذا المجال، لماذا كل هذا الموقف الاميركي المناوئ للمالكي والضاغط بأتجاه استبعاده وتشكيل الحكومة الجديدة بدونه؟!

وبغض النظر عن احتمال وجود طبخة اقليمية تشارك فيها اطراف متعددة لأخراج المشهد العراقي بالشكل الذي انتهى اليه... فأن العداء الاميركي للمالكي ليس جديداً، بل ظهر في آخر زيارة له الى واشنطن والتي لم يستقبل فيها كما كان يتوقع واقفل عائداً بعد يومين في حين ان مقرر الزيارة كان اربعة ايام، وايضاً في عدم استجابة الحكومة الاميركية لطلباته بالتسليح حتى بعد الهجوم الارهابي على الانبار ومن ثم الموصل، بل تركته امام هجمة "داعش" المدعومة من دول اقليمية حليفة لاميركا والمنسقة مع كيانات داخل العراق.. ولولا الفتوى التي اصدرتها المرجعية لتدهورت الاوضاع اكثر مما كانت عليه، لكن الفتوى التي انقذت العراق لم تسعف المالكي، بل تحولت الى سلاح بيد خصومه.

اما أسباب العداء الأميركي له ، فيمكن تلخيصها ببضع نقاط، هي:
• الموقف الاقليمي المساند لسوريا والمعادي لسياسة أميركا وحلفاءها في المنطقة.
•  التقارب الكبير مع ايران والتنسيق معها في جميع الملفات.
• حاجة العراق لشخصية ضعيفة يمكن ان تمرر من خلالها وبالتعاون معها ملفات اقامة اقليم سني والانفصال الكردي او على الاقل تحضير مستلزمات ذلك وبأنتظار ساعة الصفر!
• اعادة البعثيين الى السلطة ومشاركتهم الفاعلة والتي يعتبر المالكي حجر عثرة أمامها وقد قام بأقصاء العديد من متسلليهم الى داخل العملية السياسية، ومخافة اقصاء الباقين والذي تعتبره الادارة الاميركية مطلباً ايرانيا وطائفياً!

• افشال ماتم بعد فتوى المرجعية واحتواءه لصالح الجهد الاميركي في المنطقة ولتكرس خطة بايدن الشهيرة في تقسيم العراق .
• يضاف الى ذلك ما تفرضه اجواء الصدام وعودة الحرب الباردة من جديد بين اميركا وروسيا والدعم الروسي للعراق في حربه على الارهاب وفي مواجهة داعش والمسلحين المتعاونين مع حلفاء اميركا!

ان حكومة المالكي شكلت حالة جمعت بين الصحيح والخطأ على صعيد السياسة الداخلية، اخطاء كثيرة لايغفرها له سوى توقيعه على قرار اعدام الطاغية عندما تهرب الجميع من ذلك، كما هو الحال في الحديث القائل: "حب علي حسنة لاتضر معها سيئة!"، رغم اعتقادي انه دفع ثمن مواقفه الخارجية وخاصة فيما يتعلق بالملف السوري.
 

ان التوافق الدولي ـ الاقليمي الذي جاء بالمالكي وفق معطيات معينة قبل 8 سنوات، اتفق اليوم وفق معطيات جديدة على استبعاده، لان ديمقراطية العراق ـ وببساطة ـ قرر لها ان تكون توافقية وليست حكومة أغلبية التي تعني هيمنة مكون معين على الدولة بحكم الديموغرافيا، وهو مالا ترضاه أميركا التي يقال انها أسقطت صدام حسين وقدمت الحكم على طبق من "ذهب" للشيعة!

لذلك، اشك في حلّ أهم الخلافات بين المكونات العراقية مع رحيل المالكي، لأن هذه الخلافات لم يكن المالكي سببها، بل هي في صلب العملية السياسية العرجاء التي وضع تصاميمها المحتل، والتي تقيم انتخابات ثم تنتهي الى حكومة توافقية.. او كما في وضع مادة المناطق المتنازع عليها!

وما نرجوه من السيد المالكي وغيره من قادة التنظيمات والمكونات السياسية هو الابتعاد عن لغة الشارع في الصراعات السياسية، وابعاد المؤسسة العسكرية والامنية من كل ذلك والمحافظة على استقلاليتها ومهنيتها.. وان يكون الدستور والمؤسسات الدستورية هي كلمة الفصل حتى لو كانت قراراتها غير صائبة وظالمة في مرحلة ما.. وكما يقال: الايام دِوَلْ. حمى الله العراق وشعبه من كل سوء.

* علاء الرضائي